منعت السلطات اللبنانية ورشتي عمل للتوعية بشأن الممارسات الجنسية غير التقليدية، التي تعرف بـ”BDSM وimpact play”، كان من المقرر إجراؤها في العاشر من الشهر الجاري، بحجّة “الإخلال بالأخلاق والآداب والنظام العام وبأن من يدير الورشات عابر للجنس”.
والهدف من عقد هذه الجلسات، بحسب منظميها، توعية المشاركين “من أجل تجنب الانتهاكات المحتملة”.
أشهر من التحضيرات لثلاث ورش عمل ومعرض للفنانة “بيروت ميدنايت”، كما تطلق على نفسها، ذهبت سدى بقرار “أمني” فجائي، كما يقول وكيلها القانوني المحامي المتخصص بحقوق الإنسان والقانون الدولي، فادي هاشم، شارحا لموقع “الحرة” أنه “بعد قرار المنع، ألغت موكلتي كل نشاطاتها التي كانت مقررة خشية أن يتم كشف هويتها”.
تركّز “بيروت ميدنايت”، 29 عاما، فنها على رسم تصوّراتها لحياة بيروت ليلا، كما أنها تهتم بالجنس غير التقليدي. وبعد الاهتمام الذي حظي به معرضها في بيروت في نهاية عام 2022، قررت تنظيم حدث توعوي حول هذا النوع من الممارسات الجنسية التي لا تزال غامضة لكثيرين، من أجل تجنّب الانتهاكات المحتملة، كما أوردت “لوريون لوجور”.
وبعد أن كان مقررا أن يدير الفنان التشكيلي، رينيه دي سان، الذي شارك في تأسيس مدرسة كارادا هاوس للجنسانية في برلين، ورشتي العمل، ألغى قدومه إلى لبنان تحسبا لتعرضه للخطر؟ وفي حديث لـ “لوريون لوجور” أكدت “بيروت ميدنايت” على أن فنّها ليس إباحيا، بل حسيّا، وكل رسم يحمل رسالة حول الكليشيهات الجنسانية والمحرّمات الجنسية باستخدام الفكاهة.
وهذه ليست المرة الأولى التي تمنع فيها السلطات اللبنانية ورش عمل بحجة المثلية الجنسية، فقد سبق أن أصدر وزير الداخلية اللبناني، القاضي بسام مولوي، في عام 2022 بيانا طلب فيه من القوى الأمنية “اتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع إقامة أي مؤتمر أو لقاء أو تجمّع يهدف إلى الترويج لظاهرة الشذوذ الجنسي”.
يذكر أن الـBDSM والـ impact play تشير إلى ممارسات جنسية غير نمطية تتم بموافقة طرفي العلاقة.
انتهاك صارخ
وبدأ التضييق، عندما استدعي مدير المركز الذي كان سيتضيف النشاطات في الثاني من فبراير للحضور إلى وزارة الداخلية، بحسب هاشم “، حيث وقّع على تعهد مُعد مسبقا ينص على عدم إقامة الورشتين، على أساس عدم المساس بالأخلاق العامة والآداب العامة والنظام العام، على الرغم من أن الورشتين كانتا مخصصتين للأشخاص الذين تتجاوز أعمارهم الـ 25 عاما، وعلى أن تجرى نهارا بشكل علني مع منع التصوير، ومن الأسباب التي استندت إليها السلطات كذلك، والتي تعتبر انتهاكا صارخا للحريات العامة والشخصية، هي أن من يدير الورشات عابر للجنس”.
لكن “لا علاقة لورش العمل بأفراد مجتمع الميم عين”، كما يؤكد مسؤول التواصل والإعلام في منظمة “حلم”، ضوميط قزي “بل هي موجهة لكل أفراد المجتمع، فهناك أفراد مختلفون يمكن أن يكون لديهم اهتمام بالجنس غير التقليدي، وكمنظمة، ندافع عن تفضيلات الأشخاص الجنسية دون استثناء، طالما أنها تحت إطار الرضا ولا تنتهك حقوق الأطفال أو أي فئة مهمشة من المجتمع”.
تجريم الفرد بسبب هويته الجنسية “أمر مخزٍ”، بحسب قزي.
ويشدد على أن “الهدف من تسليط الضوء على هوية الفرد هو التحريض عليه وخلق حالة من الذعر في المجتمع، وتبرير عمليات القمع عبر استغلال هويات مهمشة، وهو يذكّر بما يحصل عند ارتكاب جريمة معينة، حيث يتم تسليط الضوء بشكل كبير على جنسية المجرم، كمحاولة لخلق وصمة على هذه الفئة من المجتمع أو على الجنسية أو الهوية. ولا أعتقد أن ذلك بريء، بل متعمد”.
ويضيف بأن “يتم التركيز على المسائل الجنسية والحريات الشخصية والعامة كتهديد للمجتمع، في حين أن هذه النشاطات لا تؤثر سلباً على أي فرد، حيث تقام في أماكن خاصة ويتطلب حضورها شراء تذاكر، مما يعني أنه لا يجبر أحد على المشاركة”.
النشاطات المتعلقة بالجنس “الكويري” أصبحت هدفاً للمنع والتهديد وحتى العنف في لبنان. وفي أغسطس الماضي، هاجم أفراد غاضبون من مجموعة تطلق على نفسها اسم “جنود الرب” ملهى ليليا في العاصمة اللبنانية بيروت، حيث اعتدوا بالضرب على زبائنه بحجة المشاركة في نشاط خاص بالمثليين، قبل أن تتدخل القوى الأمنية.
وحاول موقع “الحرة” التواصل مع الأمن العام اللبناني لاستيضاح خلفيات منع عقد ورشتي العمل وأسباب تبليغ المعنيين عبر وزارة الداخلية، لكن لم يتمكن من الحصول على رد.
مسار قمعي
“يعتبر منع ورش العمل التوعوية بكل أشكالها تضييقا على الحريات الفردية والشخصية، حتى لو كانت حول الممارسات الجنسية غير التقليدية”، تقول الباحثة في مؤسسة سمير قصير، وداد جربوع “خاصة عندما تكون هذه الورش موجهة إلى راشدين لديهم القدرة على اتخاذ قرار المشاركة من عدمه”.
وتضيف في حديث لموقع “الحرة” قولها “نشهد في الفترة الأخيرة منع مثل هذه النشاطات لاسيما الخاصة بمجتمع الميم عين، وذلك بحجج أخلاقية وأنها تمس قيم المجتمع، لكن الأمر اللافت في المنع الأخير، عدم إعطاء المنظمين أي هامش لإبداء وجهة نظرهم والنقاش مع الجهة المعنية أو السلطات كما جرت العادة قبل إصدار القرار، بل كان قرارا حاسما”.
من حق الأفراد بحسب قزي أن يعبّروا “في أعمالهم الفنية ومعارضهم وورشاتهم التدريبية عن الأمور الجنسية غير التقليدية، فكيف إن حددوا سنا واضحا للحضور، ومنع من هم دون الـ 25 عاما من الحضور، مما يعني تجاوز السن القانوني بسبع سنوات، وذلك ضمن الإجراءات الاحترازية المراعية للمجتمع والقانون”.
كما أن منشورات الإعلان عن الورشتين التدريبيتين كانت ملصقة، كما يقول قزي، “في عدة أماكن “أي أنها علنية، لذلك كان متوقعا أن تتخذ السلطات الأمنية إجراءات لمنعها عندما يصلها الخبر، مستندة إلى عبارات مبهمة في القانون اللبناني تستخدم لقمع أي شخص لا يتماشى مع الأفكار السائدة أو القيم والعادات المفروضة على المجتمع، وبشكل خاص المسائل المتعلقة بالجنسانية”.
إلغاء ورشتي العمل، بحسب قزي، “جزء من مسار المنظومة السياسية المتداخلة مع المنظومة الدينية والاجتماعية السائدة في البلد، في وقت لا نرى تحركات مماثلة من قبلها في قضايا التحرش والاغتصاب، حيث يتم انتهاك سلامة الأشخاص وكرامتهم واستقلاليتهم الجسدية، وفوق هذا تبدو وزارة الداخلية وكأنها مهتمة بسلامة أفراد المجتمع، إلا أنها في الحقيقة تخلق حالة من الهلع على الأخلاق، بينما ينبغي أن يكون الهلع الأخلاقي في مكان آخر”.
ما تقوم به هذه المنظومة هدفه، وفقا لقزي، “تشتيت أفراد المجتمع بسبب عجزها عن تأمين أبسط حقوقهم، من دون أن يلغي ذلك أن أفراد هذه المنظومة رجعيون ومعادون لكل من هو مختلف عنهم، لديهم نظام أبوي يعود إلى آلاف السنوات ويريدون المحافظة عليه، وهو نظام يقمع كل ما يختلف عنه، وهذه أسباب الحملات التي تشنها منذ عام 2022 وحتى اليوم”.