عقب تأييد حكم على طالب جامعي بالسجن لمدة عامين بعد إدانته بتهمة ارتكاب “أمر موحش” بحق الرئيس التونسي، قيس سعيد، طالب حقوقيون وباحثون بإلغاء الفصل 67 من المجلة الجزائية، باعتباره يتنافى مع حرية التعبير والإبداع، على حد قولهم.
وكانت محكمة الاستئناف قد أيدت قبل يومين، قرار المحكمة الابتدائية بولاية المنستير، القاضي بالسجن لمدة عامين في حق الطالب بجامعة الخط العربي بتونس، رشاد طمبورة، البالغ من العمر 28 عاما، وذلك على على خلفية رسمه لجدارية انتقد فيها موقف رئيس البلاد من المهاجرين القادمين من دول أفريقيا جنوب الصحراء.
وكان سعيد قد أكد في فبراير من العام الماضي، على وجوب اتّخاذ “إجراءات عاجلة” لوقف تدفّق المهاجرين غير القانونية من إفريقيا جنوب الصحراء إلى بلاده، مؤكّداً أنّ هذه الظاهرة تؤدّي إلى “عنف وجرائم”.
تونس.. إيداع الصحفية شذى الحاج السجن في قضية “إنستالينغو”
كشفت تقارير إعلامية تونسية، السبت، عن اعتقال الصحفية شذى الحاج مبارك، وإيداعها سجن سوسة، شمال شرق البلاد، على خلفية القضية المعروفة إعلاميا بـ”بإنستالينغو”.
وجاءت تصريحات سعيّد خلال ترؤّسه في قصر قرطاج اجتماعا لمجلس الأمن القومي “خُصّص للإجراءات العاجلة التي يجب اتخاذها لمعالجة ظاهرة توافد أعداد كبيرة من المهاجرين غير النظاميين من إفريقيا جنوب الصحراء إلى تونس”، وفق بيان للرئاسة التونسية.
وفي ذلك الاجتماع أبدى الرئيس التونسي تشدّدا كبيرا حيال تدفّق “جحافل المهاجرين غير النظاميين”، مع ما يؤدّي إليه من “عنف وجرائم وممارسات غير مقبولة فضلاً عن أنها مجرّمة قانونا”.
“قانون يستند إلى آخر ملغى”
وفي تعليقه على الحكم بحق ذلك الشاب، أوضح الإعلامي والكاتب التونسي، منجي الخضراوي لموقع “الحرة” أن ذلك الحكم قد استند على الفصل 67 من المجلة الجزائية، “وذلك الفصل يستند بالأساس إلى فصلين من مجلة (قانون) الصحافة وهما 42 و43”.
وتابع: “والمفارقة أن مجلة الصحافة كانت قد ألغيت في العام 2011 مباشرة بعد نجاح الثورة” التي أطاحت بنظام الرئيس الراحل، زين العابدين بن علي.
تمديد “الطوارئ” في تونس.. ضرورة أمنية أم تكريس “نظام قمعي”؟
مع إعلان تمديد حالة الطوارئ في تونس لمدة شهر آخر، تثور بعض التساؤلات عن مدى جدوى هذه الإجراءات، خاصة في شهر يناير (جانفي) الذي يشهد في العادة تظاهرات واحتجاجات شعبية في ذكرى سقوط نظام الرئيس الراحل، زين العابدين بن علي، قبل نحو 12 عاما.
ونوه الخضراوي إلى أن طمبورة كان قد حوكم أيضا وفق المرسوم 54 الذي تصل فيه الإدانة إلى السجن لمدة قد تبلغ 10 أعوام.
وكان الرئيس التونسي قد أصدر ذلك المرسوم في 13 سبتمبر من العام 2022، ويتعلق بمكافحة الجرائم الإلكترونية، خاصة الفصل 24 منه والذي، بحسب حقوقيين، يجرم حرية التعبير.
“حمال أوجه”
وهذه ليست هي المرة الأولى التي توجه فيها تهمة ارتكاب “أمر موحش” بحق رئيس البلاد.
ففي 18 مايو من العام الماضي، قضت محكمة في ولاية قفصة، بسجن أستاذ تعليم ثانوي لمدة شهر واحد مع النفاذ العاجل، ودفع غرامة مالية تقدر 240 دينارا تونسيا (77 دولار أميركيا تقريبا).
وبينت المحامية التونسية، إيمان السويسي، في تصريح لإذاعة “Son Fm” أن تلك الإدانة تندرج ضمن الفصل 67 من المجلة الجزائية.
وأضافت المحامية أن نص القانون الذي يحتوي على تهمة “ارتكاب أمر موحش ضد رئيس الجمهورية”، يفترض سوء النية لدى المدعى عليهم، كما أنه حمال أوجه، وفق تعبيرها.
وفي قضية صاحب الجدارية، أوضح الإعلامي، منجي الخضراوي، أن تلك المسألة “قد بدأت عندما رفع معتمد ولاية منستير (مساعد الوالي) دعوى قضائية ضد ذلك الشاب، مدعيا أنه قد سخر من رئيس الجمهورية، وبالتالي فإن النيابة العمومية قد أحالت رشاد طمبورة إلى القضاء”.
وتابع: “رئيس الجمهورية قال سابقا إنه لا يريد من أحد أن يدافع عنه وإن القانون هو من يحميه (كأي مواطن)، وبالتالي في هذه القضية نرى مسؤل جهوي قد أخذ القرار من تلقاء نفسه، وبرأيي فإن ذلك ينطوي على مبالغة وتعسف أو ربما رغبة لدى ذلك المعتمد في التقرب من السلطة”.
“قانون استبدادي”
من جانبه، يرى الإعلامي والكاتب والتونسي، بدر السلام الطرابلسي، في حديثه إلى موقع الحرة: “أن إتيان (أمر موحش) ضد رئيس الجمهورية هي تهمة لا توجد إلا في المنظومات السياسية السلطوية التي لا تحتمل النقد والسخرية والرأي الآخر ولديها حساسية من تعدد الآراء وحرية التعبير”.
وتابع: “وهو قانون متوارث من المنظومة الاستبدادية السابقة للثورة التي كانت تقمع حرية التعبير”.
وأضاف: “للتذكير هنالك صحفيون أحيلوا على القضاء بقوانين زجرية تتناقض مع مبادىء وروح الديمقراطية وشريعة حقوق الإنسان نذكر من بينهم خليفة القاسمي وشذى مبارك، وهذا القانون لا علاقة له بصون مقام الرئاسة، وما يقال بشأن ذلك مجرد تعبيرات فضفاضة تستعملها الأنظمة الدكتاتورية لخنق حرية التعبير”.
وفي يوليو من العام الماضي، كشفت تقارير إعلامية عن اعتقال الصحفية شذى الحاج مبارك، وإيداعها سجن سوسة، شمال شرق البلاد، على خلفية القضية المعروفة إعلاميا بـ”بإنستالينغو”.
و”إنستالينغو” شركة إنتاج للمحتوى الرقمي، ملاحقة قضائيا منذ العام 2021، بعد أن داهمت الشرطة مقرها، ووجهت تهم “اعتداء مقصود منه تبديل هيئة الدولة” و”ارتكاب اعتداء ضد أمن الدولة الداخلي وجرائم مالية”، ضد عدد من العاملين بها، ومن بينهم شذى الحاج مبارك.
وفي نفس السياق، طالب الخضراوي بإلغاء ذلك القانون وما يماثله، موضحا أن “السخرية من الشخصيات العامة تدخل في مجال حرية التعبير مثل أي أسلوب سلمي غير عنيف”.
وأما الناشط السياسي، محمد المناعي، فقال: “أنا مع إلغاء بعض القوانين التي تحد من حرية التعبير بشرط أن نميز بين تلك الحرية وبين أساليب التهجم على الدولة بطريقة غير موزونة”.
وشدد على ضروة “محاسبة أي شخص ينتهك أعراض وشرف الآخرين ويحيك الأكاذيب والشائعات ضدهم، سواء كان ذلك الشخص رئيس جمهورية أو مواطن عادي، وبالتالي يجب محاسبة من يقدم على ذلك”.
ومع ذلك أكد المناعي أنه مع إلغاء بعض القوانين التي تحد من حرية التعبير في البلاد مثل الفصل 67، مضيفا: “لا يجوز إدانة شخص بتهمة (أمر موحش) لمجرد أنه مارس عملية نقد من خلال نشر تدونية في مواقع التواصل أورسم لوحة جدارية”.
ونوه إلى أنه مع “حرية النقد البناء والساخر، خاصة وأننا نعلم أن أرقى وأقوى الدول في العالم قد بنيت ديمقراطيتها على أسس حرية التعبير والرأي والرأي الآخر، ولكن وفي الوقت ذات فإن تشويه السمعة والإساءة إلى الشرف الشخصي للناس أمر مرفوض”.
وبالنسبة للقضاء، وفيما إذا كان قد تحول إلى إداة لمحاربة حرية الرأي عبر العمل بتلك القوانين، أجاب الخضراوي: “للأسف كثر الحديث عن استقلالية القضاء، وأضحى العديد من القضاة يميلون إلى إصدار الأحكام السالبة للحرية في قضايا تتعلق بحرية الخطاب والإبداع”.
وأضاف: “من المفروض في أقصى الحالات وإذا اعتبرنا أنه كان هناك مخالفات للقانون فإن العقوبة في مثل هذه القضايا يجب أن لا تتجاوز الخطية المالية (الغرامة)، أو التحذير دون أن تصل الأمور إلى إصدار أحكام بالسجن”.
وأما الطرابلسي، فختم حديثه إلى موقع الحرة بالقول: ” توجد في البلاد أساسا، منظومة قانونية خاصة بتنظيم حرية التعبير والصحافة (المادتين 115 و116)، وهي لاتتضمن بنود زجرية وسجنية مثل القانون المتعلق بإتيان (أمر موحش) ضد رئيس الجمهورية”.