ألمح تقرير نشرته صحيفة “بوليتيكو” الأميركية، الخميس، لاحتمال أن تكون قطر قد علمت مسبقا بهجوم السابع من أكتوبر الذي شنته حماس على جنوب إسرائيل، فيما نقل عن مسؤولي استخبارات غربية القول إن الدوحة ربما تكون مستفيدة من الهجوم.
وتساءل التقرير عن حقيقة ما إذا كانت قطر، التي تعتبر أكبر داعم مالي لحماس وأصبحت مكان إقامة العديد من زعماء الحركة في فنادق فاخرة، بالفعل لا تعرف شيئا عن خطط مهاجمة إسرائيل.
يقول التقرير إنه “في حين أن الكثير من النقاشات ركزت على التورط المحتمل لإيران في هجموم السابع من أكتوبر، إلا أن مسألة ما عرفته قطر ومتى عرفته يعد بنفس القدر من الأهمية بالنسبة للقادة الغربيين الذين تعاملوا مع الإمارة كشريك موثوق به”.
تنقل الصحيفة عن مسؤولي مخابرات غربية، تحدثوا شريطة عدم الكشف عن هويتهم بسبب حساسية القضية، القول إنه “على الرغم من عدم وجود أدلة دامغة لديهم، إلا أن هناك دلائل تشير إلى أن قطر ربما كانت تعرف المزيد عن هجوم السابع من أكتوبر”.
وقال مسؤول استخباراتي كبير في دولة أوروبية كبرى لصحيفة “بوليتيكو” عندما سُئل عما إذا كانت بلاده تعتقد أن قطر كانت على علم مسبق بالهجوم: “ما زلنا نبحث في الأمر”، مضيفا أنه “على الرغم من وجود دخان، إلا أنه لم يكن هناك دليل دامغ”.
دوافع عدة
وفقا للصحيفة فإنه عندما يتعلق الأمر بمسألة من المستفيد من هجوم السابع من أكتوبر فإن المحللين الغربيين يحولون أنظارهم بالتأكيد للدوحة.
وقال مسؤولو الاستخبارات الغربيون إن “الدافع الرئيسي الذي يجعل قطر تظل صامتة في حال علمت بالهجوم، يتمثل في اهتمامها بعرقلة المحادثات بين إسرائيل والسعودية، المنافس الإقليمي للدوحة، حول تطبيع العلاقات”.
تقول الصحيفة إن اتفاق التطبيع بين أكبر اقتصادين في المنطقة كان يمكن أن يفتح الباب أمام تعاون استراتيجي عبر مجموعة من المجالات، بما في ذلك الغاز الطبيعي، الذي يعد شريان الحياة لقطر.
ونظرا لوصول إسرائيل المباشر إلى أسواق البحر الأبيض المتوسط والأسواق الأوروبية، فإن أي تعاون مع السعودية في مجال الطاقة من شأنه أن يغير قواعد اللعبة، وفقا للصحيفة.
يقول أحد المسؤولين الغربيين إن “من مصلحة قطر وضع العقبات في طريق عملية التطبيع بين السعودية وإسرائيل”.
ويضيف أن “أي إعادة ضبط لميزان القوى من شأنه أن يقوض مكانة قطر باعتبارها اللاعب الدبلوماسي الأكبر في المنطقة”.
في النهاية، تشير الصحيفة إلى أن تداعيات هجوم السابع من أكتوبر أدت إلى عرقلة محادثات التطبيع بين إسرائيل والسعودية.
تمكنت قطر، من خلال الاستفادة من موقعها الجغرافي وثرواتها الهائلة، من بناء شبكة هائلة من الحلفاء غير المتوقعين، تمتد من واشنطن إلى موسكو وبرلين وحتى طهران، وفقا للصحيفة.
وتضيف الصحيفة أن السياسة الخارجية المرنة لقطر ظهرت واضحة بعد السابع من أكتوبر، حيث أظهرت الدوحة سهولة ملحوظة في التوفيق بين أدوارها باعتبارها داعما موثوقا به وصديقة لحماس، كذلك هي تستضيف أكبر قاعدة عسكرية أميركية في المنطقة، وتعد شريكا رئيسيا خلف الكواليس لإسرائيل.
أصبحت قطر أيضا شريكا متزايد الأهمية لأوروبا، وخاصة بالنسبة لألمانيا، التي استعانت بالدوحة لتعويض إمدادات الغاز الروسية.
تقول الصحيفة إن التحول الاستراتيجي الأكبر الذي حققته قطر هو أن قادتها نجحوا في جعل اللاعبين الدوليين الرئيسيين يعتمدون عليهم دون أن يلاحظوا ذلك، سواء كوسيط، أو مورد للطاقة، أو مركز مالي، أو الثلاثة معا.
وتضيف أن “الدور الفريد الذي لعبته قطر جعلها خيارا طبيعيا للعمل كوسيط في مفاوضات الرهائن بين حماس وإسرائيل، ونالت بسببها إشادة قوية من الولايات المتحدة”.
ومع ذلك يتساءل بعض المسؤولين الغربيين عن سبب عدم نجاح قطر، نظرا لتأثيرها القوي على حماس، في التوسط في إطلاق سراح المزيد من الرهائن.
يقول أحد مسؤولي الاستخبارات: “قد يكون لدى القطريين مصلحة في إجراء مفاوضات طويلة لأن ذلك من شأنه أن يسلط الضوء على الدور الإيجابي الذي تلعبه”.
ويضيف أن “من الواضح جدا بالنسبة لقطر أن أحدا لن ينتقد دورها طالما يتم اعتبارها لاعبا إيجابيا فيما يتعلق بالرهائن”.
واليوم الجمعة أعلنت إسرائيل التوصل إلى اتفاق مع قطر يسمح بتسليم أدوية للرهائن الذين تحتجزهم حركة حماس في غزة.
إسرائيل تعلن عن اتفاق مع قطر لإيصال أدوية للرهائن في غزة
ذكر بيان صادر عن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الجمعة، أن إسرائيل توصلت إلى ترتيب مع قطر يسمح بتسليم أدوية للرهائن الذين تحتجزهم حركة حماس في غزة.
وعلى الرغم من الثناء الغربي العلني لقطر، إلا أن “بوليتيكو” تقول إن الأمر خلف الكواليس كان مختلفا تماما، حيث يقول المسؤولون الغربيون إن الدوحة واجهت صعوبة في الإجابة على الأسئلة الرئيسية المحيطة بهجوم السابع من أكتوبر.
أحد أسباب شكوك مسؤولي المخابرات الغربية في ادعاء قطر بعدم علمها المسبق بالهجوم هو أن الأمن القطري يراقب كل تحركات قادة حماس الذين يعيشون في البلاد، بما في ذلك إسماعيل هنية، الزعيم الفعلي للجماعة، وفقا للصحيفة.
بالمقابل تشير الصحيفة إلى أنه ومع ذلك، فإن العقول المدبرة المزعومة لهجوم السابع من أكتوبر، بما في ذلك زعيم حماس في غزة يحيى السنوار، لا يقيمون في قطر.
ويقول أحد مسؤولي الاستخبارات لـ”بوليتيكو” إن “التوتر التاريخي في العلاقات بين السنوار وهنية يثير احتمال أن يكون زعيم حماس في غزة قد أخفى مخطط الهجوم عن قيادات الحركة في قطر”.
في الختام يعدد التقرير الأسباب التي تدفع الدول الغربية للتغاضي عن حقيقة علاقات قطر مع حماس، ومنها أن الحالة الحرجة التي تعيشها المنطقة لن تسمح للولايات المتحدة أن تتخلى عن حليفها “الرئيسي” في الشرق الأوسط.
كذلك ونتيجة لحظر وصول الغاز الروسي إلى معظم دول الاتحاد الأوروبي وسط الحرب في أوكرانيا فقد أصبحت قطر أيضا شريكا لا غنى عنه لأوروبا.
وأخيرا، حتى لو أرادت الولايات المتحدة وأوروبا وإسرائيل تغيير موقفها تجاه قطر، فإن أيا من هذه الأطراف لا يرغب بظهور عدو جديد له في منطقة ليس لديه فيه سوى عدد قليل من الأصدقاء الموثوقين، بحسب الصحيفة.
وقالت “بوليتيكو” إن السلطات القطرية رفضت التعليق على ما ورد في التقرير.
وكذلك لم يتلق موقع “الحرة” أي رد على أسئلة أرسلت عبر البريد الإلكتروني للسفارة القطرية في واشنطن بشأن الموضوع.
ولعبت قطر دورا فعالا في مساعدة الولايات المتحدة وإسرائيل على تأمين إطلاق سراح الرهائن والتواصل مع حماس بشأن القضايا الملحة الأخرى، بما في ذلك تدفق المساعدات الإنسانية إلى غزة.
وتختبر الحرب بين إسرائيل وحماس قدرة قطر على إدارة مجموعة اتصالاتها المتنوعة دون تجاوز الخطوط الحمراء مع الشركاء الأساسيين.
وفي 27 أكتوبر الماضي قال مسؤول أميركي كبير لرويترز إن قطر أبلغت الولايات المتحدة بأنها منفتحة على إعادة النظر في وجود حماس على أراضيها بمجرد حل أزمة عشرات المحتجزين لدى الحركة.
وذكر المسؤول الأميركي أنه “تم التوصل إلى هذا التفاهم”، الذي نشرته صحيفة “واشنطن بوست” لأول مرة، “خلال اجتماع بين وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني في الدوحة، خلال وقت سابق من أكتوبر”.
ولاقت جهود الوساطة الأخيرة التي بذلتها إشادة من الولايات المتحدة وإشادة نادرة من إسرائيل.
وقال بلينكن في تصريحات للصحفيين في أكتوبر الماضي، عندما سئل عن رأيه باستضافة قطر لمكتب حماس: “كل ما يمكنني قوله فيما يتعلق بقطر هو، في هذه الحالة، أننا نقدر مساعدتهم كثيرا”.
وأضاف “نريد التركيز على التأكد من أننا سنعيد أولئك الذين ما زالوا رهائن إلى وطنهم ومع أحبائهم. هذا هو الأمر هو الأكثر أهمية”.
وأطلقت إسرائيل هجوما واسعا على حماس في غزة بعد أن نفذ مسلحون من حماس هجوما عبر الحدود في السابع من أكتوبر، وقالت إسرائيل إنه أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم مدنيون، واحتجاز 240 آخرين.
ومنذ ذلك الحين، دمرت القوات الإسرائيلية مناطق شاسعة من قطاع غزة واضطر جميع سكان القطاع تقريبا والبالغ عددهم 2.3 مليون نسمة للنزوح مرة واحدة على الأقل مما تسبب في كارثة إنسانية. كما قتل أكثر من 23 ألف فلسطيني، غالبيتهم مدنيون حسب السلطات الصحية التابعة لحماس في غزة.