الأمطار الغزيرة تغرق طرقات لبنان ومخيمات للاجئين السوريين

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 13 دقيقة للقراءة

مرّ حوالى 13 سنة على حرمان اللاجئين السوريين في مخيمات لبنان من أهم المسلمات وحقوق الإنسان، ألا وهي جدران تأويهم بدلاً من قطعة قماش، بعدما فرضت عليهم الحرب في بلدهم السكن في مكان يفتقر لأدنى مقومات الحياة.

بعد كل هذه السنوات وصل اليأس بزهراء، إلى درجة التخلي عن حلم السكن في منزل يوماً ما، لتصبح أقصى أمنياتها جداراً تستند عليه خلال جلوسها، وتقول “انحنى عمود الفقري كون الخيمة لا تحتمل اتكائي عليها”.

تفاصيل كثيرة لا تخطر في بال أحد، محروم منها سكان المخيمات، منها بحسب ما تقوله زهراء لموقع “الحرة” “تعليق ملابسهم في خزانة بدلاً من رميها أرضاً واستباحتها من قبل الفئران والحشرات، وجدار صغير لنشر البساط بعد تنظيفه، ومرحاض خاص ومياه دافئة للاستحمام”.

حين هربت اللاجئة في مخيم غزة في البقاع اللبناني من وطنها كانت تتوقع أن عودتها لن تطول، لكن الواقع كان مغايراً، وتقول “ما واجهناه في هذا البلد لم نواجهه في سوريا حين كانت الصواريخ تنهمر فوق رؤوسنا، كوننا كنا نعلم أن الموت إن اختارنا سيفعل ذلك دفعة واحدة، لكن منذ أن وصلنا إلى لبنان ونحن نذوق طعم موت كل يوم، فقر وجوع وبرد ورعب”.

إذ يكفي بحسب زهراء “خوفنا من المداهمات العسكرية والأمنية بين الحين والآخر، ومنع شبكات الواي فاي عنا والتي كانت تربطنا بالعالم وكذلك ألواح الطاقة الشمسية التي كنا نستعين بها لكسر ظلام ورهبة المكان، وها نحن نمضي الليل على ضوء الولاعة كوننا نخشى من أن تتسبب الشموع باندلاع حريق لا تحمد عقباه”.

وكان الجيش اللبناني بدأ في أبريل الماضي حملة أمنية على مساكن اللاجئين على امتداد الأراضي اللبنانية، حيث داهمتها عناصره واعتقلت عدداً من السوريين، وذلك تطبيقاً لقرار المجلس الأعلى للدفاع الصادر في الرابع والعشرين من سبتمبر 2019 حول ترحيل الذين يدخلون منهم لبنان عبر المعابر الحدودية غير الشرعية وغير الحائزين على الوثائق الرسمية والقانونية.

وذكرت منظمة “هيومن رايتس ووتش” في تقرير أصدرته في يونيو، أن الجيش اللبناني رحّل آلاف السوريين بإجراءات موجزة -بينهم أطفال مصحوبون بذويهم- إلى سوريا، بين أبريل ومايو 2023.

وصعّدت السلطات اللبنانية معركتها ضد اللاجئين، في مختلف الساحات والمحافل المحلية والخارجية، محاولة الضغط بكل ما أوتيت من قوة لإعادتهم إلى سوريا، رغم التحذيرات الدولية حول أخطار العودة إلى بلدهم.

حتى النعمة.. نقمة

شتاء جديد يستقبله اللاجئون خارج وطنهم ومنازلهم، حيث بات هذا الفصل بالنسبة لهم نقمة وليس نعمة، وتقول زهراء ” شوادر النايلون التي نتسلح بها لمواجهته أضعف من أن تعصمنا من طوفانه، وحين يرتطم المطر بالخيمة نشعر أن حصى تتساقط على رؤوسنا، كما نشعر أن الرعد والبرق كالصواعق التي قد تصيبنا في أي لحظة، أما الثلوج أو الزائر الأبيض كما توصف، فتخلع نعليها على عتبات المخيم ناثرة وحوُلَها في كل أرجائه”. 

ولا يجد اللاجئون وسيلة للتدفئة غير البطانيات أو إحراق “مواد بلاستيكية وخشبية وما تيسّر من أحذية وملابس قديمة” في محاولة فاشلة للانتصار على البرد القارس، كونهم يفتقرون إلى مواد التدفئة، لاسيما مع ارتفاع أسعار المازوت منذ رفع الحكومة اللبنانية الدعم عن هذه المادة، وكذلك ارتفاع أسعار الحطب وانقطاع التيار الكهربائي”.

وتقول زهراء “تغلغلت الأمراض في أجسادنا، فجميع أفراد عائلتي مصابون بسوء التغذية لعدم قدرتنا على تأمين قوت يومنا، وإضافة إلى ذلك أصبت بمرض القلب وارتفاع ضغط الدم، في حين أن ابنتي الكبرى تحتاج إلى عملية زراعة كبد، تكلفتها خيالية عدا عن أنها غير متوفرة في لبنان كما أطلعت، لا بل حتى دوائها لا أملك ثمنه، أراها تموت أمام عيني من دون أن أتمكّن من إنقاذها”.

أما الابنة الصغرى لزهراء، والبالغة من العمر 14 سنة، فتعرضت قبل حوالي الشهرين لاعتداء جنسي من قبل مجموعة من الشبان خلال توجهها إلى المعهد التعليمي، هي الآن في وضع نفسي صعب جداً، حيث تجلس طوال الوقت في إحدى زوايا الخيمة، تضع رأسها بين قدميها وتقوم بقضم أظافرها، من دون أن تتجرأ والدتها على إطلاع والدها وأشقاءها عن الذي حصل معها وغيّر حالها، وذلك “خوفاً من أن يذبحوها باسم الشرف، أما ابنتي الوسطى فهددتني بالانتحار إذا ما أصر والدها على تزويجها”.

كل ما تفكر به الوالدة لسبع أبناء الآن، هو تأمين 400 دولار لدفع بدل الإيجار السنوي للخيمة لمالك الأرض كي لا يطردها وعائلتها، وتقول “زوجي وأبنائي الأربعة عاطلون عن العمل بسبب خوفهم من اعتقالهم وترحيلهم إذا ما تنقلوا خارج المخيم وذلك لعدم امتلاكهم أوراق قانونية”.

وتشدد “تحاول السلطات اللبنانية إعادتنا بكل الوسائل إلى سوريا، وكأننا فرحون بهكذا وضع، لكن بين خيار اعتقال أولادنا في سجون النظام وإجبارهم على الخدمة الاحتياطية في الجيش وخيار تحمّلنا كل أشكال المعاناة في لبنان سنفضّل الخيار الثاني بالتأكيد”.

يذكر أن مدير عام الأمن العام بالإنابة اللواء الياس البيسري كشف في أكتوبر الماضي خلال محاضرة ألقاها عن “مشاكل النزوح السوري في لبنان” في “بيت المحامي” أن “عدد النازحين المسجلين بلغ حتى عام 2014 مليونا و147 ألفاً، وانخفض العدد اليوم إلى 790 ألف نازح مسجلين بعد تقلص العدد لأسباب عدة منها العودتان الطوعية والتلقائية واعادة توطين في بلد ثالث”، وذلك استناداً إلى احصاءات رسمية صادرة عن مفوضية شؤون اللاجئين، بحسب ما أوردته مجلة “الأمن العام”.

ويتوزع اللاجئون في المحافظات كما أشار البيسري وفق إحصاء المفوضية على الشكل التالي “22% يقطنون في مخيمات غير رسمية، 58% يقيمون في مبان سكنية غير صالحة ومكتظة، و20% في أماكن مختلفة” مشدداً على ضرورة جمع المخيمات الصغيرة المتفرقة حرصاً على تأمين الخدمات وحفاظاً على الأمن والبيئة وضبط حركتهم.

وسبق أن وضعت الحكومة اللبنانية خطة تقوم على إعادة 15 ألف لاجئ شهرياً، وبدأت بتنفيذها عام 2022 رغم تحذيرات منظمات حقوقية دولية من الإعادة القسرية، وبعد مغادرة قافلتين إلى سوريا، فرملت الخطة واستعيض عنها بعمليات ترحيل فردية بعيداً عن كاميرات الاعلام مع الاستمرار بالحملة العنصرية وتضييق الخناق على السوريين.

حرمان مطلق

على الرغم من كل الظروف الصعبة التي يعيشها “أبو عادل” وعائلته في مخيم عرسال، إلا أنه لا يفكر بالعودة إلى وطنه، خوفاً من أن يتم اعتقاله، ويقول “لم أتوقع يوماً أن يكون مصيري وعائلتي العيش في خيمة متهالكة نثبتها بأحجار لتقاوم الرياح العاتية، وأن يرتجف أطفالي من البرد ولا أفلح في تأمين وسائل التدفئة لهم، كل ذلك كون بدل ايجار منزل صغير يتجاوز المئة وخمسين دولار وهو مبلغ كبير بالنسبة لشخص عاطل عن العمل معظم أيام الشهر”.

ويضيف “أبو عادل” في حديث لموقع “الحرة” أن أولاده محرمون من أبسط الأمور، “من سرير وفراش مريح، والدفء والألعاب والطعام اللذيذ والملابس الجديدة، وفوق هذا قطعت عنا المساعدات الأممية التي كانت تسندنا قليلاً لتسديد إيجار الخيمة أو شراء قارورة غاز أو عبوة حليب، باختصار نعيش في حرب نفسية واقتصادية دمّرت أحلامنا وتفكيرنا في مستقبلنا”.

لو كان يمتلك المال لحجز “أبو عادل” كما يشدد مقاعد له ولعائلته على قارب هجرة، “فحتى لو ابتلعنا البحر يبقى أرحم من هكذا وضع”.

أصبحت “قوارب الموت” الأمل الوحيد للنجاة في ظل أزمة اقتصادية حادة يمر بها لبنان، منذ 2019، صنفها البنك الدولي بين الأسوأ في العالم منذ عام 1850، حيث فقدت الليرة قيمتها بعدما تخطى سعر صرف الدولار الواحد عتبة المئة ألف ليرة قبل أن يتراجع قليلاً إلى حوالي الـ 89 ألف ليرة”. 

اتبعت السلطات اللبنانية بحسب تقرير سابق لـ”هيومن رايتس ووتش” “أجندة عودة عدوانية، بوضع مراسيم وأنظمة تهدف إلى جعل حياة اللاجئين السوريين صعبة، والضغط عليهم للمغادرة، حيث أجبرتهم على تفكيك مساكنهم الخرسانية، وفرضت حظر التجول وطردتهم من بعض البلديات، وعرقلت تجديد تصاريح الإقامة، ورحّلت آلاف منهم بإجراءات موجزة”. 

ويعيش 90 في المئة من اللاجئين السوريين في فقر مدقع، ويعتمدون على الاقتراض والديون المتزايدة للبقاء على قيد الحياة، بحسب ما أشارت المنظمة، في وقت تنظر السلطات اللبنانية إلى ملفهم بوصفه عبئاً، معتبرة أن وجودهم ساهم في تسريع ومفاقمة الأزمة الاقتصادية، مع العلم أنه منذ عام 2015 توقفت مفوضية اللاجئين عن تسجيل السوريين وتشييد مخيمات دائمة لهم بطلب من الحكومة اللبنانية.

انعكاسات خطيرة.. وأفق مسدود

أبرز ما يشعر به سكان المخيمات بحسب مديرة جمعية “مفتاح الحياة”، الأخصائية النفسية والاجتماعية، لانا قصقص “هو غياب الحماية، لا سيما الفئات الأكثر عرضة للخطر، أي الأطفال من الذكور والإناث والنساء، ويزيد النقص في الخدمات الصحية والغذائية والاجتماعية وعدم القدرة على الوصول إليها، من هذا الخطر ويعرض هؤلاء أكثر للاستغلال”.

 فعلى سبيل المثال كما تقول قصقص لموقع الحرة “قد يتعرض الأطفال للتحرش والاعتداء الجنسي أثناء توجههم إلى المرحاض الذي يبعد مسافة عن مكان سكنهم، كما قد تُستَغل الأمهات اللواتي يعجزن عن تأمين الطعام لأولادهن”، وتضيف “عدد كبير من أطفال المخيمات لا يتمتعون بحق الوصول إلى التعليم، ما يعني أن جيلاً يكبر من دون ثقافة واكتساب للمهارات والقدرات”.

ممارسة العنصرية والتمييز ضد سكان المخيمات من قبل محيطهم، ينعكس بحسب قصقص على “شعورهم بقيمتهم الذاتية وثقتهم بأنفسهم وتخطيطهم لمستقبلهم، حيث يوّلد لديهم مشاعر سلبية وعدوانية، ويفسح المجال لأن يحل الشعور بالانتهاك والاستضعاف مكان الشعور بالأمان، ونتيجة الضغوطات النفسية التي يعيشونها، نجد أن هؤلاء أكثر عرضة للإصابة بالقلق والاكتئاب واضطرابات مع بعد الصدمة”. 

أمس الأربعاء، أحالت لجنة الشؤون الخارجية والمغتربين اللبنانية، اقتراح قانون يتعلق “بالنزوح السوري”، إلى اللجان المشتركة لدمجه مع القوانين الأربعة المماثلة أو القريبة له في لجنة الادارة والعدل، ليكون بيد الحكومة اللبنانية كما أشارت اللجنة “قانون واضح يرمي إلى تنظيم إقامتهم وترحيل المخالفين منهم، وورقة تستطيع من خلالها التعاطي مع المعنيين في هذا الملف بطريقة قانونية ودستورية فعالة”.

وخلال لقائه مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، السبت الماضي، شدد رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي على وجوب حل هذا الملف عبر “دعم النازحين في بلادهم لتشجيعهم على العودة”.

كذلك شدد وزير الخارجية والمغتربين اللبناني عبد الله بو حبيب خلال لقاء بوريل على أن “الضغط الذي يتحمله لبنان من أزمة النزوح تجاوز كل الحدود التي يمكن تصورها.  وبالنظر إلى قدرة لبنان، والآثار المتراكمة للعديد من الأزمات، وموارده الشحيحة، فإن هذه الأزمة ستمس جوهر البلد إن لم يتم حلّها”.

ويوم الجمعة كشف البيسري أنه لاحظ تغييراً إيجابياً في مواقف دول أوروبية من ملف اللاجئين، مشيراً في حديث لمجلة الأمن العام إلى تسلمه الداتا الخاصة بهم حيث “يعكف عليها فريق عمل اختصاصي”، كما أشار إلى العمل “على معالجة ولادات النازحين كي لا يتحولوا مكتومي القيد”.

13 سنة مرّت على “تشريد ملايين السوريين خارج وطنهم وأعداد مماثلة داخله”، كما يقول مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، رامي عبد الرحمن، وإلى الآن لا توحي المعطيات حسبما يؤكد لموقع “الحرة” “بحل هذه المشكلة أقله في المدى المنظور، بسبب توتر الأوضاع في الشرق الأوسط، خاصة أن الملف السوري بات منسياً رغم أن بعض الدول تريد اعادته إلى الواجهة من جديد”.

ويشدد عبد الرحمن “هذا الملف هو الأصعب سواء تعلق بلاجئي لبنان أو الأردن وتركيا، وحتى في بعض الدول العربية، حيث بدأت تتحدث عن أزمة اللاجئين فيها وضرورة عودتهم إلى وطنهم في وقت لا يحتمل هذا الوطن أبناءه المقيمين فيه نتيجة تردي الأوضاع الاقتصادية بشكل كبير وتكريس الانقسام السوري بين عدة مناطق، ولذلك أرى أن مأساة اللاجئين مستمرة، وما أخشاه أن يكون مصيرهم كمصير اللاجئين الفلسطينيين”.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *