“قاعدة على الأطلسي”.. جبهة جديدة في التوتر بين واشنطن وبكين

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 8 دقيقة للقراءة

في تصريحات نقلتها وكالة رويترز، قال وزير الدفاع الدنماركي، ترويلز لوند بولسن، الجمعة، إنه يتعين على بلاده تسريع وتيرة استثماراتها العسكرية، بعد أن “أشارت معلومات استخباراتية جديدة إلى أن روسيا تعيد تسليح نفسها بوتيرة أسرع من المتوقع، وأنها قد تهاجم إحدى دول حلف شمال الأطلسي خلال 3 إلى 5 أعوام”.

وأضاف بولسن في تصريحات صحفية: “قدرة روسيا على إنتاج المعدات العسكرية زادت بشكل هائل، ولا يمكن استبعاد أن تحاول خلال فترة تتراوح بين 3 إلى 5 أعوام اختبار المادة الخامسة وتضامن حلف شمال الأطلسي، ولم يكن هذا تقييم حلف شمال الأطلسي في 2023. إنها معلومات جديدة تتكشف حالياً”.

وتنص المادة الخامسة من ميثاق حلف الناتو، على أن أي هجوم أو عدوان مسلح ضد أي بلد عضو في الحلف، “يعتبر عدواناً عليهم جميعاً، وبناء عليه، فإنهم متفقون على حق الدفاع الذاتي عن أنفسهم، المعترف به في المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، بشكل فردي أو جماعي، وتقديم المساندة والعون للطرف أو الأطراف التي تتعرض للهجوم”.

انضمام السويد للناتو.. هل اكتملت “الصفقة” من جانب تركيا؟

بعدما أعطى البرلمان التركي “الضوء الأخضر” للسويد تكون الدولة الإسكندنافية اقتربت على نحو كبير من أبواب حلف شمال الأطلسي (الناتو).

وفي هذا السياق، أوضح تقرير لمجلة “فورين بوليسي”، أن الدول الاسكندنافية “بدأت تتأهب” لصد أي هجوم روسي محتمل على أراضيها.

ووفقا للمجلة، فإنه بالنسبة للدول الاسكندنافية المجاورة لروسيا، فقد كان الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا في فبراير 2022، سبباً في تعطيل حسابات الحياد الباردة.

والعام الماضي، أصبحت فنلندا أحدث عضو في حلف شمال الأطلسي، ومن المرجح أن تتبعها السويد قريباً، في انتظار موافقة المجر.

وقال رئيس اللجنة العسكرية للناتو، الأدميرال روب باور، في خطاب ألقاه في أكتوبر 2023 في جمعية الدائرة القطبية الشمالية في أيسلندا، إن “المنافسة والعسكرة المتزايدة في منطقة القطب الشمالي أمر مثير للقلق.. ويجب أن نكون مستعدين للصراعات العسكرية التي قد تنشأ في القطب الشمالي”.

وعلى مدى العقود العديدة الماضية، ركزت الاتفاقيات الثنائية والدولية بين روسيا ودول القطب الشمالي الأخرى، على الأمن الشمالي المشترك، بالإضافة إلى المصالح العلمية ومصالح السلامة.

لكن بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، انهارت تلك الترتيبات بسرعة، ففي مارس 2022، علّق مجلس القطب الشمالي، وهو منتدى بين دول القطب الشمالي الثماني، المحادثات، (استؤنفت في مايو 2023، لكن بحذر ودون وجود توضيحات بشأن مشاركة روسيا حتى الآن).

وفي سبتمبر 2023، غادرت روسيا مجلس “بارنتس” الأوروبي القطبي الشمالي، قائلة إن الدول الاسكندنافية “شلت” التعاون.

وتأسس مجلس “بارنتس” عام 1993، لتحسين التعاون بين دول منطقة بارنتس.

ويضم المجلس كلًا من روسا والدنمارك وفنلندا وأيسلندا والنرويج والسويد والمفوضية الأوروبية، فيما تحمل صفة مراقب كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان وهولندا وبولندا.

وفي فبراير 2023، عدلت روسيا سياستها في القطب الشمالي، مؤكدة على تحالفات جديدة مع دول البريكس الأخرى (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا)، وخاصة الصين.

خطوة تقلق روسيا.. ماذا يعني انضمام فنلندا لحلف الناتو؟

بانضمام فنلندا إلى حلف شمال الأطلسي، ازدادت القوة العسكرية الهائلة أصلا لهذه المؤسسة الدولية التي باتت مكونة من 31 دولة، حيث أن للعضو الجديد أهمية استراتيجية، فيما يتعلق بالمواجهة مع روسيا، خاصة في ظل التوتر الذي أحدثه غزو أوكرانيا.

وفي ذلك الشهر، علقت موسكو مشاركتها في معاهدة ستارت الجديدة، وهي آخر اتفاقية متبقية للحد من الأسلحة النووية بين الولايات المتحدة وروسيا.

وقال راسموس بيرتلسن، رئيس جامعة بارنتس للسياسة في جامعة القطب الشمالي في ترومسو: “هناك فكرة سياسية ما بعد الحرب الباردة حول (الاستثناء في القطب الشمالي)، وهي أن الشمال مستثنى من التطورات في السياسة العالمية.. والمشكلة أن تلك الترتيبات لم تكن ذات جدوى على الإطلاق”.

وأضاف أنه إذا نظرنا عن كثب إلى العقود الماضية، فسنرى “استراتيجية روسية في القطب الشمالي، تتبع عن كثب أجندتها العالمية”.

ففي عام 2007، رفض الخطاب الذي ألقاه الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في مؤتمر ميونخ الأمني، بشدة نظام الاستقرار العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة في مرحلة ما بعد الحرب الباردة.

وفي العام نفسه، شنت روسيا أول هجوم إلكتروني لها على إستونيا، وقدمت مطالبة إقليمية جريئة في القطب الشمالي من خلال زرع العلم الروسي في قاع البحر أسفل القطب الشمالي.

كما ركز بوتين العسكرة حول أقصى الشمال، إذ أنه ومنذ عام 2014، وهو العام الذي ضمت فيه روسيا شبه جزيرة القرم، قامت روسيا بشكل مطرد بتطوير أسطول شمالي من الغواصات النووية والسفن ومنشآت الصواريخ والأساطيل الجوية ومحطات الرادار.

واليوم، توجد أكبر قاعدة عسكرية روسية في شبه جزيرة كولا، المتاخمة للنرويج وفنلندا، حيث تختبر أيضًا صواريخ جديدة تفوق سرعتها سرعة الصوت.

وقال أندرياس أوستاجين، وهو زميل بارز في معهد القطب الشمالي في أوسلو بالنرويج: “في وقت سابق، كانت لروسيا مصلحة في الظهور كشريك بناء، بما في ذلك في القطب الشمالي.. لكن الوضع تدهور تماما”.

وجاء الغزو الروسي واسع النطاق لأوكرانيا بمثابة دعوة للاستيقاظ للدول الاسكندنافية المجاورة، التي قاومت لعقود من الزمن التحالفات العسكرية، حيث ظهر الحياد، وبشكل مفاجئ، أنه أشبه بالضعف، وفق “فورين بوليسي”.

وفي هذا المنحى، شهدت فنلندا انقلابًا مذهلاً بشكل خاص، ففي ديسمبر 2021، عارض 51 في المئة من الفنلنديين الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي، لكن، 78 في المئة باتوا في الوقت الحالي يؤيدون العضوية. 

وفي عام 2022، أعلنت النرويج وفنلندا والسويد عن اتفاق لتعزيز التحالف العسكري بينهم، مع التركيز على أعالي الشمال. واليوم، تجري النرويج والسويد والدنمارك وفنلندا محادثات حول تقاسم قواتهم الجوية رسميًا.

وفي مارس 2024، ستقود النرويج تمرينًا موسعًا لـ “الاستجابة لدول الشمال” بغية اختبار الخطط الدفاعية المنسقة بين الدول الاسكندنافية.

وقال مايكل بول، زميل بارز في السياسة الأمنية في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، إن التاريخ سيكشف عن هذا التحالف الشمالي الجديد باعتباره “أحد أعظم أخطاء بوتين”. وأضاف: “إذا كانت الحرب في أوكرانيا قد حققت أي شيء، فهو توحيد دول الشمال بشأن قضايا الأمن”. 

من جانبه، رأى الباحث نيال فيرغسون، أن القواعد العسكرية المشتركة الأميركية والسويدية والفنلندية “ذات منفعة متبادلة، فعندما تمتلك الولايات المتحدة الموارد، فإنها غالبًا ما تفتقر إلى الخبرة الفنية في الظروف القاسية”.

ونوه بأن هذه الدول الصغيرة “لديها الكثير لتعلمه للجيش الأميركي”، موضحا أن تحالفهم مع حلف شمال الأطلسي “سيغير قواعد اللعبة”.

وقال فيرغسون: “لدينا الآن 7 من أصل 8 دول في القطب الشمالي، متحالفة جيوسياسياً مع جيوش ذات قدرة عالية”. ومع ذلك، فقد شدد الخبراء على أن حدوث صراع واسع النطاق في الشمال الأوروبي “أمر غير مرجح”.

ومن المفارقات، كما أشار بول، أن القدرة العسكرية الروسية الهائلة والموارد الاقتصادية التي تزيد من التوترات في القطب الشمالي، “تمنع أيضًا التصعيد الحقيقي”.

ففي الشمال، لدى روسيا ببساطة الكثير مما يمكن أن تخسره، بسبب وجود موارد هائلة من الوقود الأحفوري.

وعلى عكس حالتي أوكرانيا وشبه جزيرة القرم، لم يتخيل بوتين علناً قط استعادة فنلندا، التي أعلنت استقلالها عن روسيا في عام 1917، ولم يتحدث عن الوصول إلى المحيط الأطلسي عبر النرويج.

وقال بول إن الكرملين لديه مصلحة في الحفاظ على “مستوى منخفض من التوتر” في الشمال.

ومع ذلك، فقد حذر بول من “افتراض أن بوتين سيتصرف بعقلانية”، موضحا أنه في حالة “محاصرة الرئيس الروسي في الزاوية جراء توسع حلف شمال الأطلسي وتقدم القوات الأوكرانية، فمن المستحيل عندها معرفة كيف سيكون رد فعله”.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *