كانت هناء أبو الكباش (43 عاما) مع أطفالها في منزلهم في قرية زنوتا في الضفة الغربية عندما اقتحمها مستوطن إسرائيلي مسلح ببندقية عسكرية، ليخبرها أن عليها الرحيل.
“لقد أخبرته أن هذا منزلي منذ 21 عاما، وأنني لن أغادره”. تتذكر أبو الكباش في حديثها مع صحيفة “وول ستريت جورنال” ما حدث في أواخر أكتوبر الماضي.
لكن الرجل المسلح أمسكها من ياقتها وهزها بعنف ثم رفع بندقيته وغادر. وبعد أيام، وبالتحديد في 28 أكتوبر الماضي، اضطرت أبو الكباش ونحو 250 آخرين من سكان هذه القرية الفلسطينية الصغيرة للفرار.
وتقول الأمم المتحدة إنه منذ هجمات حماس المباغتة على تجمعات سكنية إسرائيلية في السابع من أكتوبر، واندلاع الحرب في غزة، تضاعفت الهجمات العنيفة التي يشنها المستوطنون الإسرائيليون ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة.
وأظهرت لقطات فيديو مستوطنين مسلحين يرتدون زيا عسكريا في قرى فلسطينية، وأطلقوا النار على سكان، وهددوا بقتل من يرفضون المغادرة.
ووفقا للأمم المتحدة، ومنظمة “بتسليم” الحقوقية الإسرائيلية، فقد دفعت هذه الحوادث أكثر من ألف فلسطيني من 15 مجتمعا على الأقل إلى الفرار من منازلهم في الضفة الغربية. وهذا العدد يزيد عن ضعف إجمالي النازحين في الضفة الغربية في الفترة ما بين بداية عام 2022، وبدء الحرب في السابع من أكتوبر 2023.
وقالت منظمة ييش دين (يوجد قانون)، وهي منظمة إسرائيلية من المتطوعين في مجال حقوق الإنسان في الضفة الغربية، التي تتابع عنف المستوطنين، إنه وقع 225 حادث عنف قام به مستوطنون في 93 تجمعا سكنيا فلسطينيا منذ بداية الحرب، بحسب ما نقلت وكالة “رويترز”.
ونزحت أبو الكباش وزوجها وأطفالهما الثمانية، بينهم طفلة رضيعة، إلى مدينة الظاهرية، جنوبي مدينة الخليل، بعد أن احتل مستوطنون إسرائيليون منزلها بالقوة.
ويقول السكان في الظاهرية، إنهم أيضا لم يسلموا من هجمات المستوطنين، ما جعلهم يغلقون الطرق الرئيسية للمدينة.
ومنذ أن استولت إسرائيل على الضفة الغربية في عام 1967، أدى بناء المستوطنات الإسرائيلية، على نحو غير قانوني، إلى تقويض الجهود الرامية إلى إنشاء دولة فلسطينية ذات سيادة في الضفة الغربية وقطاع غزة.
وتقول مجموعات المستوطنين والسلطات الإسرائيلية إن العديد من القرى الفلسطينية في الضفة الغربية بنيت دون تراخيص وهي غير قانونية، وأنه تم إنشاء بعضها في مناطق أُعلنت لاحقا مناطق عسكرية أو مواقع أثرية أو محميات طبيعية وتم هدمها.
لكن جماعات حقوق الإنسان الإسرائيلية والفلسطينية تقول إن الهدف من إعلان بعض القرى الفلسطينية أنها مناطق عسكرية أو مواقع أثرية”، هو طرد السكان الفلسطينيين قسرا من أجزاء من الضفة الغربية.
“أخشى أن يحرق المستوطنون الأشجار لقد أحرقوا الأشجار في مناطق كثيرة”.. مزارعون في الضفة الغربية لا يستطيعون الوصول إلى أشجارهم بعد بدء الحرب بين #إسرائيل و #حماس.#الحرة #الحقيقة_أولا #شاهد_الحرة pic.twitter.com/a53qRrh4xC
— قناة الحرة (@alhurranews) October 27, 2023
وتضغط الجماعات والسياسيون المؤيدون للاستيطان من أجل الضم الرسمي للمستوطنات في الضفة الغربية المحتلة إلى إسرائيل.
وفي هذا الإطار، تشهد الضفة الغربية ارتفاعا في حوادث العنف منذ بضعة أشهر، إذ تستمر رقعة المستوطنات الإسرائيلية في الاتساع فيما توقفت جهود السلام بقيادة الولايات المتحدة منذ نحو عقد.
وقالت الأمم المتحدة إن هجمات المستوطنين تضاعفت تقريبا منذ السابع من أكتوبر إلى متوسط خمس هجمات يوميا، مشيرة إلى أنه في حوالي نصف الهجمات، رافقت القوات الإسرائيلية المستوطنين أو دعمتهم.
ورسميا يقول الجيش الإسرائيلي إن جنوده مطالبون بالتدخل لوقف الانتهاكات التي يرتكبها الإسرائيليون ضد الفلسطينيين أو ممتلكاتهم.
والأحد، قالت السلطات الفلسطينية إن مستوطنين إسرائيليين هاجموا قريتين فلسطينيتين في الضفة الغربية المحتلة في وقت متأخر السبت فقتلوا رجلا وأحرقوا سيارة.
وقالت إدارة الإسعاف الفلسطينية إن رجلا يبلغ 38 عاما في بلدة قراوة بني حسن في شمال الضفة الغربية تعرض لإطلاق نار في الصدر بينما اشتبك السكان مع مستوطنين وجنود إسرائيليين.
وقال الجيش الإسرائيلي إن الجنود وصلوا إلى موقع الحادث واستخدموا وسائل تفريق الشغب والرصاص الحي لفض الاشتباك بين السكان والمستوطنين. وذكر أن الفلسطينيين ردوا بإطلاق الشماريخ، مضيفا أن إسرائيليا وأربعة فلسطينيين أصيبوا في المواجهة. وذكر الجيش أن الحادث محل تحقيق وأُحيل إلى الشرطة.
وفي حادث آخر، قال وجيه قط، رئيس مجلس قرية “ماداما” بالقرب من مدينة نابلس شمال الضفة الغربية إن مجموعة تضم 15 مستوطنا أحرقوا سيارة وحطموا نوافذ منزل بالحجارة.
ولم يصدر تعليق على الحادث على الفور من الجيش الإسرائيلي.
والهجمات هي الأحدث ضمن سلسلة هجمات مماثلة شملت مستوطنين مما أثار إدانة زعماء عالميين بينهم الرئيس الأميركي جو بايدن الذي تدرس إدارته فرض حظر على تأشيرات للمستوطنين المتطرفين.
مستوطن واحد وأربعة جنود مسلحين اعترضوا أمس طريق مجموعة من السكان الفلسطينيين الذين كانوا يتنزهون قرب منزلهم في خلة طه وانهالوا عليهم بالتهديد. > pic.twitter.com/9Cqmx3X1cC
— B’Tselem בצלם بتسيلم (@btselem) December 3, 2023
ووعد وزير الأمن القومي، اليميني إيتمار بن غفير، بتسليم 10 آلاف قطعة سلاح مجانية للمستوطنين في الضفة الغربية، في حين قام بتخفيف شروط رخص اقتناء الأسلحة حتى يتمكن 400 ألف شخص من الحصول عليها.
ونشر بن غفير مقطع فيديو على الإنترنت يظهر فيه وهو يسلم بنادق آلية من طراز أم-16 أو أم-4. لكن وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، قال الاثنين قوات الأمن الحكومية هي فقط من يجب أن يستخدم القوة في الضفة الغربية المحتلة، وفقا لوكالة رويترز.
وزير الأمن القومي الإسرائيلي #إيتمار_بن_غفير: سأواصل سياسة توزيع الأسلحة في كل مكان سواء على غرف الطوارئ أو على المدنيين.#الحرة #الحقيقة_أولا pic.twitter.com/PFt4iw8lqR
— قناة الحرة (@alhurranews) November 30, 2023
وقالت منظمة بتسيلم الإسرائيلية لحقوق الإنسان إن المستوطنين يستخدمون أساليب الترهيب والعنف التي أثبتت فاعليتها عبر الزمن لإجبار الفلسطينيين على ترك منازلهم. وفي الأسابيع الأخيرة، أصبحت الاعتداءات أكثر كثافة وتكرارا، وفقا لصحيفة “واشنطن بوست”.
“مستويات قياسية”.. تحذيرات دولية من عنف المستوطنين في الأراضي الفلسطينية
في ظل أزمة حرب غزة والحصار الإسرائيلي بعد هجوم حماس في السابع من أكتوبر، سلط الإعلام الدولي الضوء على تصاعد عنف المستوطنين تجاه الفلسطينيين في الضفة الغربية، لدرجة أنهم أصبحوا يخشون حدوث تهجير جديد.
ونقلت الصحيفة عن المتحدث باسم بتسيلم، درور سادوت، قوله إن “حجم الهجمات وشدتها اتسع في الوقت الحالي لأنه مع نظر المجتمع الدولي إلى غزة، يشعر العديد من المستوطنين وكأنهم يستطيعون التصرف والإفلات من العقاب”.
ووفقا للصحيفة، بدأ المستوطنون المسلحون بالتجول في مجتمع وادي السيق البدوي الصغير كل يوم تقريبا بعد 7 أكتوبر، وهددوا الفلسطينيين بمذبحة إذا رفضوا المغادرة، وفقا لأحد سكان المنطقة.
وفي 12 أكتوبر الجاري، غادر مئتا شخص من البدو في خربة وادي السيق شرقي مدينة رام الله أراضيهم ولجأوا إلى قرية الطيبة القريبة بعد أن أمهلهم الجيش الإسرائيلي ساعة واحدة لتركها، وفقا لـ”فرانس برس”.
وترك الرعاة البدو منازلهم وغادروها سيرا على الأقدام مع الماشية بعد أن وصل عشرات المستوطنين يرافقهم شرطيون وجنود إسرائيليون إلى القرية.
وفي وقت سابق من الشهر الماضي، أدان رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، الذي أشرف على توسيع مستوطنات الضفة الغربية أثناء وجوده في السلطة، عنف المستوطنين، واعتبر أن “حفنة من المتطرفين يضرون بسمعة البلاد”.
وأصبحت قرية “زنوتا” وبيوتها المبنية من الطوب الحجري بدون أسقف، “مدينة أشباح”، حتى أن مدرسة القرية التي يمولها الاتحاد الأوروبي، تحطمت نوافذها وتناثرت الكتب المدرسية على أرضيات الفصول، بحسب “وول ستريت جورنال”.
في الأسابيع التي سبقت النزوح، دمر المستوطنون الإسرائيليون أو ألحقوا أضرارا بخزانات المياه والألواح الشمسية والسيارات والمنازل، وفقا للسكان والأمم المتحدة. واستخدم المستوطنون طائرات بدون طيار يتم التحكم فيها عن بعد لمضايقة القرويين، سواء لتتبعهم أثناء قيامهم بأعمالهم، مثل غسل ملابسهم أو صناعة الخبز.
وقال فارس سمامرة، زوج أبو الكباش: “أُجبرنا على الرحيل. لم يكن لدينا خيار لأننا لم نتمكن من النوم في قريتنا”.
وكشفت أبو الكباش عن أنها وابنها تعرضا للضرب على يد جندي قبل مغادرتهما قرية زنوتا.
ولم يرد الجيش الإسرائيلي على ما حدث في زنوتا، وعما إذا كان الجنود قد تم معاقبتهم.
وتتركز المستوطنات الإسرائيلية، التي يسكنها نحو 500 ألف إسرائيلي، في 60 في المئة من الضفة الغربية التي تديرها السلطات الإسرائيلية بشكل مباشر.
وتعزو مجموعات المستوطنين الاشتباكات مع الفلسطينيين بأن “لليهود حق تاريخي في الأرض وأنهم يدافعون عن أنفسهم”.
وقالت رايا أزولاي ( 37 عاما)، التي تدير شاحنة لنقل القهوة والمواد الغذائية في موقع أثري في مستوطنة “سوسيا”، جنوب الخليل: “أرض إسرائيل تنتمي لشعب إسرائيل”.
وبالرغم من أن أزولاي تقول إنها لا توافق على العنف، لكنها تقول أيضا إنها تستطيع في بعض الأحيان أن تفهم لماذا يتصرف المستوطنون العنيفون بالطريقة التي يتصرفون بها “لأنهم يقاتلون من أجل هذا البلد”.
وظلت “سوسيا” مثيرة للجدل لفترة طويلة، ويرجع ذلك جزئيا إلى وقوعها بين مستوطنة سوسيا الإسرائيلية ومعبد يهودي يعود تاريخه إلى القرن الرابع الميلادي.
وقال يشيام دهان، الذي يدير الموقع الأثري: “نحن لا نأتي ونأخذ أراضيهم فقط. لدينا تاريخ يعود إلى 2000 عام هنا”.
وأُجبر سكان سوسيا الفلسطينيون الذين يعيشون في مساكن محيطة بموقع المعبد اليهودي على إفساح المجال لإجراء الحفريات الأثرية هناك في عام 1986.
وبينما يقوم المستوطنون بتجريف آبار المياه وأشجار الزيتون في القرية، يراقب القرويون المستوطنين ويتواصلون عبر مجموعة واتساب. وعندما يقترب المستوطنون، يتجمع السكان للحماية.
وكان ناصر نواجة، يبلغ من العمر ثلاثة أعوام عندما تم إخلاء عائلته؛ وهو يعيش الآن في قرية سوسيا المجاورة.
وقال لـ”وول ستريت جورنال”: “المستوطنون يهددوننا ويهاجموننا ويقولون لنا إننا إذا لم نغادر فسوف نقتل. لكننا لن نغادر أبدا. هذه قريتنا”.