توعدت إيران مجددا بالرد على قصف جوي “نُسب لإسرائيل”، وأسفر عن تدمير مبنى القنصلية الإيرانية في دمشق ومقتل سبعة عناصر من الحرس الثوري، بينهم اثنان من كبار الضباط، فما هي أدوات طهران لتحقيق ذلك؟ وماذا سيكون الرد الإسرائيلي على أي تحرك إيراني مباشر أو غير مباشر؟
الأربعاء، توعد المرشد الأعلى لجمهورية إيران الإسلامية، علي خامنئي، إسرائيل مجددا أنها سوف “تنال العقاب”.
وأشار خامنئي إلى أن “القنصليات والسفارات في أي دولة هي بمثابة أراض لتلك الدولة والهجوم على قنصليتنا يعني الهجوم على أراضينا”.
ما هي أدوات إيران؟
وفي حديثه لموقع “الحرة”، يسرد الخبير الاستراتيجي الإيراني، سعيد شاوردي، سيناريوهات “رد إيران المرتقب على إسرائيل”.
وتصريحات خامنئي ليست مجرد “تهديدات أو حرب نفسية” كما يعتقد الجانب الإسرائيلي، وستكون إسرائيل “مخطئة” إذا ظنت أن إيران “ليست لديها أدوات للرد والعقاب”، وفق شاوردي.
وإيران “قوية والحقت بالإسرائيليين أضرار استراتيجية في الوقت الحالي”، وهي قادرة على “إلحاق أضرارا وجودية بإسرائيل مستقبلا”، على حد تعبيره.
ويكشف الخبير الاستراتيجي المقيم في طهران عن “خطة طويلة الأمد تتضمن أدوات إيران لتنفيذ تهديداتها”، ومنها “الرد غير المباشر على عدة جبهات داخل إسرائيل وخارجها، والرد المباشر بالداخل الإسرائيلي”.
لكن على جانب آخر، يؤكد الخبير العسكري والاستراتيجي الإسرائيلي، كوفي لافي، أن “إسرائيل مستعدة للتعامل مع كافة السيناريوهات الإيرانية سواء المباشرة أو غير المباشرة”.
وإسرائيل “لم تعلن مسؤوليتها عن استهداف السفارة الإيرانية في دمشق ولم يثبت إقدامها على ذلك “، لكن ذلك “لا يمنع وجود حالة من الارتياح بالداخل الإسرائيلي نتيجة هذا العمل”، وفق حديثه لموقع “الحرة”.
ويشير إلى أن “إسرائيل لديها القدرة في الحفاظ على أمنها وسلامتها من أي تهديدات سواء عن طريق إيران نفسها أو وكلائها بمنطقة الشرق الأوسط”.
تصعيد المواجهات بالوكالة؟
تشكل الجماعات المدعومة من إيران ما يسمى “محور المقاومة”، وهو تحالف من الميليشيات المسلحة التي تضم حركتي الجهاد وحماس في غزة، وحزب الله في لبنان، والحوثيين في اليمن، وجماعات مسلحة عدة في العراق وسوريا، وهي بمثابة خط دفاع أمامي إيراني، وتستخدمها إيران لنشر نفوذها في جميع أنحاء المنطقة.
وعبر تلك المليشيات، نجحت إيران في منافسة القوى الإقليمية التقليدية في المنطقة، إذ تدعم، مباشرة أو بطريقة غير مباشرة، أكثر من 20 جماعة مسلحة، غالبيتها مصنفة “إرهابية” في الولايات المتحدة.
ومنذ هجوم حماس الدامي على إسرائيل، تتبادل جماعة حزب الله اللبنانية إطلاق النار بشكل يومي مع إسرائيل، في حين استهدفت فصائل عراقية قوات أميركية في سوريا والعراق، ويشن الحوثيون ضربات من اليمن على سفن في البحر الأحمر .
ولذلك يؤكد شاوردي أن “إيران لديها العديد من الحلفاء بمنطقة الشرق الأوسط، وبالتالي فهي ليست بحاجة للدخول في حرب مباشرة طاحنة مع إسرائيل ومن يحالفها”.
ويمكن لهذه الجماعات استهداف إسرائيل من عدة جبهات في “وقت متزامن”، دون حاجة إيران للدخول في مواجهة مباشرة مع الإسرائيليين، حسبما يشير الخبير الاستراتيجي الإيراني.
وعلى رأس الجماعات التي تدعمها إيران، حركة حماس المصنفة إرهابية في الولايات المتحدة ودول أخرى، وتملك الحركة عددا كبيرا من الصواريخ المحمولة المضادة للدبابات روسية الصنع، والتي استخدمتها الحركة ضد القوات الإسرائيلية في غزة.
ولدى حماس أيضا طائرات بدون طيار استخدمتها لمهاجمة الدبابات ونقاط الاتصال الإسرائيلية.
أما حزب الله، الذي أسسه الحرس الثوري الإيراني في عام 1982، وتصنفه الولايات المتحدة “منظمة إرهابية”، فهو بمثابة نموذج للمليشيات الأخرى المدعومة من طهران في أنحاء المنطقة، كما يقدم المشورة أو التدريب لبعض هذه الجماعات المسلحة.
وتبلغ ترسانة حزب الله، حوالي 135 ألف إلى 150 ألف صاروخ وقذيفة أو أكثر، مع نطاق يصل إلى أكثر من 300 كيلومتر أو نحو ذلك، بما يسمح بالوصول إلى أهداف في عمق إسرائيل.
ويمتلك حزب الله ما يتراوح بين 100 إلى 400 صاروخ تم تحديثها مؤخرا وتزويدها بأنظمة توجيه دقيقة، وفق “تقديرات خبراء عسكريين”.
وفي تصريحات سابقة، قال زعيم حزب الله، حسن نصر الله، إن الجماعة لديها 100 ألف مقاتل، بينما تقول وكالة المخابرات المركزية الأميركية “سي.آي.إيه”، في كتاب حقائق العالم إن عدد مقاتلي المليشيا كان يقدر في عام 2022 بنحو 45 ألف مقاتل من بينهم حوالي 20 ألفا يعملون بدوام كامل و25 ألفا من جنود الاحتياط.
وفيما يتعلق بجماعة الحوثي في اليمن، والتي تصنفها واشنطن كجماعة إرهابية، فلديها حوالي 20 ألف مقاتل مدرب، لكن في المقابلات، زعم قادة الحوثيين أن لديهم ما يصل إلى 200 ألف مقاتل، وفي عام 2015 قدرت الأمم المتحدة العدد بحوالي 75 ألفا.
وأظهرت الهجمات الأخيرة، أن الحوثيين لديهم بعض الوحدات المدربة تدريبا عاليا في تشغيل الطائرات المسيرة، بالإضافة إلى الصواريخ الباليستية المضادة للسفن والصواريخ المخصصة لأهداف ثابتة على الأرض.
ويكشف شاوردي أن إيران تعمل على “تنفيذ خطة زمنية تهدف لتعزيز قوة محور المقاومة، ومد حلفاء طهران بأسلحة متطورة قادرة على تحييد القوة العسكرية الإسرائيلية”.
ويشير الخبير الاستراتيجي الإيراني إلى أن “حلفاء إيران لديهم حاليا قوة عسكرية كبيرة”، لكنهم سيحصلون خلال فترة زمنية “قصيرة” على المزيد من القوة التي ستمكنهم من “شن حروب طاحنة ومدمرة” على إسرائيل، دون “تدخل إيران وتعرضها للخسائر”.
في المقابل، يشدد لافي أن “إسرائيل مستعدة لمواجهة أي تهديد إيراني”.
وإذا فكرت إيران في تهديد إسرائيل عبر وكلائها، فإن الرد الإسرائيلي سوف يهدد “الأمن القومي الإيراني”، ومهما كانت “القوة العسكرية الإيرانية فهي لا تضاهي القدرات الإسرائيلية النوعية المتطورة”، وفق الخبير الاستراتيجي والعسكري الإسرائيلي.
وإسرائيل “ليست دولة ضعيفة فهي تمتلك أسلحة نوعية تعتمد على تكنولوجيا حديثة لا توجد لدى أي جيش في العالم، ولم يتم استخدامها بعد وسيكون أي هجوم على الأراضي الإسرائيلية فرصة ذهبية لتجربة تلك الأسلحة”، على حد تعبير لافي.
استهداف السفارات الإسرائيلية؟
الأحد، حذر مستشار خامنئي، يحيى رحيم صفوي، من أن السفارات الإسرائيلية “لم تعد آمنة”، ما دفع إسرائيل إلى تعزيز إجراءاتها الدفاعية وتعليق اذونات الوحدات القتالية موقتا بعد التهديدات الإيرانية.
ويشير شاوردي إلى أن “جميع الردود الإيرانية غير المباشرة على إسرائيل متاحة”، خاصة بعد تدمير مبنى القنصلية المكون من خمس طبقات في سوريا، والذي يعد “انتهاكا صارخا” للاتفاقيات الدولية التي تنص على حرمة المباني الدبلوماسية.
لكن لافي يؤكد أن “أي تهديد للسفارات الإسرائيلية” يعد عملا إرهابيا غير مشروع، وإذا حدث ذلك من خلال “عملاء” فإسرائيل سوف تعاقبهم.
مواجهة مباشرة موسعة؟
تحتل إسرائيل المرتبة الـ14 بين أقوى جيوش الأرض، بينما تحل إيران بالمرتبة الـ17 عالميا، وفق موقع “غلوبال فاير باور”، إلا أن إسرائيل متقدمة عسكريا على صعد عدة أكثر من إيران التي أنهكتها العقوبات الغربية.
وفي أعقاب تصريحات خامنئي، قال وزير الخارجية الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، الأربعاء، إن إسرائيل سترد على إيران داخل أراضيها إذا شنت طهران هجوما من هناك”.
وكتب كاتس باللغتين العبرية والفارسية على منصة “أكس” : “إذا شنت إيران هجوما من أراضيها سترد إسرائيل وتشن هجوما داخل الأراضي الإيرانية”.
ويشير شاوردي إلى أن “الرد العسكري الإيراني المباشر على إسرائيل، من الخيارات الوارد حدوثها خلال الفترة القادمة”.
والرد الإيراني قد يحدث في “أي لحظة”، وقد يستمر لأيام أو أسابيع وربما أكثر، من خلال “مسيرات متطورة وقوة صاروخية، وأساليب أخرى مثل الحرب السيبرانية والمواجهات الإلكترونية”، وفق الخبير الاستراتيجي الإيراني.
وإذا فكرت إسرائيل في “استهداف الداخل الإيراني فسوف تواجه ردا وقتيا قويا ومباشرا ومتعدد الجبهات، وإذا قامت الطائرات الإسرائيلية بقصف أي هدف بالأراضي الإيرانية “فلن تجد مطارات لتحط عليها في إسرائيل”، حسبما يقول شاوردي.
لكن لافي يؤكد أن “الدفاعات الجوية الإسرائيلية ومنظومات الاعتراض التي تمتلكها إسرائيل من الأحدث والأقوى في العالم وهي حائط صد في مواجهة أي محاولات لاستهداف الإسرائيليين”.
ولدى إسرائيل خيارات عدة للرد على أي “هجمات إيرانية مباشرة أو متعددة الجبهات”، وإذا أراد أحد استفزاز الجيش الإسرائيلي أو استغلال حالة الحرب، فسوف يدافع الشعب عن دولته ضد أي عمل عسكري، وفق لافي.
ويشدد لافي أن إسرائيل “قادرة على تدمير أي قوة تهدد أمن وسلامة الشعب الإسرائيلي”، موجها رسالة لإيران قائلا:” تفضلوا وسوف تشاهدون ردا لم تروا له مثيلا في حياتكم”.