تلقت “حركة النجباء” إحدى فصائل “الحشد الشعبي” في العراق ضربة كبيرة ظهر الخميس بعدما قصفت طائرة بدون طيار مقرا لها في بغداد، ما أسفر عن مقتل القيادي فيها مشتاق طالب علي السعيدي. فما هي هذه الحركة؟ وما الثقل الذي يشغله القتيل الملقب بـ”أبو تقوى”؟
ومن المقرر أن يشيّع القيادي القتيل في الساعات المقبلة بالعاصمة العراقية، ونشر مناصرون لـ”النجباء” وفصائل “الحشد الشعبي” عدة صور له عبر مواقع التواصل، في أثناء نشاطه العسكري بالعراق وسوريا، وخلال اجتماعاته مع “أبو مهدي المهندس”.
وتتزامن الضربة التي أدت إلى مقتل “أبو تقوى” مع حلول الذكرى الرابعة لمقتل “المهندس” وقائد “فيلق القدس” في “الحرس الثوري”، الإيراني، قاسم سليماني، بضربة أميركية قرب مطار بغداد، عام 2020.
وتأتي في أعقاب سلسلة هجمات نفذتها الميليشيات المدعومة من إيران على مواقع انتشار القوات الأميركية في كل من العراق ومناطق شمال وشرق سوريا، ردا على ما تقول إنه لنصرة قطاع غزة، الذي يشهد حربا مستمرة وتقترب من إنهاء شهرها الثالث.
وبعد الضربة، قال مسؤول في “البنتاغون” للحرة إن الولايات المتحدة الأميركية “تواصل اتخاذ إجراءات لحماية قواتها في العراق وسوريا، ومن خلال معالجة التهديدات التي تواجهها”.
وحمّل مجلس الوزراء العراقي التحالف الدولي مسؤولية الهجوم “غير المبرر” على جهة أمنية عراقية.
وقال في بيان: “هذا الاستهداف تصعيد خطير واعتداء على العراق”.
بدوره قال مسؤول أميركي لرويترز إن “الجيش الأميركي نفذ ضربة في بغداد ضد قيادي بفصيل عراقي مسلح تتهمه الولايات المتحدة بالمسؤولية عن هجمات ضد القوات الأميركية في العراق مما أدى إلى مقتله وشخص آخر”.
وأضاف المسؤول الأميركي، الذي تحدث شريطة عدم نشر اسمه، أن الضربة استهدفت سيارة في بغداد، وأنها أسفرت عن مقتل قيادي في “حركة النجباء”.
من هو السعيدي؟
يشغل السعيدي منصب “نائب قائد عمليات حزام بغداد”، ورغم أنه ينضوي في حركة “النجباء” يوضح الباحث العراقي في شؤون الجماعات المسلحة، رائد الحامد أن ثقله يرتبط بـ”الحشد الشعبي” على نحو أكبر.
وكان لـ”أبو تقوى” دور أمني فاعل في مناطق الطارمية ومحيطها، بالإضافة إلى قيادة الهجمات التي كانت تنسب لما يسمى “المقاومة الإسلامية في العراق”، وهو أحد المقربين من “المهندس”.
ويعني الحزام الذي يرتبط بمنصبه المناطق المحيطة بمركز العاصمة العراقية، وعلى مسافة إلى حدود 40 كيلومترا، وفق الحامد.
ويوضح لموقع “الحرة”: “مثلا يشمل حزام بغداد الشمالي الطارمية والمشاهدة والراشدية، ويشمل الحزام الجنوبي اليوسفية، الإسكندرية، والمحمودية واللطيفية” والغربي أبو غريب والشرقي منطقة المدائن”.
“عابرة لحدود العراق”
وتعتبر حركة “النجباء” التي ينتمي إليها السعيدي من أبرز الفصائل المرتبطة بإيران في العراق، وفي مارس 2019 صنفتها الولايات المتحدة الأميركية في قائمة “المنظمات الإرهابية”.
ويشير الباحث الحامد إلى أن “إيديولوجيتها عابرة للحدود”، وكانت قد “بايعت المرشد الإيراني خامنئي عام 2014 بعد تشكيل الحشد الشعبي بفتوى من السيستاني”.
ويرتبط تسليحها بشكل خاص بالصواريخ والمسيرات الهجومية، وهي على ارتباط بمجموعة “أصحاب الكهف” التي شنت في كثير من الأحيان هجمات ضد القوات الأميركية الموجودة في العراق، وفق الحامد.
وتوضح ورقة تحليلية لـ”معهد واشنطن” أن هناك “قناعة راسخة” بأن “النجباء” تابعة لفيلق القدس في “الحرس الثوري” الإيراني، وتتلقى تمويلا جزئيا منه.
وتُظهر غالبية الأدلة، حسب المعهد أن إيران تزود الحركة بالمساعدة المالية والعسكرية وتتشارك معها معلومات استخباراتية، فضلا عن مساعدتها في اختيار قيادتها ودعمها والإشراف عليها.
منذ نشأتها في 2013 تمحورت “النجباء” حول شخصية وقاعدة سلطة أكرم الكعبي، وهو قائدها العسكري، الذي أدرجته وزارة الخزامة الأميركية في 2008 على قائمة “الإرهابيين العالميين المحددين بصفة خاصة”.
وتمحورت على نحو خاص أيضا بالعمليات العسكرية التي انطلقت في سوريا إبان تحول الحراك في سوريا من سلمي إلى مسلح.
وتؤكد الكثير من التقارير المتقاطعة السورية والعراقية أن الكعبي الذي أسس “النجباء” بعدما انتقل لدعم نظام الأسد في سوريا شارك في الكثير من العمليات العسكرية، وعلى رأسها تلك التي دارت في مدينة حلب وأريافها، والتي أسفرت عن فك الحصار عن بلدتي نبل والزهراء.
ودائما ما كان عناصره ينشرون تسجيلات مصورة توثق قتالهم إلى جانب قوات الأسد، وحتى أن إحدى الفيديوهات تضمن كتابة اسم قاسم سليماني على الصواريخ قبل إطلاقها على المدنيين في سوريا.
“مثال عن أهداف إيران”
ويشير تقرير لوكالة “رويترز” نشر في 2017 إلى أن “النجباء تعتبر مثالا على سعي إيران لتوسيع النفوذ الشيعي في العراق والمنطقة”.
وتضيف عن مصادر حينها أن “مسلحي الحركة الذين يتلقون تدريبات يرسلون إلى دمشق في رحلات مباشرة من بغداد أو النجف”، وآخرون يتدربون مع “حزب الله” في لبنان، بعد أن يعبروا بريا من العراق إلى سوريا، عبر البوكمال.
ويوضح الباحث العراقي الحامد أن “النجباء” مرتبطين تنظيميا بـ”حزب الله” اللبناني، وهم أشبه بـ”كتائب حزب الله” في العراق، والتي تلقت ضربتين من الولايات المتحدة الأميركية، ردا على تبني الجماعة هجمات في سوريا والعراق.
ويقول إن الحركة هي “الفصيل الوحيد غير المشارك في الحكومة والبرلمان في العراق”.
وفي 2017 كانت الحركة أعلنت تشكيل “لواء تحرير الجولان”، وقالت في بيان إن مهمته “مساندة الجيش العربي السوري لتحرير أراضيه المغتصبة ورفع المظلومية عن الشعب السوري”.
لكن لم يتم الإعلان عن أي عملية نوعية لهذا “اللواء” أو مناطق انتشاره، رغم أن الحركة تبنت عدة استهدافات طالت القوات الأميركية في سوريا والعراق منذ 17 أكتوبر، وهجمات أخرى قالت إنها استهدفت إيلات جنوب إسرائيل.
ومع ذلك يؤكد الباحث الحامد أن مقاتلي الحركة مازالوا متواجدين داخل الأراضي السورية، في ريف دمشق والقنيطرة والبوكمال، وعلى الجانب العراقي في القائم والموصل وشمال بغداد.
“أكبر فصائل الحشد”
وفي العراق تدير “حركة النجباء” اللواء 12 من قوات “الحشد الشعبي” وتعتبر من أكبر مكوناته العسكرية، ويتراوح عدد عناصرها من 8 إلى عشرة آلاف عنصر، وفق وكالة “رويترز”، وقتل منهم 500 في سوريا والعراق حتى عام 2017.
وكانت إيران قد وجهت لزعيمها الكعبي دعوة زيارة رفيعة المستوى بعدما شكلت قواته رأس حربة السيطرة على مدينة حلب السورية.
وتوضح “رويترز” أنه التقى في 2017 مع كبار المسؤولين الإيرانيين، مثل رئيس البرلمان، علي لاريجاني والقائد السابق لـ”الحرس الثوري”، محسن رضائي، والمرشد الإيراني، علي خامنئي.
وتوجد للكعبي عدة صور تجمعه مع زعيم “حزب الله” اللبناني، حسن نصر الله، وأخرى توثق ظهوره باللباس العسكري وبرفقة قائد “فيلق القدس” الإيراني سابقا، قاسم سليماني.
وقبل تشكيله لـ”النجباء” كان أحد مؤسسي “جيش المهدي” بزعامة رجل الدين العراقي مقتدى الصدر، قبل أن ينشق عنه ليلعب دورا بعد ذلك في تأسيس جماعة “عصائب أهل الحق”، التي نفذت عمليات عسكرية ضد القوات الأميركية.
وبحسب مسؤولين عراقيين تدفع إيران نحو 1500 دولار لكل مقاتل في “حركة النجباء”، وعقب مقتل سليماني في الغارة الأميركية 3 يناير 2020 انضم زعيمها الكعبي لقادة الميليشيات الآخرين “من أجل الثأر لقائد فيلق القدس”.
وعاد ليتصدر اسمه مع تصاعد الهجمات ضد القوات الأميركية، منذ السابع عشر من أكتوبر، وضمن ما بات يعرف بـ”المقاومة الإسلامية في العراق”، والتي تنسب إليها جميع الاستهدافات، سواء في سوريا أو في العراق.