في تطور جديد في المشهد السوداني، أصدرت النيابة العامة في السودان، أوامر بالقبض على رئيس الوزراء السابق، رئيس تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية، عبد الله حمدوك، و15 من قادة التنسيقية، بتهم تصل عقوبتها إلى الإعدام.
وجاء قرار النيابة بناء على بلاغ دونته اللجنة السودانية للتحقيق في جرائم الحرب، ضد قادة تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية، بتهم تتعلق بإثارة الحرب ضد الدولة وتقويض النظام الدستوري والجرائم الموجهة ضد الإنسانية والإبادة الجماعية.
وتشكلت تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية، المعروفة إعلاميا باسم “تقدم”، في أكتوبر الماضي، من عدد من التنظيمات السياسية والقطاعات المهنية، بجانب بعض الحركات المسلحة، بهدف العمل لإيقاف الحرب التي اندلعت بين الجيش والدعم السريع في أبريل 2023.
وأوصى بلاغ النيابة بالقبض على 15 من أعضاء التنسيقية، أبرزهم، إلى جانب حمدوك، رئيس حزب المؤتمر السوداني، عمر الدقير، ورئيس الحركة الشعبية، ياسر عرمان، وعضو مجلس السيادة السابق، محمد الفكي، ووزير مجلس الوزراء السابق، خالد عمر، بجانب وزيرة الخارجية السابقة، مريم الصادق المهدي.
“دليل جديد”
لم يصدر تعليق رسمي من تنسيقية تقدم، كما لم يستجب عدد من المتحدثين باسمها لطلبات موقع “الحرة”، للتعليق على أوامر القبض الصادرة من النيابة.
ويرى أستاذ العلوم السياسية في الجامعات السودانية، مرتضى نورين، أن “القرار بمثابة دليل جديد على أن عناصر نظام الرئيس السوداني السابق، عمر البشير، عادوا إلى السلطة مجددا، على وقع الحرب الجارية حاليا”.
وقال نورين لموقع “الحرة” إن “ملاحقة قادة الأحزاب التي تنادي بوقف القتال، تبرهن على أن الحرب أشعلها عناصر نظام البشير لتصفية ثورة ديسمبر التي أنهت حكمهم الذي استمر لـ30 عاما، وتدلل على أنها حرب انتقام بهدف العودة إلى السلطة”.
واستغرب أستاذ العلوم السياسية من صدور القرار في مواجهة “قادة سياسيين يطالبون ويعملون لإيقاف الحرب”، ولفت إلى أن “القرار جاء بعد يومين من انتقادات حادة وجهها مساعد القائد العام للجيش، ياسر العطا، إلى النيابة”.
وتنادي تنسيقية “تقدم” بإيقاف الحرب، وتقول إنها “تقف على الحياد، وفي مسافة متساوية من طرفي النزاع الجيش السوداني وقوات الدعم السريع”، بينما يتهمها قادة نظام البشير وبعض قادة الجيش بأنها “تساند قوات الدعم السريع”.
وكان مساعد القائد العام للجيش، ياسر العطا، انتقد، الأحد، عمل النيابة العامة، وقال إن “عناصر من تحالف الحرية والتغيير وقوات الدعم السريع يسيطرون عليها، ويعرقلون عملها”.
اغتصاب وقوانين تقيد الإجهاض.. “واقع مؤلم” لسودانيات خلال الحرب
في الوقت الذي تتناقص فيه فرص حصول السودانيين على الغذاء، فشلت منظمات الأمم المتحدة في حشد الدعم المطلوب لإعانة المتضررين من الحرب، بينما روى ناشطون قصصا عن الاستغلال والعنف الجنسي المتصل بالنزاع، بحسب صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية.
في المقابل، يرى المحلل السياسي السوداني، حسن عبد الجبار، أن “قادة تنسيقية ‘تقدم’ يساندون قوات الدعم السريع، ويوفرون لها الغطاء السياسي، ويصمتون على الانتهاكات التي ترتكبها في مواجهة المدنيين”.
وقال عبد الجبار لموقع “الحرة” إن “التنسيقة ترتبط بتحالف معلن وغير منكور مع قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو المعروف بـ”حميدتي”، وسبق أن وقعت معه اتفاقا سياسيا”.
وأشار إلى أن “قادة التنسيقية شركاء، وفقا لهذا الاتفاق، في كل الجرائم والانتهاكات التي قامت وتقوم بها قوات الدعم السريع، في مواجهة المدنيين العزل، بما في ذلك العنف الجنسي المتصل بالنزاع”.
ووقعت تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية، اتفاقا مع قائد قوات الدعم السريع، في العاصمة الإثيوبية، أديس أبابا، في يناير الماضي، “بهدف إلى إنهاء الحرب في السودان”.
وقالت التنسيقية إنها “وجهت دعوة ممثالة إلى القائد العام للجيش، عبد الفتاح البرهان للتوقيع على الاتفاق، الذي حمل اسم “إعلان أديس أبابا”، لكنها لم تجد استجابة”.
المسار التفاوضي
بدوره، ربط المحلل السياسي السوداني، منتصر بابكر، بين قرار النيابة وبين جولة المفاوضات المرتقبة في مدينة جدة في السعودية، مشيرا إلى أن “القرار يعد أحد الأدوات التي يسعى الجيش لاستخدامها في الضغط على قوات الدعم السريع خلال التفاوض”.
وقال بابكر لموقع “الحرة” إن “القرار يهدف إلى قطع الطريق على مساعي قوى إقليمية ودولية ترى أن القوى المدنية الباحثة عن السلام والديقراطية، يجب أن تكون اللاعب الرئيسي في مرحلة ما بعد إيقاف الحرب، ولذلك يحاول الجيش إظهار قادة تلك القوى في مظهر مجرمي الحرب”.
ولفت المحلل السياسي إلى أن “قرار النيابة العامة يأتي في سياق التضييق على القوى المدنية، وجريا على قرارات وزير الحكم المحلي، وعدد من ولاة الولايات السودانية، التي صدرت في أوقات سابقة، بحظر نشاط تحالف الحرية والتغيير الذي ناهض نظام البشير”.
وأضاف “لا اتوقع أن يكون للقرار أي أثر قانوني، وغالبا ما يتم إسقاطه حال توصلت الأطراف إلى اتفاق ينهي الحرب، على نحو ما جرى سابقا مع عدد من قادة الحركات المسلحة الذين أصدرت الحكومة السودانية أحكاما بالإعدام في مواجهتهم، قبل أن يتم شطب الأحكام بناء على تفاهمات سياسية واتفاقات سلام”.
كان المبعوث الأميركي للسودان، توم بيرييلو، أعلن الأسبوع الماضي، أن “الولايات المتحدة تتطلع إلى استئناف محادثات السلام بشأن السودان في السعودية في 18 أبريل المقبل”.
وتوقفت المفاوضات بين الجيش والدعم السريع منذ 20 يناير الماضي، بعد انهيار اجتماعات ومحادثات غير معلنة، جرت في العاصمة البحرينية، المنامة، وشارك فيها نائب قائد الجيش، شمس الدين كباشي، ونائب قائد قوات الدعم السريع، عبد الرحيم دقلو.
تباينات في قضايا جوهرية.. هل ضربت الخلافات قادة الجيش السوداني؟
بعد اتهامات لعناصر النظام السابق بمحاولة السيطرة على قرار المؤسسة العسكرية، دافع مساعد القائد العام للجيش السوداني، ياسر العطا، عن المقاومة الشعبية، وشدد على أنه “لا يوجد ما يمنع انخراط أعضاء حزب الرئيس السابق عمر البشير في العمليات العسكرية دعما للجيش”.
من جانبه، يشير عبد الجبار إلى أن “القرار صدر من منطلقات قضائية وأدلة تدين قادة تنسيقية ‘تقدم’، وليس من منطلقات سياسية أو حزبية”.
وأضاف “القرار أملته ضرورة الحفاظ على سيادة الدولة، وردع الذين يتآمرون ضد البلاد، مع جهات متمردة وخارجة عن القانون، مثل قوات الدعم السريع”.
وعلى عكس الوجهة التي مضى إليها، بابكر، يرى نورين أن “القرار أطلق رصاصة مميتة على جولة المفاوضات المرتقبة”.
وقال إن “القرار يعبر عن موقف تيار الصقور داخل الجيش، ممن يرفضون الحلول التفاوضية ويتمسكون بالاستمرار في الحسم العسكري، للقضاء على الدعم السريع”.
ولفت إلى أن “القرار يبرهن على وجود خلافات بين البرهان ونائبه كباشي، من جهة، ومساعده ياسر العطا، والضباط المحسوبين على النظام السابق، من الجهة الأخرى، بخصوص المتطوعين الذين يقاتلون إلى جانب الجيش، تحت مسمى المقاومة الشعبية”.
واستبعد نورين أن “يطعن قادة التنسيقية ضد قرار النيابة، أو أن يوكلوا محامين للدفاع عنهم، لكونهم سينظرون إلى القرار على أساس أنه سياسي وليس قضائيا أو عدليا”.
في يناير الماضي، دعا البرهان، “كل من يستطيع حمل السلاح إلى الانضمام لحماية البلاد من قوات الدعم السريع”، مما مهد الطريق لفتح معسكرات المقاومة الشعبية”.
وكان نائب القائد العام للجيش، شمس الدين كباشي، وجه انتقادات حادة إلى المقاومة الشعبية، وحذر “سياسيين” من السيطرة عليها لتحقيق أجنداتهم، في إشارة إلى عناصر نظام الرئيس السابق عمر البشير.
وبعد أربعة أيام من حديث كباشي، قال العطا، إن “وجود عناصر النظام السابق ضمن صفوف المقاومة الشعبية، مثل وجود باقي عناصر التنظيمات السياسية الأخرى”، ما فسره محللون بأنه “تأكيد على وجود خلافات بين قادة الجيش”.
ويعاني ما يقرب من 18 مليون شخص في أنحاء السودان، الذي يبلغ عدد سكانه 48 مليون نسمة، من “الجوع الحاد”، كما يواجه أكثر من 5 ملايين شخص مستويات طارئة من الجوع، بسبب الحرب وفق وكالات الأمم المتحدة العاملة في المجال الإنساني.
وكان الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، دعا، في فبراير الماضي، المجتمع الدولي إلى التعبئة وبذل كل ما هو ممكن لوقف الحرب في السودان.
وقال غوتيريش إنه لا يوجد حل عسكري للصراع بين القوات الداعمة للجنرالين، وشدد على أن استمرار القتال “لن يحقق أي حل لذا يجب علينا وقف ذلك في أقرب وقت ممكن”.