تشتد العمليات البرية الإسرائيلية في شمالي ووسط قطاع غزة، في وقت يتدفق فيه النازحون باتجاه الجنوب، وفق أوامر الجيش الذي يتعامل مع الجزء الجنوبي من القطاع بحذر، لكن صور الأقمار الصناعية والمساحات المدمرة في الجنوب تظهر مؤشرات مقلقة لإمكانية توسع التوغل البري إلى مناطق قد تصل حدود مصر.
وينفذ الجيش الإسرائيلي عمليات محدودة في مناطق جنوب القطاع، غالبيتها تتم في ساعات الليل، وتستهدف مواقع محددة فيما يبدو أنها عمليات تمهد لتوسيع نطاق الحرب لتصل إلى مدن الجنوب.
وقالت إسرائيل إنها توسع هجومها في غزة ليشمل النصف الجنوبي من القطاع، بعد أن سيطرت على الشمال وبالتحديد على مجمع الشفاء في مدينة غزة، والذي حددته كأولوية في عمليتها العسكرية.
وكان المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، دانييل هاغاري، قال إن قواته ستواصل هجومها “في كل مكان يوجد فيه عناصر حماس، وفي جنوب القطاع”.
وتقول صحيفة نيويورك تايمز إن تصريحات هاغاري تشير إلى مرحلة جديدة في الحرب الإسرائيلية على حماس، بعد ثلاثة أسابيع من الغزو البري، وبعد أقل من ثلاثة أيام من دخول القوات الإسرائيلية أراضي مستشفى الشفاء، أكبر مستشفى في غزة، حيث تتهم إسرائيل حماس باستخدامه كمركز قيادة.
وقصفت إسرائيل مبنى سكنيا في جنوب قطاع غزة، السبت، ما أدى إلى مقتل 26 شخصا بعد وقت قصير من إعلان خطط لتكثيف العمليات في المناطق التي طلب فيها الجيش الإسرائيلي من المدنيين الفرار حفاظا على سلامتهم.
النزوح
وعندما بدأ الطيران الإسرائيلي قصف مناطق في شمالي غزة، بداية الحرب، واستعدت القوات للتوغل البري، وزع الجيش الإسرائيلي رسائل حثت المدنيين على التحرك إلى جنوب القطاع حفاظا على سلامتهم.
وعلى الرغم من المخاطر في الرحلة، والاكتظاظ الشديد في الملاجئ والمنازل الخاصة، اتبع مئات الآلاف تلك الأوامر. وقالت الأمم المتحدة إن نحو 1.6 مليون شخص نزحوا باتجاه الجنوب، أي أكثر من ثلثي سكان غزة.
وفي الوقت الذي تستعد فيه إسرائيل لتوسيع عملياتها البرية جنوبا، طُلب من النازحين أن يتحركوا مرة أخرى إلى منطقة أصغر على طول الساحل المعروفة بمنطقة “المواصي” الواقعة جنوبي القطاع.
“منازلها لا تكفي أهلها”.. ماذا تعرف عن المواصي التي طالبت إسرائيل أهل غزة بالذهاب إليها؟
في تحذيرٍ جديد دعا الجيش الإسرائيلي سكان غزة للانتقال إلى منطقة “المواصي” الواقعة في جنوبي القطاع، وقال الناطق باسمه، أفيخاي أدرعي، إنه “سيتم توجيه المساعدات الإنسانية إليها في حالة الضرورة”.
ولم يجد النازحون الأمان الكامل هناك، وبعد مرور 40 يوما على الحرب، قتل 3676 شخصا في المناطق الجنوبية التي أعلنتها إسرائيل أنها أكثر أمانا.
وشكل هؤلاء ثلث القتلى الفلسطينيين في الحرب التي راج ضحيتها أكثر من 13 ألف شخص، وفقا لأرقام من السلطات الصحية في غزة.
وتظهر روايات الشهود وبيانات الأقمار الصناعية وتقييم الخبراء التي جمعتها الإذاعة الوطنية العامة الأميركية (أن بي آر) بأن الغارات الجوية الإسرائيلية ونيران المدفعية تستهدف يوميا المناطق التي قالت إسرائيل إنها “أكثر أمانا” للمدنيين، وقد أصابت المدارس والأبراج السكنية وملاجئ اللاجئين المكتظة التابعة للأمم المتحدة.
ويقف المواطن، عطية أبو جاب، خارج الخيمة التي تعيش فيها حاليا أسرته التي فرت من مدينة غزة، وهي واحدة من صف طويل من الخيم المؤقتة، لوكالة رويترز، “طلبوا منا، نحن مواطني غزة، أن نذهب إلى الجنوب، ذهبنا إلى الجنوب، والآن يطلبون منا الرحيل. أين سنذهب؟”
تقول، كايتلين بروكتر، الزميلة الباحثة في مركز تنمية الصراعات وحل النزاعات في معهد جنيف للدراسات العليا، لراديو “أن بي آر”: “إن استخدام إسرائيل مصطلح الإخلاء لإرسال الفلسطينيين إلى المناطق الجنوبية يمثل مشكلة حقيقية، لأنه يستحضر فكرة وجود طريق آمن يؤدي إلى مكان آمن”، لكن “الحقيقة أنه لم يعد هناك مكان آمن في غزة ليذهب إليه الناس”.
مؤشرات على التوغل جنوبا
يقول الجيش الإسرائيلي إنه سيضرب “أهداف حماس حيثما كان ذلك ضروريا”. وحتى الآن، أصابت الغارات الجوية الإسرائيلية المباني السكنية والمخابز والمستشفيات وحتى الملاجئ التي تديرها الأمم المتحدة في جميع أنحاء قطاع غزة المكتظ بالسكان، بما في ذلك الجنوب.
كما يظهر تحليل للصور الملتقطة من القمر الصناعي “سنتينل- 1” التابع لوكالة الفضاء الأوروبية زيادة مطردة في عدد المباني المدمرة في وسط وجنوب قطاع غزة.
ومنذ بداية الصراع، من المحتمل أن يكون أكثر من 10 آلاف مبنى قد تعرض للأضرار أو الدمار بسبب الغارات الجوية في هذه المناطق، وفقا لتحليل أجراه، كوري شير، من مركز الدراسات العليا بجامعة مدينة نيويورك في نيويورك، وجامون فان دن هوك، من جامعة ولاية أوريغون.
وتدمير المباني بشكل عام يشير إلى استراتيجية عسكرية إسرائيلية تقوم على فتح ممرات مناسبة للدبابات الكبيرة، وتمكينها من القيام بمناورات بشكل آمن. كما أن الجيش الإسرائيلي يخشى من قدرة مقاتلي حماس على الاختباء بين المباني واستهداف الآليات والدبابات التي في العادة تكون بطيئة الحركة في الأماكن المكتظة.
وبالاعتماد على مقاطع الفيديو والصور من مصادر مفتوحة ورسمية، بالإضافة إلى التقارير الواردة من فرق شبكة سي أن أن على الأرض، فإن القوات الإسرائيلية عبرت الحدود إلى داخل قطاع غزة من ثلاثة مواقع رئيسية.
الأول يقع في الركن الشمالي الغربي من الشريط الحدودي، وأظهر مقطع فيديو نشره الجيش الإسرائيلي صباح السبت، الجرافات وهي تندفع عبر الرمال بالقرب من شاطئ البحر.
ويمكن رؤية الثغرة في السياج الحدودي، والتي يبدو أن الآليات الإسرائيلية دخلت من خلالها إلى غزة.
وأظهرت صور الأقمار الصناعية التي التقطت، الاثنين، أيضا عدة فجوات في الجدار الحدودي ومسارات الآليات والدبابات، حيث عبرت القوات الإسرائيلية إلى شمال غرب غزة قبل أن تتقدم جنوبا على الشاطئ وعبر الأراضي الزراعية.
ويشير مقطع فيديو نشر، الاثنين، نقطة دخول ثالثة محتملة للجيش الإسرائيلي على بعد حوالي 10 أميال إلى الجنوب، على طول المحيط الشرقي للقطاع.
وأظهر الفيديو، الذي نقلته شبكة سي أن أن عن صحفي فلسطيني دبابة إسرائيلية تطلق النار على سيارة على طريق صلاح الدين الرئيسي، الذي يمتد على طول القطاع.
وتم تحديد الموقع الجغرافي للفيديو بواسطة سي أن أن إلى الجنوب مباشرة من تقاطع نتساريم، الذي سمي على اسم مستوطنة إسرائيلية سابقة، ومن المحتمل أن تعتبره إسرائيل موقعا استراتيجيا يجب البقاء فيه إذا أرادت إسرائيل فصل الجزء الشمالي من غزة عن الجنوب.
ويقع المفترق إلى الجنوب الشرقي من مدينة غزة، وليس بعيدا عن وادي غزة، وهو الممر المائي الذي طلبت إسرائيل من سكان غزة الانتقال إلى الجنوب منه، ليكونوا أكثر أمانا من الهجمات الإسرائيلية.
محور فيلادلفيا.. المنطقة المعقدة
تراقب مصر بحذر توسع العمليات الإسرائيلية جنوبي القطاع، لأن هذا يعني أن الدبابات الإسرائيلية ستقترب أكثر من معبر رفح، كما أن العمليات قد تمتد لتشمل محور فيلادلفيا، وهي منطقة ذات خصوصية أمنية، حيث تخضع لاتفاقية بين إسرائيل ومصر لإدارة المنطقة الحدودية بين غزة ومصر.
وفي أكتوبر الماضي، وبعد تدمير برج مراقبة مصري بقذيفة إسرائيلية أطلقت بـ “الخطا”، حذرت مصر إسرائيل من تنفيذ عمليات عسكرية في المنطقة العازلة المعرفة بـ “محور صلاح الدين- فيلادلفيا”.
وكات السلطات المصرية حذرت جنوها أيضا من الاقترارب من محور فيلادلفيا على إثر الحرب التي تشهدها غزة.
وتشترك مصر وإسرائيل في شريط حدودي طوله 14 كليو مترا المعرو بـ “محور صلاح الدين- فيلادلفيا”، والذي كانت إسرائيل تتولى تأمينه حتى 2005 قبل انسحابها الأحادي الجانب من قطاع غزة، والذي عرف بـ”فك الارتباط”.
وفي سبتمبر 2005 وقعت مصر وإسرائيل “اتفاق فيلادلفيا” الذي سمح بوجود قوات مصرية بأسلحة خفيفة في المنطقة لتأمين الحماية ومنع التسلل والتهريب ومنع الإرهاب.
واتفاق فيلادلفيا هو حصيلة مفاوضات استمرت نحو 18 شهرا، تتكون من 83 بندا تفصل التزامات الطرفين حول المناطق الحدودية التي انسحب منها إسرائيل عام 2005، وتوضح مهمات القوات المصرية وتركيبتها، معداتها وتسليحها، حيث تشرف على أمن المنطقة لمنع التهريب والتسلل، وخاصة نقل السلاح من مصر إلى الجانب الفلسطيني.
ومحور الاتفاق هو أن يتحمل الطرفان مسؤولية مكافحة الأنشطة المعادية المتعلقة بالتهريب، والتسلل والإرهاب من أراضي اي من الدولتين.
وتتشكل القوة المصرية من 750 فردا من عناصر حرس الحدود المتخصصة في مكافحة الارهاب والتهريب والتسلل على طول الحدود.