الرئيس الجزائري يكشف أسباب تقديم موعد الانتخابات الرئاسية

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 8 دقيقة للقراءة

في أوج المساعي الجزائرية نحو الاستقلال عن الاحتلال الفرنسي، وبالتحديد في أكتوبر عام 1961، فرضت حكومة باريس حظر تجول على ما أطلق عليهم حينها “مسلمي فرنسا الجزائريين”، وذلك بعد أشهر من مداهمات وحملات أمنية ضدهم.

وفي ذلك الحين، قررت جبهة التحرير الوطني الجزائرية، الدعوة لمظاهرات واسعة يوم 17 أكتوبر، احتجاجا على تلك الإجراءات ضد الجزائريين في فرنسا. وبالفعل، استجاب لهذه الدعوة عشرات الآلاف من الرجال والنساء والأطفال أيضًا، وفق وكالة الأنباء الجزائرية.

وجبهة التحرير الوطني كانت الجناح السياسي لجيش التحرير الوطني، الذي واجه الاستعمار الفرنسي. وحاليا هي حزب سياسي اشتراكي هو الأكبر في البلاد.

وواجهت السلطات الفرنسية هذه المظاهرات بالقمع الشديد. وذكرت وكالة “فرانس برس” عن الواقعة، أن “30 ألف جزائري خرجوا للتظاهر السلمي في باريس، فواجهوا قمعا عنيفا سقط خلاله، وفق بعض المؤرخين، العشرات على الأقل” على يد الشرطة.

أعلنت باريس حينها عن مقتل 3 متظاهرين فقط خلال ذلك اليوم، في حين ذكرت وكالة الأنباء الجزائرية، أن عدد القتلى “يقدر بالمئات، وقد ألقيت جثث بعضهم في نهر السين”.

وتبنت الجمعية الوطنية الفرنسية، الخميس، اقتراح قرار “يندد بالقمع الدامي والقاتل في حق الجزائريين، تحت سلطة مدير الشرطة آنذاك، موريس بابون.

الجمعية الوطنية الفرنسية تتبنى قرارا يندد بـ”القمع الدامي والقاتل” لجزائريين قبل 63 عاما

تبنت الجمعية الوطنية الفرنسية الخميس اقتراح قرار “يندد بالقمع الدامي والقاتل في حق الجزائريين، تحت سلطة مدير الشرطة موريس بابون في 17 أكتوبر 1961” في باريس الذي قتل فيه بين ثلاثين وأكثر من 200 متظاهر سلمي بحسب مؤرخين.

وأيد 67 نائبا الاقتراح، وعارضه 11 من صفوف التجمع الوطني اليميني المتطرف.

ولا ترد عبارة “جريمة دولة” في النص الذي تطلبت صياغته نقاشات متكررة مع الرئاسة الفرنسية، في حين ما زالت المواضيع المتعلقة بالذاكرة تؤثر بشكل كبير على العلاقات بين فرنسا والجزائر، وفق فرانس برس.

“تفاصيل المجزرة”

وصفت وسائل الإعلام الجزائرية الرسمية ما حدث في ليلة 17 أكتوبر 1961، بأنه “مذبحة حقيقية في حق أبرياء عزل تواصلت إلى ما بعد ليلة 17 أكتوبر، برمي عشرات المتظاهرين في نهر السين بعد قتلهم رميا بالرصاص أو بعد تعرضهم للضرب، كما تم وضع عدد كبير منهم في السجون”.

وأشارت إلى أن عدد الضحايا بلغ “مئات القتلى إلى جانب آلاف الجرحى والمفقودين، في حين أن شهادات أشخاص نجوا من الموت، تشير الى طرق وحشية لا مثيل لها، واصفين مناظر بشعة لعشرات الجثث الطافية فوق مياه نهر السين”.

وأشارت فرانس برس، إلى أن الرئيس الفرنسي في ذلك الوقت، شارل ديغول، أحيط علما بما حدث، لكنه أبقى على بابون والوزراء المسؤولين في مناصبهم، حسب أرشيف رفعت عنه الحكومة السرية ونشره موقع “ميديابارت” الإخباري عام 2022.

وفي أكتوبر 2021، اعترفت الرئاسة الفرنسية لأول مرة بتوقيف “نحو 12 ألف جزائري ونقلهم إلى مراكز فرز في ملعب كوبرتان وقصر الرياضة وأماكن أخرى. وقتل العشرات منهم وإلقاء جثثهم في نهر السين”.

وفي الذكرى الخمسين للمجزرة، أصدر الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، بيانا اعترف فيه “بجرائم لا تغتفر” ارتكبت “تحت سلطة موريس بابون”.

متعلقات للمتظاهرين الذين خرجوا للاحتجاج ضد السلطات الفرنسية في 17 أكتوبر 1961

وأظهرت وثائق الأرشيف، أن مذكرة بتاريخ 28 أكتوبر 1961 موجهة لديغول، كتبها مستشاره للشؤون الجزائرية برنار تريكو، قالت إن “بعض المتظاهرين أغرقوا وآخرين خنقوا وآخرين قتلوا بالرصاص. وتم فتح تحقيقات قضائية. وللأسف من المحتمل أن تفضي هذه التحقيقات إلى اتهام بعض رجال الشرطة”.

كما أظهرت مذكرة أخرى قول تريكو: “يبدو أنه من الضروري أن تتخذ الحكومة موقفًا في هذه القضية، عليها مع سعيها لتجنب الفضيحة قدر الإمكان، أن تُظهر لجميع الأطراف المعنية بأنه لا ينبغي القيام بأشياء معينة ولا ينبغي السماح بحدوثها”.

وظهرت في الوثيقة إجابة ديغول الخطية، وجاء فيها أنه يجب الكشف “عما حدث وملاحقة الجناة”.. و”يجب أن يتخذ وزير الداخلية من الشرطة موقفًا (ينم عن سلطة) وهو ما لم يفعله”.

ورغم ذلك، لم تتم ملاحقة أي شرطي في إطار هذه الوقعة، كما تم تثبيت وزيري الداخلية والعدل في منصبيهما، وكذلك بقي بابون محافظا لباريس، والذي طالما نفى أن تكون الشرطة ضالعة في أعمال عنف على الإطلاق، وفق فرانس برس.

“القمع الأكثر حصدا للأرواح”

ونقلت وكالة فرانس برس، أن جاك سيمونيه الذي كان طالباً آنذاك، شهد أمام المحكمة عام 1999، حول ما رآه، وقال: “أُخرج الجزائريون من الحافلات بتوجيه اللكمات لهم، وكانوا يسقطون أرضاً، وهناك مروا بين صف من عناصر الشرطة الذين استقبلوهم بالركلات واللكمات والعصي والأحذية”.

ولم ينقل غالبية المصابين إلى المستشفيات، وبمجرد التحقق من هوياتهم، تم طرد بعضهم إلى الجزائر، واحتجاز آخرين في معسكرات، وأُرسل آخرون إلى منازلهم.

وأدين بابون عام 1998 بالتواطؤ في جرائم ضد الإنسانية، لدوره في نقل يهود إلى معسكرات اعتقال خلال الحرب العالمية الثانية بين عامي 1942 و1944.

متظاهرون يحييون ذكرى المذبحة

متظاهرون يحيون ذكرى المذبحة

وحسب المؤرخ، إيمانويل بلانشار، فقد واجه الجزائريون حينها “القمع الأكثر حصداً للأرواح في أوروبا الغربية، منذ عام 1945”.

وأشار بلانشار إلى أنه منذ بدء توافد المتظاهرين إلى جسر نويي غربي باريس، أطلقت قوات الأمن الرصاص على حشد هادئ، يضم عائلات.

وازداد عنف عناصر الشرطة مع “سماعهم رسائل إذاعية كاذبة نشرتها الشرطة، تعلن زوراً مقتل عناصر من الشرطة بالرصاص”، وفق فرانس برس، التي نقلت عن متحف تاريخ الهجرة الفرنسي على موقعه على الإنترنت: “مات الكثير من الضحايا تحت ضربات أدوات (هراوات) حملها العناصر، وألقي عشرات آخرون في نهر السين، ولقي الكثيرون حتفهم اختناقًا بعد إلقائهم على الأرض وتغطيتهم بأكوام من الجثث”.

وأوضح الموقع أن عنف القمع “يحاكي أساليب القمع الاستعماري السائدة في الإمبراطورية”.

فرنسا تدرس إحياء ذكرى مجزرة المتظاهرين الجزائريين

يدرس النواب الفرنسيون، الأربعاء مساء أو الخميس، نصا يطالب الحكومة بتخصيص يوم لإحياء ذكرى مجزرة 17 أكتوبر 1961 التي قُتل خلالها ثلاثين إلى أكثر من 200 متظاهر جزائري في باريس، بحسب مؤرخين.

ولم يُعترف بالمجزرة قبل عام 2012، عندما أحيا رئيس فرنسي للمرة الأولى، وهو الاشتراكي فرانسوا هولاند، “ذكرى ضحايا القمع الدامي” الذي تعرض له هؤلاء بينما كانوا يتظاهرون من أجل “الحق في الاستقلال”.

وتحتفل الجزائر في الخامس من يوليو سنويا، بعيد الاستقلال عن فرنسا، بعد احتلال استمر لحوالي 132 عاما، شهد قتالا مستمرا ضد القوات الفرنسية على الأراضي الجزائرية.

ونظمّت الحكومة الفرنسية استفتاء على تقرير مصير الجزائر في الأراضي الفرنسية، صوّت خلاله الفرنسيون على الاستقلال بنسبة 90 في المئة، ثم جاء دور الجزائريين الذين أقروا الاستقلال بنسبة 99,72 في المئة، مما أنهى 132 عاما من الاستعمار.

وبإعلان نتيجة الاستفتاء في الثالث من يوليو 1962، أصبحت الجزائر دولة مستقلة، لكن تمّ اختيار تاريخ 5 يوليو الرمزي لإحياء ذكرى الاستقلال، لأنه يتوافق مع تسليم الداي حسين العثماني مدينة الجزائر، في التاريخ نفسه من سنة 1830.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *