ثوريون عرب يكتبون في سراييفو ميثاقا للديمقراطية وأعينهم على غزة

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 6 دقيقة للقراءة

سراييفو – بينما الحرب على غزة مستعرة للعام الثاني على التوالي، اجتمعت نخبة من المثقفين والسياسيين العرب في العاصمة البوسنية سراييفو لصياغة رؤية جديدة للديمقراطية التي يرون أن غيابها عامل رئيسي وراء اجتراء الاحتلال الإسرائيلي على ارتكاب الإبادة بحق الفلسطينيين.

وتحت عنوان “العهد الديمقراطي العربي.. خارطة طريق للديمقراطية العربية”، يسعى هذا المؤتمر إلى اقتراح حلول عملية لأزمات الاستبداد والقمع وغياب العدالة الاجتماعية، وبحث “التحديات الفكرية والسياسية غير المسبوقة” التي طرحتها الحرب على غزة، كما يقول أبرز الداعين للمؤتمر، منصف المرزوقي، أول رئيس للجمهورية التونسية بعد ثورة 2011.

ويترأس المرزوقي المجلس العربي الذي يتولى تنظيم المؤتمر، والذي كان قد عقد أول منتدياته في قصر قرطاج عام 2014، لكنه الآن مضطر للالتئام في الخارج بعدما أغلقت العواصم العربية أبوابها، كما يقول المنظمون.

وتحدث المنظمون أيضا عن “خوف الأنظمة من لقاء الديمقراطيين وتوحدهم” بعدما مُنع أحد المدعوين من السفر إلى سراييفو لحضور المؤتمر.

الرئيس التونسي الأسبق يهدي قلادة مُنحت له إلى روح إسماعيل هنية ويحيى السنوار (الجزيرة)

وافتتح الرئيس التونسي الأسبق جلسات المؤتمر اليوم السبت بدعوة الحاضرين للوقوف دقيقة صمت حدادا على شهداء غزة وجميع شهداء العالم العربي.

وقال في كلمته إن الركام الذي يعيش فيه أهل غزة ولبنان الآن يقابله ركام آخر من الأفكار والقيم داخل المجتمعات العربية، وبين الركامين علاقة وثيقة، حسب تعبيره.

ويرى المرزوقي أن الركام الفكري والسياسي هو أوهام التجارب السابقة التي تصورت مثلا أن الأنظمة المستبدة يمكنها أن تنشئ اتحادا عربيا حقيقيا أو تقاوم العدوان الخارجي.

والحل في رأيه هو الابتعاد عن أوهام الماضي، ومواصلة التفكير في حلول واقعية تلبي تطلعات الشعوب إلى الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والتحرر الوطني.

هدية لهنية والسنوار

وقدّم المجلس العربي لرئيسه المرزوقي قلادة “رجل العام للديمقراطية والعيش المشترك”، فما كان منه إلا أن أهداها إلى “روح أبو العبد وأبو إبراهيم وأرواح شهدائنا في غزة”، في إشارة إلى رئيس حركة المقاومة الإسلامية (حماس) إسماعيل هنية وخليفته يحيى السنوار.

وقال المرزوقي “عرفت أبو العبد شخصيا واستقبلته في قصر قرطاج… نقسم أن دماء شهدائنا لن تذهب هدرا”.

وينظم المؤتمر ضمن أعماله التي تستمر يومين جلسة خاصة بشأن غزة تبحث في دور الديمقراطيين العرب في دعم القضية الفلسطينية.

_مؤتمر العهد الديمقراطي العربي-سراييفو 2024
المشاركون يناقشون تعريفات جديدة للديمقراطية تجعلها قرينة التحرر من الاحتلال والتبعية (الجزيرة)

وتستمر الحرب على غزة للعام الثاني على التوالي بدعم أميركي مطلق، ويصف خبراء دوليون ما ترتكبه إسرائيل بالإبادة الجماعية، حيث استشهد وأصيب أكثر من 140 ألف فلسطيني، ودُمر القطاع بشكل ممنهج لم يشهده العالم منذ الحرب العالمية الثانية.

بيد أن القوى الغربية ترفض وصف ما يجري بالإبادة، رغم ما وثقته تقارير عديدة من بينها تقرير المقررة الأممية فرانشيسكا ألبانيزي الصادر في مارس/آذار الماضي، وتواصل دول غربية عدة إمداد إسرائيل بالأسلحة والقنابل الفتاكة.

ويرى المرزوقي أن تواطؤ الأنظمة الغربية في هذه الإبادة أسهم في مزيد من فقدان الثقة لدى الشعوب العربية تجاه الديمقراطية التي باتوا يرونها أيديولوجيا غربية فقدت كل مصداقية.

إخفاق غربي

من جانبها، قالت نائبة رئيس المجلس العربي والناشطة اليمنية الحائزة جائزة نوبل للسلام، توكل كرمان إن الأنظمة الغربية التي تدعي الديمقراطية خانت مبادئها وتحالفت مع الثورات المضادة والمستبدين ودعمت المليشيات في العالم العربي.

ورأت كرمان أن هشاشة تلك الأنظمة الغربية قد انكشفت مع صعود موجات الكراهية والعنصرية ومعاداة اللاجئين كما أنها أخفقت إزاء اختبار الحريات حين قمعت وسجنت الطلاب المناصرين لغزة وفلسطين.

في الوقت نفسه، أكدت الناشطة اليمنية الانحياز الكامل للقضية الفلسطينية لكنها قالت إن هذا “يجب ألا يعمينا عن جرائم المليشيات المسلحة الطائفية ضد بلدانها في اليمن والعراق ولبنان وسوريا”، ورأت أن مشروعهم ليس تحرير فلسطين بل هم جزء من مشروع إيراني توسعي، وفق قولها.

الناشطة اليمنية توكل كرمان نائبة رئيس المجلس العربي (الجزيرة)

من ناحية أخرى، قال السياسي المصري أيمن نور نائب رئيس المجلس العربي إنه لا ينبغي الفصل بين تحرير الأرض وتحرير إرادة الشعوب. ورأى أن الربيع العربي لم ينهزم ولم ينتصر، بل هو ما زال يقاوم.

وذكر نور أنه لا يفهم “لماذا الانزعاج من هذا المؤتمر”، مشيرا إلى منع السياسي هشام قاسم من السفر من القاهرة إلى سراييفو.

وفي سياق نقاشات المؤتمر، قال رئيس الحكومة المغربية السابق سعد الدين العثماني إن ما يجري اليوم من أحداث يشكل “تحديا للعقل والوجدان العربي والإسلامي، وهزة كبيرة”.

لكنه رأى أن السؤال المهم هو ما إذا كان “لدينا في تركيبتنا الاجتماعية وفي وعينا من العوامل ما يحقق النهوض السليم بعد الأزمة”. وقال إن العالم العربي يحتاج إلى ثلاثية الاستقرار والمقاومة والتنمية.

بدوره، قال نائب الرئيس العراقي سابقا طارق الهاشمي إن طوفان الأقصى في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 كان ملهما للشعوب العربية، وإن التخاذل عن نصرة غزة ما كان ليحصل لولا وجود المستبدين.

ورأى أن الأمة العربية لا تحتاج مشروعا للديمقراطية فقط، بل للاستئناف الحضاري.

ويسعى المشاركون في المؤتمر إلى التوافق على وثيقة “العهد الديمقراطي العربي” لتقديم خريطة طريق واضحة لإرساء الديمقراطية في العالم العربي، كما يطمحون لتقديم تعريف جديد للديمقراطية بعيدا عن تصورها كأيديولوجيا غربية، وربطها بمطالب التحرر الوطني والخروج من التبعية.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *