عندما استلم دفة قيادة “الشعب الجمهوري” أكبر أحزاب المعارضة في تركيا أطلق الصيدلاني والسياسي الشاب أوزجور أوزيل وعدا بقوله: “سنستعيد كل البلديات التي لدينا، وسنضيف بلديات جديدة.. ونحقق معا انتصارا عظيما”.
وبالفعل تمكن مع حزبه من تحقيق ذلك، وبينما حصد فوزا كبيرا في الانتخابات المحلية التي جرت في 31 من مارس الماضي وجه ضربة كبيرة للحزب الحاكم “العدالة والتنمية”، اعتبرت الأقسى منذ تأسيسه في البلاد.
ومن المقرر أن يجتمع أوزيل عصر الخميس (الساعة الرابعة بالتوقيت المحلي) مع الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان في لقاء وصفته وسائل إعلام تركية بـ”التاريخي”.
وفي حين تتجه الأنظار إلى مخرجات الاجتماع الذي سيعقدونه على طاولة واحدة تثار تساؤلات عن الأسباب التي دفعت الرجلين لاتخاذ مثل هذه الخطوة، وأخرى تتعلق بشخصية أوزيل ومسيرته التي تكللت في نوفمبر 2023 بمنصب سياسي كبير.
وقبل توجهه للقاء إردوغان كان أوزيل الذي خلف كمال كليتشدار أوغلو قد أطلق تصريحات أمام مبنى بلدية إسطنبول، وقال أمام جمع كبير من المتظاهرين المحتفلين بعيد العمال: “إذا لم تكن تقسيم حرة اليوم فستكون كذلك غدا.. عاجلا أم آجلا.. تقسيم ملك للعمال”.
وأضاف بعدما قطعت الشرطة الطرقات باتجاه “ميدان تقسيم” ومنعت إقامة التجمعات هناك: “إنها ملك للعمال. نحن نقف وراء المطالبة بالحرية. يحيا 1 مايو. يحيا نضال تركيا والطبقة العاملة”.
كما وجه رسائل أخرى اعتبرها مراقبون تمهيدية للقاء المزمع عقده عصر اليوم، معلنا أنه يجب الالتزام بالدستور الحالي، وعلى أساس ذلك من الممكن مناقشة كتابة دستور جديد للبلاد.
ماذا سيبحث أوزيل مع إردوغان؟
توضح وسائل إعلام تركية أن زعيم المعارضة أوزيل يحمل إلى طاولته مع إردوغان ملفا شاملا، يضم الأزمة القضائية والمشاكل الاقتصادية والسياسة الخارجية، وصولا إلى ديون البلديات المحولة إلى حزبه.
وفي المقابل يتصدر جدول أعمال إردوغان عنوان “الدستور الجديد”، وضرورة المضي بهذه الخطوة، بالتشاور مع بقية الأحزاب في تركيا.
صحيفة “جمهورييت” ذكرت، الخميس، أن أوزيل اتصل بالرؤساء السابقين لـحزب “الشعب الجمهوري” قبل الاجتماع، وتلقى آراءهم ومقترحاتهم. وهم ألتان أويمن، وحكمت جيتين وكمال كليتشدار أوغلو، ومراد كارايالسين.
وأضافت “حرييت” المقربة من الحكومة أن زعيم “الشعب الجمهوري” سيطرح قضية الناشط التركي المعتقل، عثمان كافالا والمعتقلين في قضية “غيزي” عام 2013.
من ناحية أخرى، فإن مشاريع البلديات التي تنتظر موافقة الحكومة المركزية، وتكاليف المعيشة، والمعاشات التقاعدية، والمعلمين الذين ينتظرون التعيين، ستكون مواضيع أيضا على جدول الأعمال، بحسب موقع “خبر تورك”.
ويعتقد المحلل السياسي التركي، جواد غوك أن قضية “الدستور الجديد” ستكون الأبرز على طاولة إردوغان وأوزيل.
ويوضح لموقع “الحرة” أن “الحكومة والحزب الحاكم يريدون دعما من المعارضة لتغيير الدستور العسكري المطبق منذ الثمانينات، ويقولون على أساس ذلك إنه علينا التحرك معا”.
لكن المعارضة لديها “خطة مختلفة”، وفق حديث غوك.
ويقول أيضا إن “أتباعها يعولون على أوزيل بأن لا يقبل ما يريده الرئيس التركي، ولاسيما أن الأخير يريد تمديد مدة البقاء في الرئاسة مرة أخرى”.
اللقاء الحالي هو الأول بين القطبين الرئيسيين في تركيا منذ عام 2016.
ومنذ تلك الفترة دائما ما كان إردوغان يوجه كلمات لاذعة باتجاه المعارضة، وتتبع الأخيرة ذات المسار، وتزيد عليه اتهامات وانتقادات متواصلة.
ويأتي الاجتماع بعد شهر من إسدال الستار على نتائج الانتخابات المحلية، بفوز ساحق للمعارضة وهزيمة كبيرة للحزب الحاكم ضمن تحالفه مع “الحركة القومية”.
ولم يكن متوقعا لدى أوساط الحزب الحاكم في 31 من مارس أن تكون النتائج كما كانت عليه، وخاصة أنه لم يتمكن من الفوز بالبلديات الكبرى، بل وصلت الأمور به لخسارة بلديات أخرى كان يديرها منذ سنوات.
ويظن المحلل السياسي غوك بحسب تعبيره أن “لا تخضع أحزاب المعارضة وعلى رأسها الشعب الجمهوري لما يريده الرئيس التركي، من تغيير حالي للدستور”.
ويضيف أنهم “يعتقدون أن ما يقوم به إردوغان بعد الهزيمة الأخيرة في انتخابات البلديات يأتي بغرض إنقاذ ما تبقى من مدة للحكومة”.
من هو أوزيل؟
على عكس سلفه كمال كليتشدار أوغلو الذي مني بخسارة أمام إردوغان في انتخابات الرئاسة والبرلمان العام الماضي تمكن أوزيل من تحقيق نتائج فعلية على أرض الواقع.
أبرز تلك النتائج الفوز الساحق الذي حققه حزبه في انتخابات البلديات والأصوات التي حازها، وجعلت منه الحزب الأكبر والأول في تركيا، منحيّا “العدالة والتنمية” إلى المرتبة الثانية.
ولد أوزيل، في 21 سبتمبر 1974 في مانيسا، وأكمل تعليمه الابتدائي والثانوي في إزمير، ثم تخرج من كلية الصيدلة بجامعة إيجي عام 1997، كما تورد السيرة الذاتية المنشورة على موقع “الشعب الجمهوري” الرسمي.
وعمل كصيدلاني حتى دخل السياسة في عام 2009، عندما ترشح لمنصب عمدة مانيسا في الانتخابات المحلية، آنذاك.
ورغم أنه لم يفز بالمنافسة في تلك الفترة بقي يخوض مضمار السياسة حتى دخل البرلمان كنائب عن مانيسا في الانتخابات العامة، التي أجريت بعد عام واحد من انتخاب كمال كليتشدار أوغلو رئيسا في عام 2010.
أوزيل متزوج من ديديم أوزيل ولديه طفل واحد، ويتحدث أوزيل الألمانية والإنجليزية بشكل جيد.
وتشير وسائل إعلام تركية، بينها صحيفة “سوزكو”، إلى أن أوزيل صعد نجمه بالتدريج في السياسة.
وأصبح معروفا على نحو أكبر من خلال خطبه المؤثرة، وعندما حذر من كارثة منجم “سوما” في عام 2014 قبل حصولها بأسبوعين فقط.
و”سوما” هي واحدة من أهم حوادث العمل في تركيا، وباعتباره عضوا في البرلمان عن مانيسا، قدم أوزيل، الذي يعرف مشاكل عمال المناجم والأخطاء التي ارتكبوها، اقتراحا بإنشاء لجنة برلمانية لفحص المناجم في المنطقة المذكورة.
لكن مقترحه قوبل بالرفض بأصوات الحكومة، حسب صحيفة “جمهورييت”، وحلّت الكارثة، وراح إثرها نحو 300 قتيل من العمال على الأقل.
كما لعب أوزيل دورا نشطا أيضا في “مسيرة العدالة” الشهيرة التي أطلقها كليتشدار أوغلو، عام 2017.
وتورد السيرة الذاتية له أيضا أنه تولى في السابق منصب نائب رئيس مجموعة حزب “الشعب الجمهوري” بالبرلمان التركي، في 24 يونيو 2015.
وبقي في منصبه حتى 14 و28 مايو 2023 – تاريخ انتخابات الرئاسة والبرلمان في تركيا، وبعدها قاد حملة “تغيير” داخل “الشعب الجمهوري” بالشراكة مع عمدة إسطنبول، أكرم إمام أوغلو.
وجاءت الحملة بعد الهزيمة التي مني بها كليتشدار أوغلو أمام منافسه إردوغان.
وفي المؤتمر الأول الذي عقد في “القرن الثاني” لتركيا، في نوفمبر 2023، تم انتخاب أوزيل رئيسا لحزب “الشعب الجمهوري”.
“على خلاف أسلافه”
عندما فاز أوزيل برئاسة “الشعب الجمهوري” قبل ستة أشهر كان قد أنهى فترة حكم كليتشدار أوغلو، والتي استمرت لـ13 عاما.
ويشير كاتب العمود في موقع “هالك تي في”، إسماعيل كوتشوك كايا إلى أن “المعارضة السابقة كانت منفصلة منذ فترة طويلة عن الشعب، ولم يكن زعماؤها في الملعب”.
ويضيف: “كانوا يغردون ويضعون أكاليل الزهور وينهون الأمر.. وكل ذلك تخلى عنه أوزيل بسهولة”.
الكاتب اعتبر في مقالته التي نشرت الخميس أن وقفة أوزيل مع العمال ورؤساء النقابات المعنية أمام مبنى البلدية في إسطنبول يوم الأربعاء تشير إلى ذلك، ويعتقد أن زعيم “الشعب الجمهوري” وجه رسالة مفادها: “سوف أسير في الأول من مايو، وأبلغ رسالتي، ثم أذهب للقاء إردوغان في اليوم التالي”.