تُشكّل حادثة مقتل القيادي الكبير، الأقدم في “الحرس الثوري” الإيراني، رضي موسوي، ضربة كبيرة بالنسبة لطهران وفق مراقبين.
ورغم تحميلها المسؤولية وبشكل رسمي، لم يصدر من جانب إسرائيل أي تعليق بالتبني أو النفي، وهي سياسة كانت قد التزمت بها كقاعدة عامة، وعندما نسبت إليها الكثير من الاستهدافات في سوريا.
وقتل موسوي في منطقة السيدة زينب بالعاصمة دمشق، وحسب ما أوضح السفير الإيراني في سوريا حسين أكبري، الاثنين، فقد “استهدف منزله بثلاثة صواريخ إسرائيلية”، وبعدما دمّر المبنى “تم إيجاد جثمانه في ساحة البناء”.
السفير الإيراني ذكر أن “موسوي كان دبلوماسيا والمستشار الثاني في سفارة بلادنا، وكان لديه جواز سفر دبلوماسي وإقامة دبلوماسية هنا”، وأنه “تواجد الاثنين في الساعة الثانية ظهرا في السفارة الإيرانية في مكتب السفير”، قبل أن يتوجه إلى مكان إقامته.
لكن المحطات التي مرّ بها القيادي البارز في “الحرس الثوري” وترتبط باسمه تشير إلى غير ذلك. فمن هو؟ ولماذا استهدف في التوقيت الحالي بالتحديد؟ وما المتوقع من جانب إيران بعدما هدد كبار مسؤوليها بـ”الرد في المكان والزمان المناسبين”؟
“قيادي إمداد بين فرعين”
قبل مقتله في دمشق لعب الجنرال موسوي دورا مهما في “تنسيق القوات الوكيلة لإيران في سوريا وفي نقل الأسلحة الإيرانية عبر سوريا إلى لبنان”، حسبما يوضح حميد رضا عزيزي، وهو زميل زائر في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية (SWP).
ويقول لموقع “الحرة” إنه يمكن النظر إلى اغتياله كجزء من استراتيجية العمليات الإسرائيلية في سوريا، التي تهدف إلى تعطيل أي طرق لنقل الأسلحة إلى “حزب الله” في لبنان، وخاصة خلال حرب غزة.
وتماشيا مع هذه الاستراتيجية، تم استهداف مطاري حلب ودمشق بشكل متكرر في الشهرين الماضيين.
ويضيف عزيزي: “ينبغي النظر إلى استهداف موسوي في ضوء ذلك. بمعنى الجهود التي تبذلها إسرائيل للحد بشكل كبير من قدرة إيران على دعم حزب الله في حربه ضد إسرائيل”.
ويلقب موسوي بـ”السيد رضي”، وهو القيادي الإيراني الأول الذي يقتل خارج الحدود بعد قائد “فيلق القدس” سابقا قاسم سليماني، الذي قضى بضربة أميركية قرب مطار بغداد، مطلع عام 2020.
ويشير الباحث في الشؤون الإيرانية، الدكتور محمود البازي إلى أنه “من أكثر الأشخاص الذين كانوا في سوريا”، وأنه “عمل على الإمدادات اللوجستية، وكان يدير الفرع 108 والفرع 109”.
ويختص الفرع 108 بنقل الأسلحة من إيران إلى سوريا، بينما 109 بعملية نقل الأسلحة من سوريا إلى “حزب الله” في لبنان.
كما أن موسوي كان يشرف بطريقة غير مباشرة وعبر وسطاء “على عملية تصنيع الطائرات المسيرة وتجهيزها”، وفق حديث البازي لموقع “الحرة”.
ولم يصدر أي تعليق من جانب النظام السوري بشأن حادثة مقتل الجنرال الإيراني البارز، على خلاف الضربات التي استهدفت منطقة السيدة زينب لأكثر من مرة، منذ بداية شهر ديسمبر.
لكن وسائل إعلام إيرانية، وبعدما نشرت الكثير من الصور لموسوي مع زعيم “حزب الله”، حسن نصر الله وقاسم سليماني وقادة آخرين في “الحرس الثوري”، قالت إن ضباط في الجيش السوري قدموا تعازيهم يوم الثلاثاء في مبنى السفارة الإيرانية بدمشق.
ماذا بعد؟
يورد تقرير لوكالة “تسنيم” الإيرانية أن “موسوي كان أحد كبار مستشاري الحرس الثوري الإيراني في سوريا، ومسؤولا عن دعم جبهة المقاومة”.
ويوضح أنه “لعب دورا في مقاومة المنطقة منذ ما يقرب من 25 عاما”، وأنه “كان صديقا قديما لقاسم سليماني”.
وهدد وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان بقوله على موقع التواصل “إكس”: “على تل أبيب أن تنتظر العد التنازلي الصعب”.
وتعهد الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي بجعل إسرائيل “تدفع الثمن”.
وأضاف المتحدث باسم الحكومة الإيرانية، بهادي جهرمي: “ستدفعون ثمنا باهظا. إن هذا النظام الصهيوني ومؤيديه، بما في ذلك الولايات المتحدة وإنكلترا، لا يستطيعون التستر على هزيمتهم التاريخية في حرب غزة”.
وبالنظر إلى خلفية المواجهة بين إيران وإسرائيل في سوريا وأماكن أخرى، فقد تجنبت طهران باستمرار الانتقام المباشر، كما يقول الباحث حميد رضا عزيزي.
ويوضح أن “السبب المنطقي وراء ذلك هو إحجام طهران عن الدخول في حرب صريحة مع إسرائيل”.
وفي السياق الحالي على وجه الخصوص وفي خضم الحرب في غزة، يرى المسؤولون الإيرانيون أن الخطوة الإسرائيلية، بما في ذلك اغتيال القيادي في “الحرس الثوري” هي محاولة محتملة محسوبة من قبل الإسرائيليين لاستفزاز طهران للدخول في صراع.
ويضيف الباحث أن “هذا المنظور يشير إلى أن الضغوط الدولية ومشاعر الرأي العام على إسرائيل ربما دفعتها إلى تصعيد التوتر مع إيران لتعزيز الدعم الدولي”.
ويشير الباحث البازي إلى عدة سيناريوهات قد ينعكس إحداها في المرحلة المقبلة، في أعقاب مقتل القيادي موسوي.
ويتعلق أبرزها بفكرة أن “قواعد الاشتباك لن تتغير، لاسيما أنه وفي أعقاب عملية طوفان الأقصى أرسل كل الأطراف رسائل غير مباشرة للجميع بأننا غير معنيين بالتصعيد”.
وكانت الرسائل تصب في إطار أن “تستكمل إسرائيل عملياتها في غزة، وفي المقابل أن تبقى الهجمات محدودة ضدها في جنوب لبنان والبحر الأحمر وسوريا والعراق دون أن تسبب أي مشكلة”.
ويضيف البازي: “هذه القواعد ربما تكون ثابتة حتى الآن”، رغم أن الباحث يشير إلى “متغيّر”، يتعلق بـ”الحصول على هدف استثنائي مثل موسوي في سوريا، بعد التأكد من موقعه وتواجده في المكان، مع القدرة على أن تتم عملية التحييد بنسبة 100 بالمئة”.
ويتابع الباحث: “هنا تكون المفاضلة بين كسر قواعد الاشتباك العادية لصالح تحييد هدف مهم جدا… وهذا ما فعلته الولايات المتحدة الأميركية مع قاسم سليماني. بمجرد حصولها على الإحداثيات رأت الفرصة مناسبة وقررت كسر القواعد وتنفيذ الاغتيال”.
“القواعد تغيّرت”
وعلى خلاف الباحث البازي، يرى حميد رضا عزيزي، الزميل الزائر في (SWP) أن “قواعد الاشتباك تغيرت بالفعل”.
وعلى مدى السنوات القليلة الماضية، كانت إسرائيل حذرة دائما من عدم قتل ضباط إيرانيين في ضرباتها ضد المواقع الإيرانية وحلفائها في سوريا.
وفي المناسبات التي قُتل فيها ضباط إيرانيون، لم يكونوا في العادة أهدافا مباشرة.
ومع ذلك، تشير التقارير الأخيرة، وفق الباحث إلى أن “إسرائيل استهدفت بشكل مباشر مقر إقامة القائد الكبير في الحرس الثوري الإيراني بهدف القضاء عليه”.
ويبدو أن هذا الإجراء هو “رد إسرائيل على الصراع المتصاعد الذي بدأه حلفاء إيران، ولا سيما الحوثيون وحزب الله، ضد إسرائيل”، وفق حميد رضا عزيزي.
ويتابع: “في الأساس كانت هذه الضربة بمثابة رسالة من إسرائيل تشير إلى أنه إذا استمرت إيران وحلفاؤها في تصعيد الوضع، فإن إسرائيل سترد بالمثل”.
ويعتبر المحلل السياسي الإسرائيلي، يوآف شتيرن، أن حادثة مقتل موسوي “تضع المنطقة أمام لحظة حساسة جدا، وقد تشكل سببا لتصعيد ملموس للمواجهات ما بين إسرائيل وجيرانها في الشمال”.
ومع ذلك يرى شتيرن في حديث لموقع “الحرة” أن “نية التصعيد غير موجودة لدى الطرف الإيراني، وأن طهران تفهم أنه سينعكس عليها بشكل خطير إن حصل”.
“الإيرانيون في لحظة صعبة وامتحان، وعدم الرد ربما يعكس حالة ضعف أمام الردع الإسرائيلي والأميركي في المنطقة”، كما يعتقد شتيرن.
ويضيف: “هي ضربة قاسية للجهود الإيرانية في المنطقة، رغم أنها لا تعني أن التواجد الإيراني في سوريا انتهى”.
ومنذ 2003، بعد التدخل الأميركي في العراق، عملت إيران على تغيير نموذج الوكلاء لديها إلى آخر شديد، وفق ما يشير إليه الباحث محمود البازي.
أي “من الإيديولوجي القائم على نشر الثورة الإسلامية إلى براغماتي لتحقيق المصالح والنفوذ وتحقيق معادلة ردع، كي لا تتم مهاجمة أراضيك”.
وقد بنت هذا التحول على شيء عميق، وهو “اللامركزية للوكلاء” بحيث يكون لديهم استقلال باتخاذ القرار والموارد المالية.
ويوضح البازي أن الرد الإيراني، إن تم “سيكون عن طريق الحلفاء والوكلاء. لن يكون واضحا وبشكل غير مباشر، على أن تتجه الأطراف بعد ذلك لخفض التصعيد والعودة إلى قواعد الاشتباك القديمة”.