من المتوقع أن تُخطر إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، الكونغرس، عما إذا كانت تعتقد أن إسرائيل قد انتهكت القانون الأميركي أو الدولي في غزة، في خطوة تنطوي على آثار أخلاقية وسياسية مهمة على الرئيس، وفقا لصحيفة “واشنطن بوست”.
ويأتي التقرير المرتقب، الذي يتوقع أن تنشر أجزاء منه بعد إرساله إلى الكابيتول هيل، الأربعاء، في وقت صعب بالنسبة للعلاقات الأميركية الإسرائيلية، في ظل خلافات بين الرئيس بايدن ورئيس الوزراء، بنيامين نتانياهو بشأن تحدي إسرائيل لتحذيرات واشنطن بشأن سلوكها في حرب غزة ومقتل أكثر من 34 ألف فلسطيني، إضافة إلى أوضاع إنسانية مأساوية بالقطاع.
لكن أربعة مصادر قالت، الثلاثاء، لوكالة رويترز إن إدارة بايدن ستتخلف، الأربعاء، عن الموعد النهائي لتقديم التقرير إلى الكونغرس.
وتلزم مذكرة للأمن القومي معروفة باسم (إن إس إم-20)، أصدرها بايدن في فبراير، وزارة الخارجية بتقديم تقرير إلى الكونغرس بحلول الثامن من مايو حول مدى موثوقية ضمانات إسرائيل بأن استخدامها للأسلحة الأميركية لا ينتهك القوانين الأميركية ولا الدولية.
وذكرت المصادر الأربعة أن الإدارة الأميركية أخطرت لجان الكونغرس بأنها لن تفي بالموعد النهائي، لكنها تأمل في تقديم نتائجها في غضون أيام. وقال مساعدان في الكونغرس إنه ليس لديهما ما يشير إلى أن التأخير مرتبط بمخاوف سياسية.
وأوردت رويترز الشهر الماضي أن بعض المسؤولين الأميركيين الكبار لم يجدوا تأكيدات إسرائيل ذات مصداقية. ودفع تقرير رويترز، بالإضافة إلى تحقيقات أجرتها منظمات خارجية مثل العفو الدولية، بعض المشرعين إلى دعوة إدارة بايدن إلى عدم توجيه التقرير لصالح إسرائيل.
وذكرت واشنطن بوست في تقريرها أنه في حال توصلت الإدارة الأميركية إلى أن إسرائيل انتهكت القانون الأميركي أو الدولي فإن ذلك سيؤدي بلا شك إلى تصاعد الدعوات لتعليق المساعدات العسكرية الأميركية، ومن المؤكد أيضا أنه سيغضب المحافظين الذين رفضوا انتقادات واشنطن لإسرائيل، وكذلك متبرعين سياسيين والكثير من الناخبين، مع دخول بايدن غمار معركة شاقة لإعادة انتخابه في نوفمبر المقبل.
ومع ذلك، فإن التأكيد أنه لم يحدث أي انتهاك، وسط الخسائر المدنية الثقيلة في الصراع، “سيعرض الإدارة لخطر رد فعل عنيف من الليبراليين”، بحسب واشنطن بوست.
تباين حاد في المواقف
ووفقا للصحيفة، فقد أعرب سياسيون من كلا الحزبين عن قلقهم بالفعل، “مما يؤكد على التحديات التي يواجهها بايدن، واحتمالات عدم خروجه سالما من نتائج التقرير، مهما كانت”.
وقال السيناتور، كريس فان هولين، وهو من أشد منتقدي إدارة أزمة غزة في صفوف الحزب الديمقراطي، للصحفيين الأسبوع الماضي، “ليساعدنا الله إذا قال هذا التقرير بطريقة ما أن تقديم المساعدات الإنسانية كان ممتثلا للمعايير الدولية”.
“ليساعدنا الله إذا كان هذا هو الاستنتاج لأن أي شخص لديه عينان ليرى وآذان ليسمع يعلم أن هذا ببساطة غير صحيح”، على عد تعبير فان هولين.
وتحت ضغط من السيناتور عن ولاية ماريلاند وديمقراطيين آخرين، أصدر بايدن في فبراير مذكرة أمن قومي تنص على أن أي دولة تتلقى مساعدة عسكرية أميركية يجب أن تقدم تأكيدات مكتوبة بأنها تلتزم بالقانون الدولي والقوانين الأميركية التي تحكم المساعدات الخارجية. ومن ثم يتعين على وزارة الخارجية أن تصدر تقريرا يقيم مدى مصداقية تلك الضمانات.
ولا تفرض المذكرة نفسها إجراءات محددة إذا قررت وزارة الخارجية أن إسرائيل غير ممتثلة. لكن قانون المساعدات الخارجية الأميركية وقوانين أخرى تفعل ذلك، حسب ما كشفه أعضاء بالكونغرس.
ولو توصلت إدارة بايدن، على سبيل المثال، إلى أن إسرائيل قيدت وصول المساعدات الإنسانية إلى غزة – وهو ما اعترف المسؤولون الأميركيون بالفعل بأنه يحدث – أو أن إسرائيل نفذت ضربات عسكرية على مستشفيات أو عمليات إغاثة كان الضرر الذي لحق بالمدنيين فيها غير متناسب مع أهمية الهدف المشتبه به، فقد تُجبر الإدارة، بموجب القانون المحلي إما على تعليق نقل الأسلحة أو إصدار إعفاء. ويمكن أن يشكل كلا السيناريوهين أيضا انتهاكا للقوانين الإنسانية الدولية، وفقا للخبراء.
“المشي على خط دقيق”
في المقابل، يرى النائب الجمهوري عن ولاية فلوريدا، مايكل والتز، أن إدارة بايدن “تحاول المشي على خط دقيق، لكنني أعتقد أنها تفعل ذلك بشكل سيء، وبصراحة تجعل الجميع غاضبين”، ومثله مثل معظم أعضاء حزبه الآخرين، يعتقد أن مذكرة بايدن وأي إجراء سلبي تجاه إسرائيل من شأنه أن يضر بالأمن القومي الأميركي.
وأشارت تقارير حديثة صادرة عن جهات بارزة لمراقبة حقوق الإنسان وخبراء قانونيين، إلى جانب مذكرة مسربة لوزارة الخارجية، إلى أن الكثيرين ممن يدرسون ادعاءات ارتكاب مخالفات “يعتقدون أن إسرائيل انتهكت القانونّ.
ولم ترد السفارة الإسرائيلية في واشنطن على طلب للتعليق من واشنطن بوست، لكن الحكومة الإسرائيلية دافعت مرارا عن أفعالها باعتبارها متوافقة مع القانون الدولي.
وعزت حكومة نتانياهو الخسائر في صفوف المدنيين إلى وجود حماس داخل التجمعات السكانية المدنية المكتظة في غزة، واستخدام المسلحين للبنية التحتية المدنية؛ وألقت باللوم على تقييدها لقوافل المساعدات على الحركة، التي تقول إنها تستخدم مواد معينة لمواصلة قتالها.
وكتب 88 ديمقراطيا في الكونغرس إلى بايدن، الجمعة، للتعبير عن اعتقادهم بأن “هناك أدلة كافية على أن قيود إسرائيل على تقديم المساعدات الإنسانية التي تدعمها الولايات المتحدة تنتهك [القانون الأميركي]، وبالتالي تثير الشكوك حول التأكيدات التي قدمتها عملا بالمذكرة الأمنية الرئاسية رقم 20”.
وحثت الرسالة، التي قادها النائب جايسون كرو، عضو لجنة المخابرات بمجلس النواب، بايدن على فرض شروط المذكرة و”تعليق بعض عمليات النقل إذا وجدت أن حكومة نتانياهو تنتهك القوانين والسياسات الأميركية”.
وأمر الجيش الإسرائيلي، الاثنين، حوالي 100 ألف مدني بالإخلاء “فورا” من مدينة رفح الحدودية، جنوب غزة، استعدادا لعملية عسكرية إسرائيلية مخطط لها هناك، وهي خطوة توقعت لجنة الإنقاذ الدولية أنها “ستؤدي إلى عواقب إنسانية كارثية”، وأشار بايدن إلى أنها ستكون “خطا أحمر”.
وقال السيناتور كريس مورفي (ديمقراطي من ولاية كونيتيكت): أنا مهتم برؤية الحجة التي يقدمها الرئيس “لصالح أو ضد التزام إسرائيل بالقانون، مضيفًا أنه “لم ير بعد دليلاً على امتثال إسرائيل للقانون”.
وقال مورفي “أعتقد أن هذه العملية في رفح ستكون، من نواح كثيرة، حاسمة فيما إذا كانوا يلتزمون بنص المذكرة وروحها”.
“موقف صعب”
ورفض متحدثون باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض ووزارة الخارجية التعليق على التقرير المرتقب أو الغضب السياسي المحيط به للصحيفة. لكن صانعي السياسة الأميركيين المشاركين في إعداده قالوا إن الإدارة تدرك أنها في موقف صعب.
وقال مسؤول لواشنطن بوست، “مهما كانت النتيجة، سيجد شخص ما خطأ فيها”. التقرير هو، في جوهره، وكيل للجدل الأكبر حول ما إذا كان ينبغي على إدارة بايدن مواصلة تسليح إسرائيل.
وأضاف المسؤول، متحدثا شريطة عدم الكشف عن هويته لمناقشة موضوع حساس، باستثناء قرار حجب الأسلحة، هناك القليل الذي تعتقد الإدارة أنه يمكن أن تفعله لتجنب ردود الفعل العكسية من الديمقراطيين المشككين في الكونغرس.
واستغل الجمهوريون احتمال تعليق المساعدات لإسرائيل للادعاء بأن الإدارة “تخون حليفا استراتيجيا لفائدة استرضاء السياسة الداخلية”.
واتهم النائب مايكل ماكول (جمهوري من تكساس) رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب، والسيناتور جيمس إي ريش (جمهوري من أيداهو)، العضو البارز في لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشيوخ الرئيس بايدن بإصدار المذكرة “لاسترضاء منتقدي إسرائيل”.
وكتبا في رسالة أخيرة إلى بايدن أن هذه السياسة تعد تكرارا للقانون الأميركي الحالي، وأن متطلباتها الخاصة بإعداد التقارير “مدفوعة بمشاعر معادية لإسرائيل”.
وقال والتز، الذي يجلس في اللجان الأمنية الثلاث بمجلس النواب، إنه تحدث مؤخرا إلى بعض زملائه الديمقراطيين “المعتدلين والمهتمين بالأمن القومي”، والذين قال إنهم “يتلقون آلاف المكالمات في الأسبوع”.
وقال والتز: “شهد البعض احتجاجات يومية خارج مكاتبهم في دوائرهم الانتخابية”، مضيفا، أن الوضع السياسي أصبح “شائكا للغاية”.
وبعد حوالي شهر ونصف الشهر من إصدار بايدن لمذكرته، قال أعضاء بالكونغرس ومساعديهم، إن الحكومة الإسرائيلية قدمت لوزارة الخارجية تأكيدات بأن إسرائيل تمتثل تماما للقانون الأميركي والدولي.
وقال مساعد جمهوري، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته لأنه لم يكن مخولا بالتحدث مع وسائل الإعلام، إنه بينما عارضوا سياسة بايدن، إلا أنهم يتوقعون ألا يجد التقرير إسرائيل مذنبة بأي انتهاك.
وثمن العديد من الديمقراطيين زيادة المساعدات الإنسانية المتدفقة إلى غزة، وأرجعوا هذا التحسن جزئيا إلى التهديد بالنتائج السلبية في التقرير المرتقب.
لكن فان هولين، قال إنه حث الإدارة أيضا على تذكر ما يلي: “من المفترض أن يسجل هذا التقرير ما حدث منذ بداية الحرب”، بغض النظر عما إذا كانت هناك تحسينات حديثة.
وأضاف: “إذا كان استنتاج الوقائع والقانون هو أنه لم يحدث في أي لحظة منذ بداية الحرب في غزة أي انتهاك للقانون الإنساني الدولي فيما يتعلق بتقديم المساعدات الإنسانية، فإنك بذلك تضع معيارا منخفضا للغاية أمام العالم”.