تبدأ محكمة العدل الدولية، غدا الاثنين، في لاهاي عقد جلسات استماع بشأن التبعات القانونية الناشئة عن سياسات وممارسات إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وتأتي الجلسات في سياق طلب الجمعية العامة للأمم المتحدة الحصول على فتوى قانونية من المحكمة حول آثار الاحتلال الإسرائيلي المتواصل، وستستمر الجلسات في الأيام بين 19 و26 فبراير/شباط الجاري.
ومن المقرر أن تستمع المحكمة خلال الجلسات إلى إحاطات من 52 دولة، بالإضافة إلى الاتحاد الأفريقي، ومنظمة التعاون الإسلامي، وجامعة الدول العربية، وستقوم كل دولة ومنظمة بتقديم إحاطتها خلال جلسات الاستماع.
ما الفتوى القانونية؟
تشمل واجبات المحكمة، وهي الهيئة القضائية الرئيسية للأمم المتحدة، أولا، حل المنازعات القانونية التي تنشأ بين الدول وفقا للقانون الدولي، وثانيا، إبداء الرأي الاستشاري في المسائل القانونية المحالة إليها.
ويجوز للهيئات المعتمدة لدى الأمم المتحدة أن تطلب رأيا استشاريا من محكمة العدل الدولية بشأن مسألة تتعلق بالقانون الدولي، بشرط أن تكون ذات صلة بأجهزة الأمم المتحدة ومجالات نشاطها. ولا يجوز للدول أن تطلب فتوى من المحكمة.
وستقدم محكمة العدل الدولية رأيا استشاريا غير ملزم بشأن هذه المسألة فيما يتعلق بالعواقب القانونية لسياسات إسرائيل وممارساتها في فلسطين المحتلة.
وعلى الرغم من أن الفتاوى ليست ملزمة، فإنها مهمة جدا، لأنها تعكس رأي محكمة العدل الدولية بشأن تلك القضية، وبينما تشير إلى الكيفية التي قد تتخذ بها المحكمة قرارا في القضايا المحتملة، فهي فعالة أيضا في خلق ضغط سياسي على الدول التي تعارض الفتوى.
ماذا تختلف عن قضية إسرائيل بتهمة الإبادة الجماعية؟
في حين أن الدعوى التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية بتهمة انتهاك اتفاقية الإبادة الجماعية تعني منازعة قضائية بين بلدين، فإن جلسات الرأي الاستشاري التي ستبدأ غدا لا تمثل قضية تواجه فيها دولتان بعضهما بعضا.
وفي الفتوى، لا يوجد تمييز بين المدعى عليه والمدعي، وتعرب محكمة العدل الدولية عن رأيها في الأسئلة التي تطرحها هيئات أو منظمات الأمم المتحدة فيما يتعلق بمجالات نشاطها.
ويحق للدول الأعضاء في الأمم المتحدة الإدلاء ببيانات مكتوبة وشفوية بشأن القضايا التي تطلب بشأنها آراء استشارية.
وبما أنه لا يتم تعيين أي قاض خاص، على عكس المنازعات القضائية، فإن الرأي الاستشاري سيتم اتخاذه من قبل قضاة محكمة العدل الدولية الدائمين الـ15.
من طلب الفتوى القانونية؟
في قرارها بتاريخ 30 ديسمبر/كانون الأول 2022، طرحت الجمعية العامة للأمم المتحدة على محكمة العدل الدولية سؤالين يتعلقان بشرعية احتلال إسرائيل لفلسطين منذ حرب عام 1967، بناء على المادة 65 من النظام الأساسي للمحكمة.
وكان السؤال الأول عن التبعات القانونية الناشئة عن انتهاك إسرائيل المستمر لحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، وعن احتلالها طويل الأمد للأرض الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967 واستيطانها وضمها لها، والثاني حول كيفية تأثير ممارسات إسرائيل على الوضع القانوني للاحتلال.
في حين تم نقل طلب الفتوى إلى محكمة العدل الدولية من قبل الأمين العام للأمم المتحدة في 17 يناير/كانون الثاني 2023، أخطرت المحكمة، الدول الأعضاء في الأمم المتحدة وفلسطين بشأن حقهم في الإدلاء ببيانات مكتوبة وشفهية بشأن الأسئلة التي يتم إصدار رأي استشاري بشأنها.
ما الدول التي ستقدم إفادتها؟
ستقدم 52 دولة، بالإضافة إلى جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي والاتحاد الأفريقي، إحاطات شفهية مدتها 30 دقيقة، فيما يحق لفلسطين فقط تقديم إحاطة مدتها 3 ساعات.
ومن بين الدول التي ستلقي إحاطة شفهية، أميركا وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيران وكندا ومصر وجنوب أفريقيا واليابان وإسبانيا والمملكة العربية السعودية وماليزيا وباكستان وهولندا، بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي، والعديد من الدول في الشرق الأوسط وآسيا والمحيط الهادي.
ورغم أن الحدث يشكل سابقة في التاريخ، من حيث إدلاء هذا العدد الكبير من الدول بإحاطات مكتوبة وشفوية في الفتوى أمام محكمة العدل الدولية، فإن إسرائيل التي أدلت ببيان مكتوب، لن تشارك في جلسات الاستماع الشفهية.
وقدمت 57 دولة ومؤسسة دولية بياناتها المكتوبة إلى محكمة العدل الدولية، تتضمن مواقفها بشأن الأسئلة التي سيتم تقديم آراء استشارية بشأنها.
ما تأثير الفتوى؟
على الرغم من أن الآراء الاستشارية التي أصدرتها محكمة العدل الدولية ليست ملزمة، فإنه يُذكر أن العديد من الدول والمنظمات أخذتها بعين الاعتبار وتصرفت وفقا للرأي المقدم.
وبعد فتوى محكمة العدل الدولية التي أصدرتها في 2004 حول الجدار الذي بنته إسرائيل على الأراضي الفلسطينية ذكرت فيها أن بناء الجدار مخالف للقانون، امتنعت العديد من الدول والشركات عن المساهمة في بناء الجدار، ووضعت شرطا لعدم استخدام مواد البناء المبيعة لإسرائيل في بناء الجدار.
وبعد الفتوى التي أصدرتها محكمة العدل الدولية في 2010، والتي تنص على أنه من غير الممنوع على الدول إعلان استقلالها من جانب واحد في القانون الدولي، تزايدت شرعية استقلال كوسوفو، وازداد عدد الدول التي اعترفت باستقلالها.
وإذا ما قدمت محكمة العدل الدولية رأيا قالت فيه إن الاحتلال مخالف للقانون الدولي، فمن المرجح أن تتزايد الضغوط على إسرائيل، وأن تضطر الدول التي تؤيدها علنا من قبل المجتمع الدولي إلى إعادة النظر في موقفها.