في عالم السياسة، تظل الخطابات الرسمية مرآة تعكس رؤى القادة وطموحاتهم، لكنها أحيانًا تكون أيضًا ساحة لتصفية الحسابات أو بث الادعاءات التي تحتاج إلى تدقيق. خطاب تنصيب الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب لعام 2025 لم يكن استثناءً، حيث مزج بين الطموحات المستقبلية وادعاءات مثيرة للجدل، وصحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية، التي تُعد أحد أبرز المنصات الإعلامية المهتمة بتدقيق الحقائق، رصدت العديد من الادعاءات غير الصحيحة في هذا الخطاب وقامت بتصحيحها والرد عليها.
السياسة والعدالة
بدأ ترامب خطابه بالحديث عن “تسييس وزارة العدل”، مدعيًا أن إدارة الرئيس جو بايدن استخدمت موارد الحكومة لاستهدافه سياسيًا. ومع ذلك، أشارت واشنطن بوست إلى عدم وجود دليل يدعم هذا الادعاء. فالقضايا القانونية، التي يواجهها ترامب جاءت من تحقيقات مستقلة، وليس بتوجيه من البيت الأبيض. كما أن وصف هذه الإجراءات بأنها “عنيفة” يبدو مبالغًا فيه، خصوصًا في ظل غياب أي أعمال عنف مرتبطة بها.
وانتقل ترامب بعد ذلك إلى الحديث عن الهجرة، متهمًا الحكومة بالفشل في حماية المواطنين الأمريكيين وتوفير الملاذ للمجرمين. ادعى أن دولاً أخرى تُفرغ سجونها ومؤسساتها العقلية في الولايات المتحدة، وهو ادعاء لا أساس له من الصحة. واشنطن بوست أكدت أن الخبراء يرفضون هذه المزاعم، مشيرة إلى أن ترامب ربما كان يستحضر ذكرى أزمة “ماريل” الكوبية في الثمانينيات، والتي شهدت هجرة آلاف الكوبيين، بينهم بعض المجرمين.
المساعدات الخارجية
وانتقد ترامب أيضًا ما وصفه بـ”التمويل غير المحدود” للدفاع عن الحدود الأجنبية، في إشارة إلى المساعدات الأمريكية لأوكرانيا. لكن واشنطن بوست أوضحت أن هذه المساعدات خضعت لنقاشات مطولة في الكونغرس، وتم تخصيصها بشكل قانوني. الأهم من ذلك، أن معظم هذه الأموال عادت إلى الاقتصاد الأمريكي من خلال تمويل صناعة الأسلحة ودعم عمليات وزارة الدفاع.
وتطرق ترامب إلى إدارة الكوارث الطبيعية، مدعيًا أن الحكومة فشلت في تقديم الخدمات الأساسية لسكان ولاية كارولينا الشمالية بعد إعصار “هيلين”. لكن واشنطن بوست أشارت إلى أن البيانات الرسمية تظهر أن وكالة إدارة الطوارئ الفيدرالية قدمت مئات الملايين من الدولارات كمساعدات، بما في ذلك إزالة الحطام وإصلاح البنية التحتية المتضررة. كما استفاد آلاف الأسر من برامج الإيواء الطارئ.
التاريخ والقيادة
وادعى ترامب أنه تعرض لاختبارات وتحديات أكثر من أي رئيس أمريكي في التاريخ، وهو ادعاء قابل للنقاش. واشنطن بوست ذكرت أن تاريخ الولايات المتحدة شهد رؤساء واجهوا تحديات جسيمة، مثل جورج واشنطن الذي أسس الدولة، وأبراهام لينكولن الذي قاد الأمة خلال الحرب الأهلية، وفرانكلين روزفلت الذي واجه الكساد الكبير والحرب العالمية الثانية.
وألقى ترامب باللوم على الإنفاق الحكومي وأسعار الطاقة في أزمة التضخم، متجاهلاً العامل الأكبر : جائحة كوفيد-19. واشنطن بوست أوضحت أن الاضطرابات في سلاسل التوريد وزيادة الطلب الاستهلاكي بعد انحسار الوباء كانت المحرك الرئيس للتضخم، الذي ارتفع عالميًا وليس في الولايات المتحدة فقط. بلغ التضخم ذروته في يونيو 2022 بنسبة 9 ٪، لكنه انخفض إلى 2.9 ٪ بحلول ديسمبر من العام نفسه.
الطاقة والسياسة
وأعلن ترامب عن نيته إعلان حالة طوارئ وطنية للطاقة، مع التركيز على زيادة إنتاج النفط. لكن واشنطن بوست أشارت إلى أن البيانات تظهر أن إنتاج النفط الأمريكي سجل مستويات قياسية تحت إدارة بايدن، وكان من المتوقع أن يستمر في الارتفاع بغض النظر عمن يشغل البيت الأبيض.
وتعهد ترامب بإلغاء “الصفقة الخضراء الجديدة” و”تفويض المركبات الكهربائية”، لكن واشنطن بوست أكدت أن إدارة بايدن لم تفرض أي تفويضات. بدلاً من ذلك، قدمت حوافز لتعزيز صناعة المركبات الكهربائية، وهو ما أسهم في نمو قطاع السيارات الأمريكي، حيث وصلت وظائف التصنيع إلى أعلى مستوياتها منذ عقود.
الرسوم الجمركية
وادعى ترامب أن الرسوم الجمركية على الواردات ستُدفع من قِبل الدول الأجنبية، لكن واشنطن بوست نقلت عن الاقتصاديين تأكيدهم أن هذه الرسوم يتحملها المستهلكون والشركات الأمريكية في النهاية. هذه السياسة قد تؤدي إلى ارتفاع الأسعار وتقليل المنافسة، مما يؤثر سلبًا على الاقتصاد المحلي.
واختتم ترامب خطابه بالإشارة إلى عودة الرهائن من الشرق الأوسط، وهي نتيجة جاءت بعد جهود مشتركة بين إدارته وإدارة بايدن. واشنطن بوست أشارت إلى أن هذه النقطة تذكرنا بأن التعاون بين الإدارات المتعاقبة يمكن أن يحقق نتائج إيجابية، حتى في أكثر القضايا تعقيدًا.
وخطاب ترامب كان مزيجًا من الطموحات المستقبلية والادعاءات المثيرة للجدل. وصحيفة واشنطن بوست، من خلال تدقيقها الدقيق، كشفت عن العديد من الثغرات في هذه الادعاءات، مؤكدة أن الحقائق والأرقام تظل هي المقياس الأهم لتقييم أي خطاب سياسي. فهل يمكن أن تكون مثل هذه الادعاءات مجرد أدوات لتعزيز الخطاب السياسي، أم أنها تشير إلى توجهات حقيقية قد تؤثر على مستقبل الولايات المتحدة والعالم؟