رغم استمرار الحرب بين حماس وإسرائيل وتزايد المخاوف من اتساع رقعتها، تحاول السعودية الحفاظ على تركيزها تجاه خطط ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان، لإعادة تشكيل الاقتصاد وتقليل الاعتماد على النفط.
وتحتضن المملكة الأعمال كالمعتاد، وتستضيف منتدى استثماريا وحفلات موسيقية وحتى عروض أزياء. لكن الحزن والخوف والغضب من القصف الإسرائيلي لغزة يغلي تحت السطح لدى السعوديين، وفق تقرير من صحيفة “نيويورك تايمز”.
ومنذ أن شن مسلحون من حركة حماس في غزة هجوما مفاجئا على إسرائيل، في 7 أكتوبر، يلوح في الأفق خطر اندلاع حرب آخذة في الاتساع في الشرق الأوسط. وفرضت إسرائيل حصارا على قطاع غزة وتشن قصفا عنيفا.
وقد أثار ذلك احتجاجات في جميع أنحاء المنطقة، مما أدى إلى تنشيط الدعم العربي الصريح للقضية الفلسطينية، بما في ذلك بين العديد من المواطنين السعوديين.
ومع ذلك، أوضح المسؤولون السعوديون أنهم مصممون على منع كل ذلك من إلقاء ظلاله على خطط ولي العهد للمملكة، والتي تشمل إعادة تشكيل الاقتصاد لتقليل الاعتماد على النفط وتحويل البلاد إلى مركز عالمي للأعمال والسياحة.
وتتوقف هذه الخطط على الحد من التوترات في المنطقة، وليس تأجيجها، وتحقيقا لهذه الغاية، أعادت السعودية مؤخرا إقامة علاقات مع منافستها الإقليمية إيران، التي تدعم حماس والعديد من الميليشيات الأخرى في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
وخلف الكواليس، يسعى المسؤولون السعوديون جاهدين لاحتواء تداعيات الصراع، الذي يخشون أن يزعزع استقرار المنطقة بأسرها.
وعلى الجانب الآخر، فإن موجة المهرجانات والإعلانات والفعاليات التي ميزت حكم ولي العهد تمضي قدما بأقصى سرعة.
وكانت الحكومة السعودية تاريخيا مدافعة عن الفلسطينيين، ومثل العديد من الدول العربية، رفضت منذ فترة طويلة الاعتراف بإسرائيل قبل إنشاء دولة فلسطينية.
لكن في عام 2020، أقامت البحرين والإمارات المجاورتان علاقات مع إسرائيل فيما يعرف باسم “اتفاقيات إبراهيم”، التي توسطت فيها إدارة الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب.
وفي عهد الأمير محمد بن سلمان، الحاكم الفعلي للبلاد، تحول الموقف السعودي تدريجيا، وأعاد التركيز على الوطنية السعودية أولا.
وعلى مدى السنوات القليلة الماضية، انتقد مسؤولون سعوديون سابقون ومؤثرون موالون للحكومة على وسائل التواصل الاجتماعي علنا الفلسطينيين لإهدارهم فرص التوصل إلى حل للصراع، ونشروا منشورات حادة على وسائل التواصل تقول: “فلسطين ليست قضيتي”.
وقال السعودي سلطان العامر، زميل ما بعد الدكتوراه في مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة هارفارد: “تشكل حرب غزة الحالية تحديا حقيقيا لسياسة السعودية أولا”.
وأضاف “لقد ظهر أن جميع المحاولات السابقة من قبل المؤثرين ووسائل الإعلام السعوديين، ذات الطابع القومي بشكل كبير، لشيطنة الفلسطينيين لا يمكن أن تقلل من الشعور القوي بالتضامن والدعم بين السعوديين لما يحدث هناك”.
وخلال الأشهر التي سبقت الحرب، كان الأمير السعودي ومستشاره يعقدون مفاوضات مع إدارة بايدن بشأن اتفاق معقد لتطبيع العلاقات مع إسرائيل مقابل عدة قضايا من بينها اتفاقية دفاعية أميركية وتنازلات من الإسرائيليين للفلسطينيين. وفي مقابلة، الشهر الماضي، لمح ولي العهد أن تلك التنازلات قد لا تكفي لتأسيس دولة فلسطينية.
وقال ولي العهد السعودي لشبكة فوكس نيوز حينها “نأمل أن يصل الاتفاق إلى مرحلة تسهل فيه حياة الفلسطينيين وتجعل إسرائيل لاعبا في الشرق الأوسط”، مضيفا “كل يوم نقترب” من التوصل إلى اتفاق.
لكن، ومنذ بدء الحرب وضعت العديد من العوائق أمام تحقيق اتفاق كهذا.
“تحت السطح”
وفي جميع البلدان المجاورة للمملكة تقريبا، خرج المتظاهرون إلى الشوارع لمعارضة الحصار الإسرائيلي على غزة، وألغت الحكومات والشركات الحفلات الموسيقية وغيرها من الفعاليات تضامنا مع الفلسطينيين، لكن ذلك غائب في السعودية حتى وأن الحزن والخوف والغضب يغلي تحت السطح، كما قال السعوديون في مقابلات.
وفي العلن، ندد المسؤولون السعوديون بآلاف الغارات الجوية الإسرائيلية على غزة، ودعوا إلى وقف الحصار وحثوا على وقف فوري لإطلاق النار وإيصال المساعدات إلى الفلسطينيين.
لكن بعض السعوديين يقولون إنهم التقطوا إشارات بأن إظهار المشاعر المؤيدة للفلسطينيين ليس موضع ترحيب كامل من حكومتهم، وفق ما نقلته “نيويورك تايمز”.
ودفع عدم اليقين بشأن الخطوط الحمراء المتغيرة للدولة بعض السعوديين إلى نقل التعبير عن تضامنهم مع الفلسطينيين إلى المجال الخاص بما في ذلك على حساباتهم في وسائل التواصل الاجتماعي المغلقة أمام الجميع، باستثناء الأصدقاء الموثوق بهم، بحسب التقرير.
وعندما يتجمع السعوديون في منازلهم، فإن غزة هي موضوع الساعة، كما قال عبد الحميد، وهو رجل سعودي طلب من الصحيفة أن يتم تعريفه باسمه الأوسط فقط خوفا من انتقام الحكومة.
وأضاف “الناس لا يريدون أن يقولوا أي شيء، لأن ذلك سيسبب لهم المشاكل”.
وفي منشور على فيسبوك، الأربعاء، دافع تركي آل الشيخ، رئيس هيئة الترفيه في السعودية، عن الاستمرار في استضافة الأحداث كالمعتاد، بحجة أن الحياة تستمر حتى أثناء الحروب، وقال: “كل سعودي، وأنا واحد منهم، مشغول بتطوير بلاده”.
واندلع النزاع بين إسرائيل وغزة في منتصف مسار أجندة إصلاحات “رؤية 2030” التي أطلقها ولي العهد وتهدف إلى تخفيف ارتهان اقتصاد السعودية، أكبر مصدّر للنفط الخام في العالم، للوقود الأحفوري.
وخلال السنوات الأخيرة، شدّد المسؤولون السعوديون على أهمية تواجد منطقة مستقرة وأكثر تكاملا لنجاح تلك الرؤية، والعمل على رأب الصدع مع قطر وتركيا وسوريا وإيران.
وحاولوا أيضا إخراج السعودية من مزيد من الانخراط العسكري في اليمن المجاور، توازيا مع استضافة المملكة محادثات تهدف إلى إيجاد حل للحرب المستمرة منذ أكثر من ستة أشهر في السودان، وتهدد الحرب بين إسرائيل وحماس هذا التقدم.