تقرير.. إسرائيل تدرس “إغراق أنفاق غزة بمياه البحر”

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 11 دقيقة للقراءة

دخلت دبابات إسرائيلية إلى مناطق قريبة من الأحياء المكتظة في محافظة خان يونس، فيما يبدو أنها المرحلة الأولى من احتياج بري يستهدف جنوب قطاع غزة، بعد السيطرة على مناطق في الشمال، لكن هذا الدخول لن يكون سهلا أمام تعقيدات المشهد هناك.

تقول إسرائيل إن قادة حماس يختبؤون في خان يونس، وأن تحقيق الهدف المعلن لحربها وهو “القضاء على حماس”، لن يتم من دون الهجوم البري على الجنوب لـ “تدمير قوة الحركة”.

اضطر فلسطينيون إلى مغادرة خان يونس التي تشهد قصفا إسرائيليا عنيفا

تعقيدات ديمغرافية

لكن خان يونس التي تبعد 10 كيلومترات عن الحدود المصرية، تعد أكبر محافظة من حيث المساحة (108 كم)، وثاني أكبر مدينة في قطاع غزة (خان يونس المدينة)، من حيث التعداد السكاني.

وقبل الحرب الإسرائيلية على غزة، كان يسكن نحو 438  ألف نسمة في محافظة خان يونس، يتوزع 70 بالمئة منهم في المناطق الحضرية، ونحو 13 بالمئة في الريف، فيما يسكن نحو 17 بالمئة في مخيم خان يونس للاجئين.

بعد الحرب، كانت خان يونس محطة أساسية لنحو مليوني نازح اضطروا لترك منازلهم في شمالي ووسط غزة جراء القصف الإسرائيلي العنيف، واللجوء إلى مختلف مناطق الجنوب المكتظة أساسا بالسكان. 

يقول مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، إنه سجل 234 ألف نازح في خان يونس، منذ الاجتياح الإسرائيلي البري للشمال، ويقيم عدد منهم في مخيمات مؤقتة، فيما يتوزع الباقون على مدارس الأمم المتحدة والأونروا والملاجئ الحكومية، لكنها غير كافية لاستيعاب هؤلاء.

Israeli air strikes, in Khan Younis

النيران تتصاعد من ضربة إسرائيلية على خان يونس

وتحولت منطقة مستشفى ناصر في مخيم خان يونس إلى ملجأ كبير مزدحم، حيث تضم مدارس ومرافق تديرها وكالة الأونروا، ويقصدها الفارون من القصف العنيف.

وأمرت إسرائيل، الاثنين، السكان بمغادرة مناطق من خان يونس المدينة الرئيسية في جنوب قطاع غزة. لكن السكان قالوا إن المناطق التي طُلب منهم الذهاب إليها تتعرض لإطلاق النار أيضا.

Wounded Palestinians are rushed into Nasser hospital, in Khan Younis

مواطن يحمل طفلا مصابا جراء قصف إسرائيلي ويسير به إلى مستشفى ناصر في خان يونس

ونشر الجيش الإسرائيلي خريطة على منصة إكس للتواصل الاجتماعي تحدد نحو رُبع مدينة خان يونس باللون الأصفر الذي يشير إلى المناطق التي لا بد من إخلائها.

وشملت الخريطة ثلاثة أسهم تشير إلى الجنوب والغرب، مما يعني مطالبة السكان بالتحرك باتجاه البحر المتوسط ومدينة رفح بالقرب من الحدود المصرية.

وحزم سكان مدينة خان يونس في غزة أمتعتهم وتوجهوا نحو رفح. وكان معظمهم يسيرون على الأقدام مرورا بالمباني المدمرة.

لكن مدير وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، توماس وايت، قال إن سكان رفح يُجبرون على الفرار أيضا.

وفر نحو 80 بالمئة من سكان غزة البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة من منازلهم بسبب القصف الإسرائيلي الذي حول معظم القطاع الساحلي المزدحم إلى أرض قاحلة.

وسيطرت القوات الإسرائيلية على جزء كبير من النصف الشمالي من قطاع غزة في نوفمبر، وتوغلت بسرعة في النصف الجنوبي منذ انهيار الهدنة التي استمرت أسبوعا وانتهت الجمعة.

ويقول سكان إن الدبابات دخلت غزة من السياج الحدودي وقطعت الطريق الرئيسي بين الشمال والجنوب. 

وقال الجيش الإسرائيلي إن طريق الخروج من خان يونس إلى الشمال “يشكل ساحة معركة” وأعلنت إغلاقه.

لماذا خان يونس؟

اعتقاد إسرائيل بأن قيادات حماس تحركت خلال الهدنة من الشمال على الجنوب، سيجعل من الغزو البري لجنوب القطاع “معركة حاسمة”، بعد الاستيلاء على أجزاء كبيرة من شمال غزة منذ أواخر أكتوبر.

وتتقدم القوات الإسرائيلية الآن إلى الجزء الأخير من القطاع الذي كان تحت سيطرة حماس الكاملة.

وفي ظل اشتداد القصف وتضييق المساحات على السكان، يقول مواطنون التقت بهم وسائل إعلام إنهم لا يعرفون أين يذهبون، فكل المناطق خطرة، كما أظهرت الصور ولقطات الفيديو أشخاصا يحملون جثثا ملفوفة بالبطانيات ينقلونها بعيدا عن مشاهد الدمار، لكنهم لا يتمكنون من دفنها لصعوبة الظروف حولهم.

Palestinians inspect a house destroyed in an Israeli strike, in Khan Younis

الدمار الذي خلفه القصف الإسرائيلي على خان يونس

وبينما كانت إسرائيل تركز حملتها على مستشفى الشفاء في مدينة غزة، حيث قالت حينها إن معلوماتها الاستخبارية تشير على أن قيادة حركة حماس تختبئ تحت المجمع الطبي، كانت بعض الأصوات تشير إلى أن هذه المعلومات غير صحيحة، وهو ما ثبت بالفعل بعد انتهاء اقتحام المستشفى.

وفي منتصف نوفمبر، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، إيهود أولمرت، في مقابلة مع يورونيوز، إن “مقر حماس في خان يونس وليس مستشفى الشفاء”. 

وأضاف قوله: “في خان يونس، لديهم القيادة، إنهم يختبئون هناك، ولديهم مواقع القيادة، ومنصات الإطلاق”.

ورغم أن الولايات المتحدة أكدت أن التوغل البري في جنوب قطاع غزة لن يكون واسع النظاق، إلا أن الضربات والقصف الذي اشتد الاثنين، يشير إلى نية القوات الإسرائيلية التمركز في قلب خان يونس كمرحلة أولى، تليها عمليات توغل وصولا إلى رفح المتاخمة للحدود المصرية. 

ضبابية الوضع الميداني

صبيحة يوم الاثنين، قال سكان قرى تقع شمال خان يونس، لوكالة فرانس برس، إنهم شاهدوا دبابات وناقلات جند إسرائيلية تدخل المنطقة.

كما تشير صور الأقمار الصناعية التي حللتها صحيفة نيويورك تايمز الأميركية بأن الدبابات الإسرائيلية تقترب من مركز مدينة خان يونس، حيث ركزت القوات الجوية الإسرائيلية ضرباتها على المناطق الحضرية. وأظهرت الصور الدخان يتصاعد من المباني المدمرة.

“صور بالأقمار الصناعية”.. إسرائيل تبدأ غزو جنوب قطاع غزة

قالت صحيفة نيويورك تايمز إن تحليلا أجرته لصور الأقمار الصناعية يظهر أن الجيش الإسرائيلي بدء غزوا لجنوب قطاع غزة.

وتسبب انقطاع الاتصالات والإنترنت في قطاع غزة بضبابية في المشهد الميداني، لكن صور الأقمار الصناعية تشير على أن الجيش الإسرائيلي توغل في جنوب قطاع غزة بين يومي الجمعة والأحد، بعد فترة وجيزة من انهيار الهدنة التي استمرت أسبوعا مع حماس.

وحتى يوم الأحد، تحركت عشرات المركبات المدرعة إلى المنطقة، وفقا لصور الأقمار الصناعية، التي أظهرت أيضا آثارا وتطهيرا، يرجح أن الجرافات العسكرية تسببت به.

Building lie in ruin as Palestinians carry their belongings following Israeli strikes on residential buildings at the Qatari-funded Hamad City in Khan Younis

مواطنون يمرون من أمام مبان دمرها القصف الإسرائيلية في مدينة حمد في خان يونس

وقال كبير المتحدثين العسكريين الإسرائيليين، دانييل هاغاري، الاثنين، إن القوات الإسرائيلية “تواصل توسيع العملية البرية للتعامل مع معاقل حماس في جميع أنحاء قطاع غزة”.

وقال: “إن قواتنا عازمة على القيام بذلك حيثما يطلب منا ذلك”، مستشهدا بما نفذه الجيش الإسرائيلي في مدينة غزة، على وجه الخصوص في الشجاعية وجباليا.

وقال الجيش الإسرائيلي إن القتال والتقدم العسكري ” لا يسمحان بتنقل المدنيين عبر محور صلاح الدين في المقاطع الواقعة شمالي وشرقي مدينة خان يونس”.

وأضاف أن محور صلاح الدين “يشكل في هذه المقاطع ساحة قتال فمن الخطورة بمكان الوصول إليه”. 

وذكر الجيش الإسرائيلي أنه “سيتيح تنقل المدنيين الإنساني عبر المحور الالتفافي الواقع غربي خان يونس”. 

وأكد أن “التنقل من منطقة رفح وخان يونس باتجاه دير البلح ومخيمات الوسطى سيتاح عبر المحاور التالية: شارع الرشيد “البحر” – شارع الشهداء في دير البلح”. 

كما أشار إلة ما وصفه بـ “تعليق تكتيكي محلي ومؤقت للنشاطات العسكرية لأغراض إنسانية في مخيم رفح التابع لقضاء رفح اعتبارا حتى 14:00 ظهرا، لغرض التزود”.

المدنيون يبحثون عن مأوى

في جميع أنحاء مدينة خان يونس، يسمع المدنيون أصوات القصف الإسرائيلي العنيف بشكل متزايد، وهم يسابقون الزمن للعثور على مأوى في مدينة رفح الواقعة في أقصى جنوب قطاع غزة، قبل أن يفوت الأوان وتقتلهم القذائف.

وبالفعل، أجلي كثير من المدنيين في خان يونس سيرا على الأقدام إلى منطقة مكتظة بالفعل في الجنوب، لكن الأماكن التي انتقلوا إليها تعرضت أيضا لغارات جوية.

وقالت بتول (23 عاما)، التي طلبت عدم الكشف عن اسم عائلتها لأسباب أمنية، إن “القصف الجوي والمدفعي الإسرائيلي على مدينة خان يونس خلال اليومين الماضيين كان بلا هوادة، وخاصة الليلة الماضية”.

“لم يكن هناك أي راحة في الهجوم، ولا حتى للحظة واحدة. واهتز المنزل من قوة القصف، وتحطمت الأبواب والنوافذ”.

Palestinians inspect a house destroyed in an Israeli strike, in Khan Younis

دمار خلفه القصف الإسرائيلي في خان يونس

ونزحت بتول وعائلتها إلى خان يونس في منتصف أكتوبر، ولجأوا إلى منزل صغير يضم 30 فردا من العائلة الممتدة في وضع وصفته بأنه “كارثي”.

وتنقل صحيفة نيويورك تايمز الأميركية عن المواطنة، لبنى الريس، وهي مديرة مدرسة وحامل في شهرها الثامن، إنها نزحت مع عائلتها مرتين بحثا عن الأمان في أقل من شهرين، أولا إلى حي آخر في مدينة غزة، ثم إلى خان يونس.

والآن، ومع المنشورات العسكرية الإسرائيلية التي تحث على الإخلاء، والتي تغطي المكان الذي لجأت إليه هي والعديد من الآخرين، كانت تحمل حقيبتها وتجلس عند الباب، طارحة سؤالا ملحا: “أين سنذهب الآن؟”

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *