تحاصر قوات الاحتلال الإسرائيلي مستشفيات ومخيمات للنازحين في شمال قطاع غزة وسط قصف كثيف، وفي حين اتهم الدفاع المدني الاحتلال بممارسة سياسة التجويع، أكدت الأمم المتحدة أن إسرائيل لا تسمح بدخول المساعدات الإنسانية إلى المنطقة.
وقال المدير العام لوزارة الصحة الفلسطينية في غزة منير البرش إن الاحتلال يحاصر المستشفيات وإن الوضع كارثي، ولا سيما في ظل المجاعة.
وأضاف -في مقابلة مع الجزيرة- أن عدد الشهداء في محافظة شمال غزة بلغ خلال 17 يوما 600 شهيد.
وقالت الأمم المتحدة إن الهجمات الأخيرة على مستشفيات شمالي غزة تُفاقم الأزمة الإنسانية وتعرّض حياة الآلاف للخطر الشديد، مشيرة إلى وجوب إعطاء أولوية لوصول الرعاية الطبية والإمدادات لمنع المزيد من الخسائر في الأرواح في غزة.
من جهته، قال مدير مستشفى كمال عدوان بغزة للجزيرة إن الوضع في مستشفيات القطاع كارثي، داعيا المؤسسات الدولية للضغط على الاحتلال لإدخال وحدات دم.
وفي السياق، يواجه المستشفى المعمداني -وهو الوحيد الذي يعمل في مدينة غزة- صعوبات كبيرة في تقديم العلاج للمصابين، بسبب أعدادهم الكبيرة، نتيجة القصف الإسرائيلي المتواصل على مدينة غزة وشمالها.
ويعاني المستشفى من قلة الكوادر الطبية المتخصصة، ونقص حاد في المستلزمات الطبية والأدوية، وشح كبير في الوقود، مما يجعله عرضة للخروج عن الخدمة في أي لحظة.
وذكر مسعفون في المستشفى الإندونيسي لرويترز أن القوات الإسرائيلية اقتحمت مدرسة واحتجزت الرجال قبل إشعال النار في المنشأة. وأضافوا أن الحريق وصل إلى مولدات المستشفى وتسبب في انقطاع التيار الكهربائي.
وقالت ممرضة في المستشفى إن “الجيش يحرق المدارس المجاورة للمستشفى، ولا يمكن لأحد دخول المستشفى أو الخروج منه”.
وقالت هديل عبيد -وهي مشرفة تمريض في المستشفى الإندونيسي- إن الإمدادات الطبية على وشك النفاد بما في ذلك الشاش المعقم والأدوية. وأضافت لرويترز أن إمدادات المياه انقطعت ولا يوجد طعام لليوم الرابع على التوالي.
وقالت الأمم المتحدة إنها لم تتمكن من الوصول إلى المستشفيات الثلاثة في شمال غزة.
“جحيم غير مسبوق”
ووصف المستشار الإعلامي لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) عدنان أبو حسنة الأوضاع في شمال قطاع غزة -ولا سيما مخيم جباليا– بالجحيم غير المسبوق، مؤكدا أن الجيش الإسرائيلي قتل مدنيين حاولوا الخروج من مراكز الإيواء.
وأضاف أبو حسنة أن أكثر من 100 ألف مدني فلسطيني في تلك المنطقة بلا طعام ولا ماء ولا دواء.
من جانبه، قال المفوض العام للأونروا فيليب لازاريني إن هناك تقارير تفيد بسقوط قتلى ضمن الفارين من شمال قطاع غزة، وترك جثثهم في الشوارع، ومنع فرق الإنقاذ من الوصول إليها.
وأكد المفوض العام للأونروا أنه يجب أن تحصل الوكالات الإنسانية -بما فيها الأونروا- على إمكانية الوصول إلى شمال غزة. ووصف رفض إدخال المساعدات الإنسانية، واستخدامها سلاحا لتحقيق أغراض عسكرية، بالمؤشر على ضياع البوصلة الأخلاقية.
وشدد المسؤول الأممي على أن كل دقيقة لها قيمتها، وأن تأخر الموافقات على الدخول إلى شمال غزة يؤدي إلى عدم تمكن فرق الإنقاذ من إسعاف المصابين في الوقت المناسب، ويجعل عملها مقصورا على انتشال الجثث.
وأضاف أنه يجب على السلطات الإسرائيلية السماح للأمم المتحدة بتقديم المساعدات الإنسانية والإمدادات الطبية في شمال القطاع.
ونقلت شبكة “سي إن إن” عن نائب مدير شؤون الأونروا في غزة قوله إن هجمات الجيش الإسرائيلي خلال الأيام الخمسة الماضية استهدفت 3 مرافق على الأقل تديرها الوكالة شمالي القطاع.
وأضاف المسؤول الأممي أن الهجمات أدت إلى خسائر كبيرة في الأرواح، موضحا أن الوضع في شمال غزة يتجاوز أي شيء رأوه منذ بداية الحرب.
وأعرب المسؤول الأممي عن اعتقاده بأن 100 ألف من سكان جباليا محاصرون، وأن الوكالة لم تتمكن من إدخال أي إمدادات لهم، ولم تصلهم أي مساعدات منذ 3 أسابيع.
من جانبها، قالت المسعفة نفين الدواوسة -الشاهدة على قصف الجيش الإسرائيلي لأحد مراكز الإيواء يتبع الأونروا في مخيم جباليا- إن الجيش الإسرائيلي لم يمهل النازحين ولم يعطهم وقتا كافيا للمغادرة قبل أن يقصفهم، مما أدى إلى استشهاد 10 أشخاص وإصابة أكثر من 30 آخرين معظمهم أطفال.
وأظهرت صور للجزيرة انتشال الأهالي جثث شهداء في شوارع مخيم جباليا البلد نتيجة قصف إسرائيلي صباح اليوم.
وقال مراسل الجزيرة إن قوات الاحتلال الإسرائيلي استهدفت مواطنين، بينهم أطفال، أثناء سعيهم للحصول على الماء.
سياسة تجويع
وعلى صعيد متصل، قال المتحدث باسم الدفاع المدني في غزة، محمود بصل، إن الجيش الإسرائيلي يمارس سياسة التجويع والإنهاك والتنكيل بالفلسطينيين في جباليا واستخدام القوة المفرطة لإفراغ المنطقة من سكانها وإجبارهم على النزوح إلى مدينة غزة.
وأضاف بصل أن “الجيش الإسرائيلي يقوم بتجويع المواطنين عبر الحصار الخانق على المنطقة ثم ينفذ عمليات قصف وتوغل بري، أي أن من لم يمت من القصف سيموت من الجوع”.
وأشار إلى أن بعض العائلات التي تمكنت طواقم الدفاع المدني من الوصول إليها قالوا إنهم لم يتناولوا الطعام منذ 5 أيام.
ولفت إلى أن الجيش الإسرائيلي بعد قصفه المناطق السكنية يقوم الآن بقصف مراكز الإيواء وأي تجمعات للسكان لإجبارهم على الخروج والنزوح إلى مدينة غزة.
وتابع أن الاحتلال لم يكتف بإجبار المواطنين على النزوح بل يقوم بعمليات قصف وقتل وتعذيب وإهانة للمواطنين، لإيقاع أكبر قدر منهم ما بين شهيد وجريح.
وفي الخامس من أكتوبر/تشرين الأول الجاري، بدأ الجيش الإسرائيلي عمليات قصف غير مسبوق لمخيم وبلدة جباليا ومناطق واسعة في شمالي القطاع، قبل أن يعلن في اليوم التالي عن بدء اجتياح لهذه المناطق، بذريعة منع حركة المقاومة الإسلامية (حماس) من استعادة قوتها في المنطقة، بينما يقول الفلسطينيون إن إسرائيل ترغب في احتلال المنطقة وتهجير سكانها.
وبدعم أميركي واسع، خلفت حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية المتواصلة في غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 أكثر من 142 ألف شهيد وجريح فلسطيني، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قتلت عشرات الأطفال والمسنين.