ظهر أربعة رجال المشتبه بتنفيذهم الهجوم الإرهابي الأكثر دموية في روسيا منذ عقود، أمام محكمة في موسكو، مساء الأحد، مع آثار تكشف عن تعرضهم للتعذيب، حيث دخل أحدهم بأذن مقطوعة جزئيا، فيما كان الثاني يجلس على كرسي متحرك برتقالي اللون، وعينه اليسرى منتفخة، بينما بدا آخرون مع آثار دماء وضمادات على وجوههم.
ووفقا لصحيفة “نيويورك تايمز”، كان الكثير من متتبعي جلسة تقديم المتهمين بجميع أنحاء العالم، بما في ذلك الروس، يعرفون بالفعل يعرفون ما حدث لهم، مشيرة إلى الانتشار واسع النطاق لمقاطع فيديو توثق تعرضهم للتعذيب أثناء استجوابهم، فيما وصفه محللون بأنه انتقام واضح للهجوم الذي أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 139 شخصًا وإصابة 180 آخرين.
وأظهر أحد مقاطع الفيديو الأكثر إثارة للقلق أحد المتهمين، الذي تم تعريفه باسم سعيد كرامي م. راجاباليزودا، وقد تم قطع جزء من أذنه ووضعه في فمه. وأظهرت صورة متداولة على الإنترنت بطارية موصلة بالأعضاء التناسلية لمتهم آخر، يدعى شمس الدين فريدوني، أثناء احتجازه.
ولم يتضح على الفور كيف بدأ تداول مقاطع الفيديو، لكن تم نشرها عبر قنوات تيليغرام القومية المؤيدة للحرب والتي تعتبر قريبة من أجهزة الأمن الروسية، وفقا للصحيفة الأميركية.
“انتقام وتحذير”
وعلى الرغم من عدم عرض المقاطع الأكثر فظاعة على شاشة التلفزيون الحكومي، إلا أن المعاملة الوحشية للمتهمين كانت واضحة. وقال محللون إن قرار السلطات الروسية بعرض الأمر علنا أمام المحكمة، بطريقة لم تفعلها من قبل تقريبا، كان بمثابة “علامة انتقام وتحذير للإرهابيين المحتملين”.
وقالت أولغا سادوفسكايا من لجنة مناهضة التعذيب، وهي منظمة روسية لحقوق الإنسان، إنه في تاريخ روسيا الحديث، لم تُعرض مقاطع فيديو التعذيب على التلفزيون الحكومي.
وأضافت: “كانت هناك نية” لتوزيع مقاطع الفيديو.. أولا، لنظهر للأشخاص الذين يمكن أن يخططوا لهجوم إرهابي آخر ما يمكن أن يحدث لهم، وثانيا، لنظهر للمجتمع أن هناك انتقاما لكل ما عانى منه الناس في هذا الهجوم الإرهابي”.
وقالت سادوفسكايا ومحللون آخرون، إن “العرض الصارخ للمعذبين أظهر شيئا آخر: إلى أي مدى أصبح المجتمع الروسي عسكريا ومتسامحا مع العنف، منذ بدء الحرب في أوكرانيا”.
من جهته، أوضح أندريه سولداتوف، الخبير في أجهزة الأمن الروسية: “هذه علامة على المدى الذي ذهبنا إليه في قبول الأساليب الجديدة لإدارة الحرب”.
وأظهرت دراسات استقصائية دولية، أن المجتمعات تتسامح مع العنف ضد الأشخاص الذين تعتبرهم أسوأ المجرمين، بما في ذلك الإرهابيين والقتلة المتسلسلين ومرتكبي جرائم العنف ضد الأطفال.
ومع ذلك، قالت سادوفسكايا، إن مقاطع الفيديو التي يتم بثها على شاشة التلفزيون “تظهر أن الدولة والسلطات تثبت أن العنف أمر مقبول، وأنهم يجعلون التعذيب أمرا طبيعيا بالنسبة لموضوع معين”.
ورفض المتحدث باسم الكرملين، ديمتري س. بيسكوف، الاثنين، التعليق على مزاعم التعذيب خلال مؤتمر صحفي مع الصحفيين. لكن الرئيس السابق دميتري ميدفيديف، الذي يشغل حاليا منصب نائب رئيس مجلس الأمن الروسي، دافع ضمنيا على الأمر.
وقال: “هل يجب أن نقتلهم؟ ينبغي علينا ذلك، وسنفعله.. لكن الأهم هو قتل جميع المتورطين” في الهجوم. “جميعهم: أولئك الذين دفعوا، والذين تعاطفوا، والذين ساعدوا”.
“بعيدا عن الأنظار”
من جانبه، صرح إيفان بافلوف، المحامي الذي اعتاد الدفاع عن قضايا الأمن القومي الصعبة قبل إجباره على الفرار من روسيا، إن “التعذيب يُستخدم منذ فترة طويلة في قضايا الإرهاب والقتل، بعيدا عن الأنظار”.
وأضاف أنه بمجرد تسرب أخبار التعذيب إلى خارج السجون، فإنها تجعل “الأشخاص الآخرين يعرفون أنه إذا كنت متهما بالإرهاب، فإن القوات الخاصة سوف تقوم بتعذيبك. لذلك فإن هذه الخطوة بمثابة وقاية أمنية”.
وقال بافلوف إن جلسات المحكمة، الأحد، كانت غير عادية لأن “عرض التعذيب تم بوقاحة شديدة”.
وأضاف: “في السابق، أخفوا الأمر عن عامة الناس، لكنهم الآن لم يفعلوا ذلك لأن عامة الناس مستعدون للعنف”، مضيفا “لم يعد الأمر مزعجا للغاية للعامة بسبب الحرب”.
ولم تعد روسيا طرفا في الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، لكن الدستور الروسي يحظر التعذيب. كما أنها جزء من اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب.
وقال سكوت روم، مدير السياسة العالمية والمناصرة في مركز ضحايا التعذيب، ومقره مينيسوتا، إنه بما أن التعذيب جريمة بموجب القانون الدولي وفي العديد من البلدان، فإن محامي الدفاع عادة ما يسعون إلى إسقاط أي شهادة تم انتزاعها تحت التعذيب لأنها غير موثوقة.
وقال روم: “لا يقضي القائمون بالتعذيب الكثير من الوقت في التفكير في العواقب المختلفة لأفعالهم”، خاصة في أعقاب هجوم مثل ذلك الذي وقع في موسكو.
وأشار “أعتقد أن عقلية الجلاد غالبا ما تكون مزيجا من الرغبة في الانتقام، إلى جانب افتراض جاهل ومضلل تماما بأنه يمكنك حمل شخص ما على الاعتراف تحت التعذيب، ويمكن استخدام هذا الاعتراف لإدانته”.
وعادة ما تكون محاكمات المتورطين في قضايا الإرهاب في روسيا مغلقة، كما كانت معظم جلسات الاستماع، الأحد، لذا فمن المستحيل معرفة مدى اعتراض محامي الدفاع على هذه الممارسة، وفقا للصحيفة.
وقال بافلوف، إن “معظم القضاة الروس من المرجح أن يتجاهلوا ذلك في أي حال، لأنهم يعرفون مسبقا ما هو متوقع منهم فيما يتعلق بالحكم على المشتبه بهم”.