ومن المتوقع أن يجتمع مجلس الأمن الدولي، الجمعة، لمناقشة الحرب في غزة، بعد أن حث غوتيريش رسمياً وفي خطوة نادرة، المجلس المؤلف من 15 عضوًا على “استخدام كل نفوذه” لمنع “كارثة إنسانية” في القطاع.
وتنص المادة 99 من ميثاق الأمم المتحدة، الذي وقّع منتصف 1945 في سان فرانسيسكو، على أن “للأمين العام أن ينبه مجلس الأمن إلى أية مسألة يرى أنها قد تهدد حفظ السلم والأمن الدوليين”.
ويعتقد خبراء قانون دولي ومراقبون، في حديثهم لموقع “سكاي نيوز عربية”، أن تفعيل هذه المادة “تعد جرس إنذار” على ما آلت إليه الأوضاع في قطاع غزة المُحاصر منذ 7 أكتوبر الماضي، في حين اعتبروا أنه من الصعوبة بمكان على مجلس الأمن تبني قرار حاسم بوقف “فوري” لإطلاق النار، في ظل الدعم الأميركي للعملية العسكرية الإسرائيلي حتى تحقيق أهدافها المعلنة بتدمير القدرات العسكرية والسياسية لحركة حماس.
ورغم تزايد عدد الضحايا منذ 7 أكتوبر وحتى الآن إلى قرابة 16500 قتيل بحسب الإحصاءات الفلسطينية، احتاج مجلس الأمن عدّة أسابيع ليخرج عن صمته بعد رفض 4 مشاريع قرارات، ويتبنى في منتصف نوفمبر الماضي، قراراً دعا فيه إلى “هدن وممرات للمساعدات الإنسانية” في القطاع.
خطوة نادرة
- نظرا لحجم الخسائر في الأرواح البشرية، أرسل الأمين العام للأمم المتحدة خطابا إلى رئيس مجلس الأمن يفعّل فيه- للمرة الأولى- المادة التاسعة والتسعين من ميثاق الأمم المتحدة.
- قال غوتيريش على موقع إكس: “في مواجهة الخطر الجسيم لانهيار النظام الإنساني في غزة، أحث مجلس الأمن على المساعدة في تجنب وقوع كارثة إنسانية وأناشد إعلان وقف إنساني لإطلاق النار”.
- في خطابه قال أمين عام الأمم المتحدة، إن أكثر من 8 أسابيع من الأعمال العدائية في غزة وإسرائيل، أدت إلى “معاناة إنسانية مروعة”، مؤكدًا “عدم وجود مكان آمن في غزة”، وعدم وجود حماية فعالة للمدنيين، كما تحدث عن انهيار نظام الرعاية الصحية، وتحول المستشفيات إلى ساحات للمعارك.
- أشار غوتيريش إلى قرار مجلس الأمن رقم 2712 الذي يدعو إلى توسيع نطاق توصيل الإمدادات لتلبية الاحتياجات الإنسانية للسكان المدنيين وخاصة الأطفال. وقال إن الظروف الراهنة تجعل القيام بالعمليات الإنسانية ذات المغزى، أمرا مستحيلا.
- حين فكر واضعو ميثاق الأمم المتحدة بإدراج المادة 99، فإنهم كانوا معنيين بإسناد مسؤولية للأمين العام للأمم المتحدة “تتطلب ممارسة أسمى الصفات، الحكم السياسي واللباقة والنزاهة”.
- وردا على أسئلة الصحفيين حول معنى ومغزى الخطاب، قال ستيفان دوغاريك المتحدث باسم الأمم المتحدة إن الأمين العام يُفعّل بذلك السلطة التي يمنحها له الميثاق فيما يمكن أن يُوصف بالخطوة الدستورية الكبرى، مضيفًا أن تلك المادة تعد أقوى أداة يمتلكها الأمين العام في إطار مـيثاق الأمم المتحدة.
- أشار دوغاريك إلى أن تفعيل المادة لم يحدث منذ عقود، كما أن عددا من الخطابات السابقة أشارت إلى التهديدات الماثلة أمام السلم والأمن الدوليين ولكن دون الاستناد إلى هذه المادة.
- أثارت تلك الخطوة غضب إسرائيل، حيث اعتبر وزير خارجية إسرائيل إيلي كوهين، أن ولاية أمين عام الأمم المتحدة “تهديد للسلم العالمي”.
تداعيات الخطوة
بدوره، يقول أستاذ القانون الدولي أيمن سلامة في حديث خاص لموقع “سكاي نيوز عربية”، إن الأمين العام للأمم المتحدة استخدم الصلاحيات التي يكفلها له ميثاق المنظمة الأممية، وخاصة المادة 99 التي تنص على تنبيه مجلس الأمن لـ”أي مسألة”، وبالتالي لم تُحدد حالة أو موقفًا معينًا لتفعيلها، ما يعني أن صلاحية الأمين العام في صدد تنبيه مجلس الأمن “واسعة”.
ويرى سلامة أن الباعث والغرض من هذه المادة هو “التحذير الوقائي” من جانب أمين عام الأمم المتحدة إلى مجلس الأمن، وقبل أن تتفاقم الأوضاع التي تهدد السلم والأمن الدوليين، في الحالة الراهنة لحرب غزة، لكنه يعتقد رغم ذلك أنه كان يتعين على غوتيريش أن يقوم بتنبيه مجلس الأمن بخطورة الموقف في قطاع غزة، بعد تفاقم الأوضاع الإنسانية بشكل لم يحدث على هذا النحو في النزاعات المسلحة المماثلة وخلال فترة قصيرة.
وبشأن التداعيات المنتظرة من خطوة غوتيرش، أوضح أستاذ القانون الدولي، أن الخطاب الرسمي للأمين العام للأمم المتحدة، من شأنه أن يدفع مجلس الأمن لعقد جلسة عاجلة للنظر مرة ثانية في أمر التوصل لوقف إطلاق نار مستدام في قطاع غزة.
لكن الأمر لن يبدو سهلًا كحال المناقشات داخل المجلس منذ اندلاع الصراع وفق سلامة، الذي أضاف أن “القاصي والداني يدرك أن الإدارة الأميركية ومنذ 7 أكتوبر سواءً في أروقة مجلس الأمن أو خارجه ترفض مجرد طرح فكرة التوصل لوقف إطلاق نار مستدام إلا بعد أن تحقق إسرائيل أهدافها المعلنة”.
ولفت إلى أن المادة 99 هي سلطة عُليا للأمين العام، كما أنها تتشابه مع المادة 35 من ذات الميثاق التي ترخص للدول الأعضاء في الأمم المتحدة أو غير الأعضاء أن تقوم أيضا بتنبيه مجلس الأمن لأي نزاع أو موقف أو احتكاك من شأن استمراره تهديد السلم والأمن الدوليين.
وأوضح أستاذ القانون الدولي أن تفعيل غوتيرش للمادة 99 زادت من الانتقادات الإسرائيلية الموجهة ضده، كما يتوقع أن ترتفع نبرة الهجوم ضده خلال الفترة المقبلة، كما تتبدد فرصه للتجديد في منصبه.
وفي منتصف العام 2021، عينت الجمعية العامة للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش أمينا عاما لولاية جديدة مدتها 5 سنوات إضافية.
ومع أنه، لا يوجد من الناحية الفنية، حد أقصى لفترات الأمين العام الذي هو المسؤول الأعلى في الأمم المتحدة، لم يبق أيُّ أمين عام في هذا المنصب لأكثر من ولايتين.