تتزايد مطالب شركات الأدوية في مصر برفع أسعار منتجاتها على أساس ارتفاع تكلفة مدخلات الإنتاج المستوردة التي تمثل 90% من مدخلات الأدوية المصنعة محليا بعد تحرير سعر الصرف في وقت سابق من الشهر الجاري، ما يثير أسئلة بشأن السعر العادل للمستهلك وسط ارتفاع التضخم لمستويات قياسية.
كان السعر الرسمي للجنيه مقابل الدولار قبل تحريره في السادس من مارس بنحو 31 جنيها، لكن بعد ساعات من قرار البنك المركزي المصري، وصل السعر إلى 50 جنيها قبل أن يتراجع إلى 48 جنيها تقريبا بالتزامن مع توقيع مصر اتفاقات مختلفة مع صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي الأحد، وآخرها إعلان البنك الدولي الاثنين عن حزمة تمويلات بقيمة 6 مليارات دولار.
يدافع رئيس المجلس التصديري للصناعات الطبية، ماجد جورج أمين، عن مطالب شركات الأودية، قائلا إن “الدواء هو السلعة الوحيدة في مصر التي تسعر جبريا بدون أي دعم من الدولة، فالأغذية مثلا غير مسعرة بشكل إجباري”.
ويقول أمين لموقع “الحرة” إن ” آخر تسعير لدواء معين مثلا يعود لأربعة سنوات وكان الدولار حينها يبلغ 15 جنيها. هذا يعني أن الشركة التي تستورد الخامة الدوائية من الخارج بسعر 15 جنيها للدولار، أصبحت تستوردها بسعر 48 جنيها للدولار، أي تقريبا ثلاثة أضعاف السعر السابق، لذلك من المفترض أن هيئة الدواء تعيد التسعير بناء على الخامات المستوردة بسعر اليوم”.
بلغ حجم إنتاج شركات الدواء في مصر عام 2021 نحو 159.8 مليار جنيه. وقفزت مبيعات القطاع من 63 مليار جنيه عام 2018 إلى 142.5 مليار جنيه في 2023. ويبلغ عدد مصانع الأدوية المرخصة في مصر 191 مصنعا تمتلك 799 خط إنتاج، وفقا لبيانات هيئة الدواء المصرية. وتغطي 92% من احتياجات السوق المحلية الدوائية، بينما يتم استيراد الـ8% المتبقية من الخارج.
وبينما نجح تحرير سعر الصرف الأخير في القضاء على السوق الموازية، فإنه أدى إلى ارتفاع في أسعار بعض المنتجات.
ويقترب التضخم من مستويات قياسية مرتفعة (35.7 بالمئة في فبراير) ويقول كثير من المصريين إنهم يجدون صعوبة في تدبير أمورهم.
ما هي سياسة تسعير الأدوية؟
طبقا لقرار وزير الصحة عام 2012، لا يوجد سقف للزيادات التي يتحملها المرضى، مع الارتفاعات المستمرة في سعر العملة.
فمنذ 2012، يخضع تسعير الدواء لقاعدة “المرجعية الخارجية” أي الاسترشاد بسعر الدواء في مجموعة من البلدان الأخرى التي يتم تسويقه فيها. وتبعا لهذه القاعدة إذا كان الدواء مستحضرا أصليًّا يحتوي على مادة فعالة جديدة أو ابتكار جديد، يتعين على الشركة المصرية الساعية إلى تسجيله أن تقدم مسحا لسعره في 36 دولة أخرى، ثم يتم اعتماد أقل سعر للتداول في السوق المصرية.
أما الأدوية التي تحتوي على نفس المادة الفعالة للمستحضر الأصلي وتستوردها الشركة كاملة الصنع، أو يتم تصنيعها محليًّا فيتم تسعيرها بما يقل عن سعر المستحضر الأصلي في الدول الأخرى بنسبة تتراوح ما بين 35 و40 في المئة.
وجرى تحريك سعر الأدوية بنسبة 20 في المئة في 2016 قبل تعويم الجنيه. ثم رفعت الحكومة الأسعار مرة أخرى بداية 2017 لتعكس التغير في سعر الصرف. ويجري النظر بشكل دائم في طلبات شركات الأدوية لإعادة التسعير، ليرتفع سعر أصناف كثيرة مع الانخفاض المستمر في قيمة الجنية.
وقال رئيس “جمعية الحق فى الدواء”، محمود فؤاد إن هناك 3500 صنف دواء تم زيادة أسعارها منذ نهاية 2022، بنسب مختلفة تتراوح بين 15 إلى 20 في المئة، وهذا التسعير زاد عن حده، إذ إنه قبل عام 2018 كانت الزيادة فى التسعير لا تتعدى 10 أصناف من الدواء، بحسب ما نقلت عنه صحيفة “الشروق”.
ولفت إلى أنه طالب خلال مشاركته فى الحوار الوطنى بضرورة مراجعة أسعار الدواء، إذ توجد لبعض الأدوية فى الأسواق 3 أسعار مختلفة، وهذا أمر لم يحدث من قبل فى تاريخ الدواء، إلى جانب نقص حاد فى بعض الأدوية الأساسية والضرورية لكل مواطن مصري، مثل أدوية البرد وخوافض الحرارة وأدوية السكر وغيرها.
وطالبت شعبة الأدوية في اتحاد الغرف التجارية برفع الأسعار بنسبة 50% لتعكس الزيادة في التكلفة بعد التحرير الأخير لسعر الصرف. وتأتي هذه المطالب بعدما شهدت أسعار الأدوية زيادة بنسبة 20% في المتوسط خلال 2023 نتيجة لارتفاع تكلفة مدخلات الإنتاج المستوردة التي تمثل 90% من مدخلات الأدوية المصنعة محليًّا.
ويعتبر مركز “حلول للسياسات البديلة” التابع للجامعة الأميركية في القاهرة سياسة تسعير الدواء “مجحفة للمستهلك وصغار المنتجين كونها ترتبط بالسعر في دول أخرى دون الأخذ في الاعتبار اختلاف مستويات الدخول للأفراد والأوضاع الاقتصادية بشكل عام”.
وقال المركز في تقرير الاثنين: “بينما تتبنى تركيا نفس النظام للتسعير فإن أسعار الدواء لديها في متناول المواطنين كونها تدعم تكلفة الأدوية الأساسية أو تغطيها بالكامل لفئات معينة من المرضى”.
ويضيف “تساهم سياسة الحكومة التركية الداعمة في تطوير صناعة الأدوية وزيادة شبكة الإنتاج في تخفيض أسعار الدواء. وانخفاض قيمة الليرة التركية بالنسبة إلى عملات الدول التي يتم مقارنة الأسعار معها جعل أسعار الأدوية فيها أرخص”.
“هدم للصناعة”
من جانبه ينتقد أمين من يطالبون بالحفاظ على سعر الدواء، متسائلا: “هل المفترض أن القطاع الخاص يدفع من جيبه أم أن الحكومة عليها أن تدعم المواطن مثلما تدعمه في أسعار المحروقات”، معتبرا أن مطالبة شركات الدواء ببقاء نفس الأسعار “هدم للصناعة في مصر”.
ويعزو بعض الصيادلة النقص في الأدوية في مصر حاليا إلى أن الشركات تحاول الضغط على الحكومة من أجل القبول برفع أسعار أدويتها.
وفي طلب إحاطة قدمه النائب سيد حنفي طه، في وقت سابق من الشهر الجاري، قال إن “هناك عددا كبيرا من المرضى يعانون من أزمة نقص وارتفاع في أسعار الأدوية خاصة التي يحتاج إليها أصحاب الأمراض المزمنة، إذ أشارت بعض التقارير إلى أن هناك ارتفاعات تراوحت ما بين 70 إلى 200 في المئة في أسعار عدد كبير من أصناف الأدوية والعلاجات ورغم ذلك قد لا يجدها المريض”، بحسب ما أفادت صحيفة “المصري اليوم”.
“على سبيل المثال كانت علبة دواء الكولشيسين بخمسة جنيهات قبل عشر سنوات، ارتفع سعرها مرات عديدة وأصبحت الآن بـ120 جنيها”، بحسب المواطن خالد رمضان الذي يتناول هذا العلاج.
ويقول أمين: “كيف تبيع شركة دواء كان يكلفها 15 جنيها وتبيعه بعشرين جنيها، والآن يكلفها 48 جنيها وتريده أن يبيع الدواء بعشرين جنيها. إذا كان البعض يتحدث عن الوطنية في هذا الأمر، ففي الحقيقة هذا نوع من الانتحار لهذه الصناعة”.
توطين الصناعة
يطالب مركز حلول بتوطين صناعة المواد الخام للمستحضرات الطبية “حتى لا يظل سعر الدواء عرضة لتقلبات سعر الصرف واضطراب سلاسل الإمداد”.
ويقول جورج: “ليست هناك خامات محلية، كل الخامات من المادة الفعالة والبودرة خاصة تستورد من الخارج والمصنع المحلي يجمع بين عدد من المكونات ليضعهم في قرص واحد ويعبئها”.
ويضيف أن مصر تستورد معظم المواد الخام من أرخص الأماكن في العالم في الصين والهند “وهي شركات تنتج بكميات مهولة وإذا حاولنا منافستها فستكون تكلفة الإنتاج لدينا أكبر من تكلفة استيرادها”.
كيف نصل إلى سعر عادل للأدوية؟
يرى مركز حلول أنه “يجب أن يتم التفاوض مع شركات الدواء حول التسعير للوصول إلى سعر عادل على أن يكون لدى لجنة التسعير المصرية الآليات العلمية اللازمة لتقييم المنتج الدوائي وتحديد تكلفته الفعلية”.
من جانبه يقترح جورج اتجاهين يمكن أن تسلكهما الدولة “من خلال إعادة تسعير كل الأدوية بناء على تكلفة المواد الخام بعد تحرير سعر الصرف أو إطلاق تداول سعر الدواء وعمل الدولة على التأمين الصحي”.
ويوضح أن “الدولة تملك مجموعة من المصانع يمتلكها القطاع العام والجيش مثل شركات القاهرة والنيل وممفيس مصر للأدوية، الحكومة يمكنها أن تدعم المريض من خلال إلزامه بالحصول على دوائه في التأمين الصحي من خلال هذه الشركات بالدواء المدعوم لكن من لا يمتلك تأمينا صحيا يدفع السعر الحقيقي للدواء”.
ويشير إلى أن الحل الثاني هو “إطلاق حرية تداول سعر الدواء مثل أي سلعة في الدولة، هذا سيجعل المصانع في مصر تتنافس وسيجعل بعض الأدوية يقل سعرها وبعضها سيرتفع، وبدلا من شركتين أو ثلاثة تنتج دواء معينا ويمكن أن يتفقوا على سعر معين، سيجعل التنافس أكبر من خلال شركات أخرى يمكن أن تنتج نفس الدواء ويخفضوا في الأسعار للبيع”.
ويطالب مركز حلول بـ”تفعيل نظام التأمين الصحي الشامل لخفض نسبة الإنفاق الشخصي على الدواء، والسماح للشركات الوطنية بالدخول في مناقصات لتوريد الدواء لمنظومة التأمين بشكل يضمن لها تحقيق ربحية حقيقية وتسعير عادل”.
ويشير المركز إلى أن المصريين ينفقون 35 في المئة على الدواء من إجمال ما ينفقونه على الرعاية الصحية والتي تبلغ نحو 10 في المئة من الراتب.
وتقول الصيدلانية أسماء جمال إن “الدولة بالفعل تطبق التأمين الصحي في بعض المحافظات لكن لم تطبقها حتى الآن في القاهرة والجيزة، ويحصل الناس على أدويتهم بأسعار مخفضة”.
وترى أن “الدولة بالتأكيد سترفع الأسعار لأن أدويتنا من أرخص الأسعار في العالم وهي تريد أن تصدر لدول أخرى مع سمعة شركاتنا الجيدة في هذا المجال وتوسعها”.