قال رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني إن المفاوضات التي جرت أمس الأحد في العاصمة الفرنسية باريس بشأن صفقة تبادل الأسرى المحتملة بين فصائل المقاومة الفلسطينية وإسرائيل، حققت تقدما، مؤكدا أن على الطرفين استغلال هذه الفرصة من أجل التوصل لصيغة تنتهي بوقف دائم للقتال.
وأضاف -خلال جلسة نقاشية في المجلس الأطلسي اليوم الاثنين- أن قطر ليست طرفا في الصراع، وإنما هي “وسيط لا يمتلك النفوذ الذي يتحدث عنه البعض على حركة المقاومة الإسلامية (حماس)”.
وقال الشيخ محمد بن عبد الرحمن إن دولة قطر تحركت منذ اللحظة الأولى من أجل استعادة الأسرى الإسرائيليين، وإن الدبلوماسية نجحت بالفعل في إعادة 109 أسرى أواخر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، قبل أن تتخذ الأمور مسارا أكثر تعقيدا.
تقدم إيجابي بالمفاوضات
وفيما يتعلق بالشروط التي وضعتها حماس من أجل استئناف المفاوضات، أشار رئيس الوزراء القطري إلى أن الحركة كانت تشترط وقف القتال بشكل كامل قبل البدء في المفاوضات، “لكن أعتقد أننا انتقلنا إلى مرحلة قد تؤدي لوقف إطلاق نار دائم في المستقبل، وهذا ما نسعى إليه جميعا”.
وقال إن الدور الرئيسي كوسيط هو جمع الفرقاء من أجل وقف قصف قطاع غزة، والحيلولة دون قتل مزيد من المدنيين، وإعادة الأسرى إلى ذويهم.
وأضاف “أعتقد أن ما نشهده حاليا في غزة لن يؤدي لإعادة الأسرى، وأمس حقننا تقدما جيدا لإعادة الأمور إلى الطريق الأساسي”.
لكنه أكد أن الوضع لا يعني التوصل لاتفاق سريع، وقال إن دولة قطر ستقدم المقترحات إلى حماس لعلها توافق عليها “لأن هذه هي الطريقة الوحيدة لوقف الحرب وإعادة الرهائن”.
وفيما يتعلق باحتمال رد الولايات المتحدة على الهجوم الذي وقع على الحدود الأردنية السورية أمس الأحد وأوقع قتلى وجرحى في صفوف الجنود الأميركيين، قال الشيخ محمد إن ما حدث مدان لأنه ينتهك سيادة الأردن ويعرقل جهود التحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة.
وأضاف أن ما حدث هو جزء من التصعيد الحاصل في المنطقة منذ 3 أشهر، ونأمل ألا يؤثر على الجهود التي نقوم بها، مؤكدا أن قطر لا تشجع شن أي هجمات بالمنطقة.
وأضاف “أي رد أميركي سيزيد من التوتر الإقليمي، والسبيل الوحيد لوقف التصعيد هو وقف العدوان على غزة”.
وقف الحرب مطلب إقليمي
وأكد أن وقف الحرب لم يعد مطلبا فلسطينيا فقط وإنما هو مطلب إقليمي؛ لأنه ليس مقبولا أن يعاقب شعب كامل بسبب عملية قامت بها مجموعة معينة، مضيفا أن قطر ستحاول البحث عن طريقة أخرى لتمرير الصفقة المحتملة إذا رفضت حماس المقترح الحالي.
ولفت إلى أن كل طرف من الطرفين قدّم مقترحا، مشيرا إلى أن الوسطاء يحاولون التوفيق بين هذه المقترحات، “وهي مسألة ليست سهلة”.
وعلق رئيس الوزراء القطري على ما يتم الحديث عنه بشأن نفوذ بلاده على حماس بالقول “أنا أسمع ما يردده البعض بشأن هذا النفوذ، ولا بد أن تفهموا أن قطر تقوم بدور الوسيط وجمع الطرفين من أجل التفاهم والبحث عن حلول للمشكلات، لكننا لسنا قوة عظمى تفرض حلولا على طرف أو آخر”.
وأضاف “نحن نستغل علاقاتنا لجسر الفجوة بين الطرفين، وقد نجحنا في هذا خلال هذه الحرب، ونجحنا فيه بين الولايات المتحدة وإيران، وبين روسيا وأوكرانيا، وهذه هي طريقة عمل قطر”.
وأكد الشيخ محمد بن عبد الرحمن أن استضافة الدوحة مكتبا سياسيا للحركة “لا يعني أن تستخدمه كورقة ضغط، لأننا نؤدي دورا نزيها وشفافا، ونستغل هذه المكاتب بشكل إيجابي بالتنسيق مع الولايات المتحدة، وقد نجحنا من خلال هذا المكتب في وقف إطلاق النار في حروب سابقة، كما حدث من قبلُ مع حركة طالبان”.
استخدام سلاح المساعدات
وفيما يتعلق بوقف بعض الدول تمويل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، قال الشيخ محمد إن الحديث عن مشاركة بعض موظفي الوكالة في عملية طوفان الأقصى لا بد أن يخضع للتحقيق حتى تتخذ الوكالة الإجراءات اللازمة وفق ميثاقها، مضيفا “دور الأمم المتحدة ودور الأونروا مهم جدا، ولا يمكن قطع تمويل الوكالة من أجل سلوك مجموعة صغيرة، ونحن لم نتأكد بعد من صحة هذه المزاعم”.
وردا على سؤال بشأن موافقة إسرائيل على تخفيف العقبات أمام إدخال المساعدات للقطاع، قال رئيس الوزراء القطري إنه من المؤسف أن إسرائيل تستخدم المساعدات كأداة ضغط في المفاوضات.
وأضاف “ما نشهده في غزة غير مسبوق، الناس يموتون جوعا ولا ملجأ لهم، وحتى المناطق والممرات الآمنة التي تم تخصيصها تم قصفها”.
وفيما يتعلق بالتطورات في البحر الأحمر، قال الشيخ محمد إن قطر لا تقوم بأي وساطة مع جماعة أنصار الله الحوثيين حاليا ولكنها منخرطة في نقاش مع إيران بشأن المشهد الإقليمي، مؤكدا أن قطر تأمل أن يستخدم الجميع علاقاتهم لوقف التصعيد وعدم خروج الأمر عن السيطرة فيما يخص الحوثيين وعرقلة حركة التجارة في البحر الأحمر.
وقال إن حركة الملاحة مهمة جدا لقطر وللمنطقة والعالم، ومن غير المقبول أن يتم العبث بها، مضيفا “لكن الوضع يغلي للأسف والجميع يتراقص على الحافة، وما حدث على الحدود الأردنية السورية هو نتاج لمحاولات تقويض أمن المنطقة وإظهار وجود ضغوطات”.
انتقادات نتنياهو لقطر
وعن انتقادات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لدولة قطر، قال الشيخ محمد إنه لا يريد التعليق على هذه التصريحات، وإن قطر تتوقع أي شيء من نتنياهو أو من غيره، لكنها تفهم دورها تماما وهي مؤمنة به وصادقة وشفافة مع الجميع، وقد أثبت دورنا أنه يؤدي إلى نتائج.
وعن رفض نتيناهو حل الدولتين، أكد رئيس الوزراء القطري أن الطريق الوحيد لإحلال السلام في المنطقة هو حل الدولتين، مشددا على أن هذا الحل يحظى بقبول المنطقة كلها لكنه يحتاج إلى شركاء من الطرفين.
وأضاف أن حركة حماس لم تكن عقبة أمام حل الدولتين بعد اتفاقية أوسلو، مشيرا إلى أن إسرائيل هي من تحول دون الوصول لهذا الحل لأنها لم توافق عليه عندما طرحته المبادرة العربية عام 2002.
وأضاف “نحن ندعم السلام وإقامة دولة فلسطينية تعيش بسلام جنبا إلى جنب مع إسرائيل، وقد كنا أول دولة خليجية تفتح مكتب تبادل تجاري مع إسرائيل بعد توقيع اتفاق أوسلو، لكننا أغقلناه عندما لم يتم تنفيذ اتفاق السلام”.
وعن ضرورة إخراج حماس من القطاع، قال إن الطريقة الوحيدة لإحلال السلام هي أن يعيش الشعبان جنبا إلى جنب مع بعضهما، ونحن نحاول تقديم حلول لمن لا يقبلون بهذا الأمر.
وعن دور حماس المستقبلي، أكد الشيخ محمد أن موقف قطر هو أنه لا يمكن فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية، وأنه لا بد من وجود حكومة واحدة يختارها الفلسطينيون لحكمهما معا، مضيفا “لا قطر ولا غيرها يمكنها فرض إملاءات على الفلسطينيين”.
وعن نزع سلاح الدولة الفلسطينية المستقبلية، قال إن أي خطة للسلام لا بد أن تتمضن ضمانات أمنية للطرفين بحيث لا يهدد أي منهما الآخر.
وقال إن قطر تدين أي اعتداء على النساء، وإنها تبذل قصارى جهدها لتحرير الرهائن، وهو ما قمنا به منذ اللحظة الأولى، لكن الأمور سارت في اتجاه آخر، وعندها اتخذنا مسارا أدى لإطلاق المجموعة الأولى.
وأضاف “رسالتي لذوي الرهائن هي أننا ملتزمون بإطلاق سراح بقية الرهائن، وإن سمو الأمير -الشيخ تميم بن حمد آل ثاني- وجه ببذل كل جهد من أجل تحقيق هذا الهدف”.
وتابع “نحن ملتزمون بإنقاذ حياة الأبرياء بغض النظر عن الضجيج الذي يثار هنا أو هناك”.
وعن تصوره لشكل المنطقة بعد خمس سنوات إذا نجحت الوساطة القطرية، قال الشيخ محمد إن هذا يعتمد على نتائج الوساطة، مضيفا “إذا انتهت الحرب وعدنا للوضع السابق الذي يفصل بين غزة والضفة وغياب الأمل في الحل السياسي، ستبقى المنطقة رهينة لبعض الحركيات السياسية من هنا وهناك، وآنذاك سيكون الوضع أصعب بكثير بعد خمس سنوات، وهذا يعني أننا ربما نرى حربا جديدة”.
وأضاف “في الحقيقة لا نرى منظورا إيجابيا في هذا الخصوص، ولكن إذا ما رأينا فرصة فإننا نريد التزاما دوليا بحل الدولتين وبعملية سلام عبر مسار واضح ينجز الدولة الفلسطينية، وعندها ستكون الآفاق أفضل مستقبلا”.
وعن العلاقات القطرية الأميركية، قال الشيخ محمد بن عبد الرحمن إنه تحالف بني منذ عقود، وإنه لا يتوقف على الأمن والدفاع الإقليميين ولكنه يمتد لاستثمارات هائلة بين البلدين، مشيرا إلى الشراكة بين البلدين في مجالات الطاقة والتعليم.
ولفت إلى أن قطر تحاول مد العون لواشنطن في أي نزاع عندما ترى الفرصة سانحة، مضيفا “نحن ننظر لهذا الأمر على أنه يعزز الشراكة التي تخدم البلدين”.
وختم بالقول إن الجهود الإقليمية الجارية حاليا تعمل على سبر المشاكل، مضيفا أن قطر تتابع ما يجري من أجل وضع الأمور في مسار ينتهي بحل الدولتين الذي سيغير المنطقة برمتها.