في وقت تواصل فيه فصائل المعارضة السورية المسلحة هجومها الكبير ضد النظام السوري على عدة جبهات في حلب وإدلب وحماة شمالي البلاد، تثار تساؤلات عن حدود السيطرة التي ستكون على الأرض في المرحلة المقبلة، وكذلك الأمر بالنسبة للميدان السياسي، فما هي السيناريوهات التي يتوقعها خبراء ومراقبون؟.
تنقسم عمليات الفصائل على “إدارتين عسكريتين”، الأولى يتركز هجومها (ردع العدوان) في مدينة حلب ومحيطها وأجزاء من محافظة حماة وإدلب، فيما تسير الثانية من الاتجاه الشرقي باتجاه حلب أيضا، وتطلق على نفسها اسم “فجر الحرية”.
وكانت الإدارة التي تتخذ اسم “ردع العدوان” قد دخلت إلى حلب وسيطرت على غالبية أحيائها بالإضافة إلى مطارها الدولي، وتواصل التقدم الآن من أجل تأمين ما أخذته على الأرض عسكريا.
في المقابل، أعلنت الإدارة العسكرية الثانية “فجر الحرية”، التي تضم فصائل “الجيش الوطني السوري” المدعومة من تركيا، صباح الأحد، أنها سيطرت على مطار كويرس العسكري في ريف حلب الشرقي، ومجمع الكليات العسكرية في محيط حلب. وقالت إنها قطعت الطرق ما بين حلب- الرقة وما بين حلب ودمشق.
وتقول فصائل “ردع العدوان” منذ هجومها الأول، إنها تهدف إلى “تأمين المناطق الخاضعة لسيطرتها في شمال غرب البلاد، من استهدافات النظام السوري والميليشيات الإيرانية”، مضيفة السبت، أنها بصدد “إصدار قرار في المرحلة المقبلة، يتيح للمهجرين العودة إلى منازلهم”.
أما فصائل “فجر الحرية”، فتستهدف في هجومها مناطق نفوذ مشتركة لقوات النظام السوري في ريف حلب و”وحدات حماية الشعب” الكردية. وقالت، السبت، إنها تسعى إلى “منع عبور الأخيرة باتجاه حلب، وتأمين المناطق التي تنتشر فيها”.
سوريا.. فصائل مسلحة مدعومة من تركيا تعلن “السيطرة على منظومة دفاع جوي روسية”
أعلنت فصائل سورية مسلحة تنضوي ضمن تحالف “الجيش الوطني السوري” المدعوم من تركيا، الأحد، السيطرة على منظومة دفاع جوي روسية من نوع “بانتسير”.
هل من حدود للسيطرة العسكرية؟
ويعتقد الباحث في مركز “الحوار السوري”، أحمد قربي، أن هجوم الفصائل المسلحة كانت له “أهداف أولية” منذ انطلاقه قبل 4 أيام، مثل “بسط السيطرة بشكل كامل على حلب والوصول إلى حماة.”
وبناء على المعطيات الحاصلة الآن، يقول قربي لموقع “الحرة”: “طالما هناك انهيار في جبهات النظام السوري، فأعتقد أن حدود السيطرة على الأرض ستظل ضمن نطاق حماة وقد تصل إلى حمص”، أي بمعنى البقاء في “الحواضن المرتبطة بالثورة منذ سنوات”.
ويستبعد قربي أن تتوجه الفصائل إلى منطقة الغاب مثلا في ريف حماة واللاذقية الساحلية، لأن هذه المناطق “تعتبر في الأساس حواضن ثابتة للنظام السوري”.
وأصدر النظام السوري بيانا، الأحد، رسمت تفاصيله “خطا دفاعيا” على حدود مدينة حماة من الجهة الشمالية. وجاء ذلك بعد تمكن فصائل المعارضة من السيطرة على عدة قرى وبلدات في الريف الشمالي للمدينة الواقعة وسط البلاد.
أما بخصوص حلب، فقد كان جيش النظام قد أصدر بيانا السبت|، قال فيه إنه “أعاد انتشار قواته فيه، ويستعد لتنفيذ هجوم مضاد”.
ويوضح قربي أن ما فعلته الفصائل المسلحة صباح الأحد (سيطرة واسعة على محيط حلب وقطع الطرق الواصلة إليها) يعتبر استكمالا لتأمين ما كسبته على الأرض.
ويقول: “المؤشرات الحاصلة تذهب باتجاه أن نفوذ النظام السوري انتهى في حلب”، دون أن يشمل ذلك بعض الجيوب المحاصرة والتي تشهد منذ سنوات انتشارا للوحدات الكردية.
مع تقدم الفصائل المسلحة.. بيان من جيش النظام السوري بشأن حماة
أعلن جيش النظام السوري، الأحد، أنه عزز من دفاعاته وتصدى لهجمات “التنظيمات الإرهابية” ومنعها من تحقيق أي خرق في ريف حماة الشمالي، في وقت أعلنت في فصائل المعارضة المسلحة تقدمها على تلك الجبهة.
وضع “قاتم” بالنسبة للأسد
في الوقت الذي لا يزال موقف أبرز حلفاء الأسد، روسيا، ضبابيا، فإنه من المقرر أن يصل وزير خارجية إيران عباس عراقجي إلى دمشق، الأحد، على أن يتوجه إلى تركيا، الإثنين.
ويوضح كبير الخبراء الأميركيين في “المجلس الأطلسي”، ريتش أوتزن، أن روسيا “فوجئت عندما قامت هيئة تحرير الشام والجيش الوطني السوري والأتراك بالتنسيق والحفاظ على السرية العملياتية للهجوم”.
جاء ذلك في وقت كان لموسكو توسع كبير في الوجود العسكري بأوكرانيا.
وفي المقابل، يقول أوتزن لموقع “الحرة”، إن “الجيش الأسدي (جيش النظام السوري) والميليشيات المدعومة من إيران أصبحت أضعف وأكثر هشاشة بعد أسابيع من الضغط من إسرائيل”.
ويبدو الآن أن “نظام الأسد فقد السيطرة ليس فقط على الأراضي، لكن في بعض الحالات على الوحدات العسكرية، مع الانشقاقات والفرار”، حسب الخبير الأميركي.
ويعتقد أيضا بأنه “لم يكن بمقدور إيران أو روسيا منع الهجوم بمجرد أن بدأ”، معتبرا أنهما “مشتتان”.
وهنا، يطرح أوتزن سؤالا هو: “هل يمكن للنظام التعافي ومحاولة شن هجوم مضاد وهل تمتلك روسيا أو إيران النطاق الترددي للمساعدة؟”، ويجيب بالقول: “يبدو الأمر قاتما بالنسبة للأسد”.
بموازاة هجوم الفصائل شمالا.. تصعيد مسلح في الجنوب السوري
تشهد عدة مناطق جنوبي سوريا، منذ ليلة السبت الأحد، تصعيدا مسلحا بين “مجموعات محلية” وقوات النظام، وذلك بموازاة الهجوم الي تشنه فصائل من المعارضة السورية، بعضها مدعوم من تركيا، شمالي البلاد.
ويوضح الباحث السوري في مركز “جسور للدراسات”، وائل علوان، أن “النظام السوري بدأ يستوعب الصدمة ليلة الأحد، وحشد بعض التعزيزات في حماة، واتخذ من المدينة خطا دفاعيا”.
ويستبعد علوان في حديثه لموقع “الحرة” أن يكون النظام قادرا على إعادة الخريطة العسكرية لما قبل السابع والعشرين من نوفمبر، دون وجود دعم حقيقي من روسيا”.
المعطيات على الميدان تذهب أيضا باتجاه أن الفصائل المسلحة تسعى لتأمين ما كسبته على الأرض وخاصة في حلب، وفي المقابل يهدف النظام إلى “وقف الانهيار في الميدان”، وفق علوان.
ويتوقع الباحث أن “تواصل الفصائل الاشتباكات مع النظام في حماة”، معتبرا أنها “لن تكون صعبة لأن النظام لن يحصل ربما على الدعم السريع الجوي من قبل موسكو”.
حدود السيطرة ومجريات القتال.. التطورات في حلب وجبهات إدلب وحماة
المواجهات الدائرة في شمال سوريا لا تقتصر على جبهة واحدة داخل مدينة حلب وريفها، بل انسحبت خلال الساعات الماضية إلى محورين آخرين، الأول من الجهة الشرقية للمدينة المذكورة والآخر ينطلق من ريف محافظة إدلب باتجاه أطراف حماة.
هل من حدود سياسية؟
على الصعيد السياسي، لا تزال حدود ما فعلته الفصائل المسلحة غير واضحة، وفقا لحديث الباحث قربي لموقع “الحرة”.
ويقول: “هل سنعود إلى مسار أستانة معدّل؟ أو إلى إعادة تفعيل الحل السياسي بشكل كامل بموجب قرار الحل السياسي الذي اتخذ في مجلس الأمن؟”
ويرجح قربي أن “صيغة أستانة التي بنيت بيد الدول الثلاث (تركيا، إيران، روسيا) انتهت”.
ويعتبر أن “تركيا بات بيدها الكثير من الأوراق”، وأن “إيران وروسيا والنظام هم أكبر الخاسرين فيما يجري”.
“اليوم نتكلم عن واقع جديد”، بحسب الباحث السوري.
ويعتقد أن الهجوم “يمهد لإعادة مسار الحل السياسي وبدء عملية انتقال سياسي داخل سوريا”، أو “الذهاب إلى صيغة معدلة من مسار أستانة”.
وفي حال كانت هناك صيغة محدثة من “أستانة”، يرى الباحث السوري أنها ستكون “دون حل سياسي شامل، بل من أجل إدارة الواقع الجديد وتكريسه، بمعنى أن تدير هذه الصيغة مصالح الدول المتدخلة في ضوء الواقع الجديد”، على حد تعبيره.