مع دخول العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة شهره السابع يبدو أن الضوء الأخضر الذي منحته واشنطن لتل أبيب والدعم غير المشروط لإسرائيل الذي أعلنته دول غربية عديدة في بداية الحرب انقلبا إلى الضد مع المجازر اليومية والجرائم التي يقترفها الاحتلال بحق المدنيين العزل في القطاع على مرأى ومسمع من العالم.
فقد نقل موقع أكسيوس الإخباري أمس الجمعة عن مسؤول إسرائيلي رفيع أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ومساعديه فوجئوا بطلب الرئيس الأميركي جو بايدن وقف القتال في غزة خارج سياق صفقة تبادل الأسرى، وذلك في المكالمة الأخيرة بينهما أول أمس الخميس، والتي وصفت بأنها الأصعب منذ بداية الحرب.
وقال الموقع إن مصادر مطلعة أكدت أن بايدن أنذر نتنياهو بأن الإدارة الأميركية لن تتمكن من دعمه ما لم تغيّر إسرائيل مسارها في غزة.
كما دعا بايدن نتنياهو -خلال المكالمة- إلى “إعلان وتنفيذ سلسلة من الخطوات المحددة والملموسة والقابلة للقياس لمعالجة الضرر الذي يلحق بالمدنيين والمعاناة الإنسانية وسلامة عمال الإغاثة”، وفق ما جاء في بيان أصدره البيت الأبيض بهذا الشأن.
ويرى البعض أن هذا التغير في موقف بايدن من الدعم غير المشروط لإسرائيل في بداية الحرب ورفض الدعوات المطالبة بوقفها إلى التلويح بوقف الدعم الأميركي والدعوة لوقف الحرب أملته الحسابات الانتخابية والضغوط المحلية والدولية المتزايدة على واشنطن لكف يد حليفتها التي أوغلت في دماء مدنيي غزة.
وكانت صحيفة “نيويورك تايمز” قالت إن أحد أقوى الأصوات التي تضغط على الرئيس الأميركي لوضع حد لتقتيل المدنيين في غزة هو صوت أقرب الناس إليه زوجته جيل بايدن.
ضغوط أميركية
ويبدو التحول في لغة بايدن تجاه إسرائيل غيضا من فيض في موجة التحول في مواقف العديد من السياسيين الأميركيين من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، فقد دعا الرئيس السابق دونالد ترامب إسرائيل إلى وقف حربها في غزة على وجه السرعة والتوقف عن قتل المدنيين.
وقال ترامب -مرشح الحزب الجمهوري للانتخابات الرئاسية المقبلة- إن إسرائيل منيت بخسارة كبيرة في مجال العلاقات العامة، وحذر من أنها مستمرة في خسارة جزء كبير من العالم وخسارة الكثير من الدعم.
ويعد ترامب من أبرز داعمي إسرائيل، وكثيرا ما يصف نفسه بأنه حليفها المخلص، ويذكّر بقراره نقل السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة ودور إدارته في مفاوضات اتفاقات التطبيع عام 2020 بين إسرائيل ودول عربية، مثل الإمارات والبحرين.
وأمس الجمعة، وقّعت المشرعة ورئيسة مجلس النواب الأميركي السابقة نانسي بيلوسي على رسالة موجهة إلى بايدن ووزير خارجيته أنتوني بلينكن تطالب بوقف إمداد إسرائيل بالسلاح.
وحملت الرسالة توقيع 40 نائبا ديمقراطيا طالبوا فيها إدارة بايدن بوقف تزويد تل أبيب بالسلاح، وقالوا إن ذلك غير مبرر في ظل استهدافها المدنيين وعمال الإغاثة واستمرار الأزمة الإنسانية التي تعصف بسكان القطاع.
وتعد خطوة بيلوسي -العضوة المخضرمة في الحزب الديمقراطي وحليفة بايدن- دليلا على أن الموقف القائل بوقف إمداد إسرائيل بالسلاح الأميركي هو الموقف السائد في أوساط الديمقراطيين.
توبيخ أوروبي
تزايدت الضغوط الأوروبية على تل أبيب مع استمرار الحرب والمجازر اليومية بحق المدنيين العزل في غزة، وشهد الغضب الغربي من الاستهتار الإسرائيلي بحياة المدنيين أوجه بعد الغارة الإسرائيلية الاثنين الماضي، والتي استهدفت 3 سيارات تقل موظفين أجانب في مؤسسة المطبخ المركزي العالمي وأسفرت عن مقتل 7 أشخاص.
وتعالت في دول أوروبية عدة الأصوات المطالبة بوقف تصدير السلاح لإسرائيل، كما استدعت دول -من بينها بريطانيا بولندا وأستراليا- سفراء إسرائيل لديها للاحتجاج على مقتل رعاياها في غزة جراء غارة إسرائيلية.
ونقلت وكالة “أسوشيتد برس” عن مسؤول كبير في الحكومة الكندية قوله الأربعاء الماضي إن سفارات كندا ودول أخرى سترسل توبيخا دبلوماسيا رسميا مشتركا إلى وزارة الخارجية الإسرائيلية بسبب مقتل عمال الإغاثة السبعة في غزة.
وفي مؤتمر صحفي بباريس طالب وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن بتحقيق “سريع ومحايد ونزيه” في الحادث.
كما أدان الاتحاد الأوروبي الهجوم، وقال المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي بيتر ستانو خلال مؤتمر صحفي في بروكسل إن الاتحاد الأوروبي يطالب بإجراء تحقيق شامل لكشف ملابسات الحادث وتحديد المسؤولين عنه.
وأعرب وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة مارتن غريفيث عن غضبه لمقتل عمال الإغاثة في غزة.
أما المقررة الأممية في الأراضي الفلسطينية المحتلة فرانشيسكا ألبانيز فقالت إن إسرائيل تتجاوز كل الخطوط الحمراء وتفلت تماما من العقاب.
دعوات لوقف تسليح إسرائيل
وعلى وقع موجة الإدانة والاستنكار شهدت الضغوط الرامية إلى وقف إمداد إسرائيل بالسلاح زخما في أوروبا، فقد تتالت مواقف البرلمانيين والمسؤولين الغربيين المطالبة بذلك.
ففي فرنسا وجه 115 برلمانيا رسالة إلى الرئيس إيمانويل ماكرون طالبوه فيها بوقف جميع مبيعات الأسلحة إلى إسرائيل، وحذروا من أن عدم اتخاذ تلك الخطوة ينطوي على مخاطر تجعل فرنسا شريكة في الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني.
وقال البرلمانيون إن التوقف عن بيع جميع أنواع الأسلحة إلى حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اليمينية المتطرفة من شأنه تعزيز جهود السلام في المنطقة.
ودعوا ماكرون إلى أن يحذو حذو دول أخرى مثل كندا وهولندا اتخذت قرارات مماثلة بمنع بيع السلاح إلى إسرائيل.
وفي ألمانيا، أعلن عدد من المحامين الألمان أمس الجمعة رفع دعوى عاجلة ضد الحكومة الألمانية لإلزامها بوقف تصدير الأسلحة إلى إسرائيل بتكليف من فلسطينيين في غزة، وذلك للاشتباه في أن هذه الأسلحة “مستخدمة في انتهاكات جسيمة للقانون الدولي”.
قرارات أممية
وأمس الجمعة، تبنى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة قرارا بحظر تصدير السلاح إلى إسرائيل على خلفية استمرار حربها على قطاع غزة، وهو أول موقف يتخذه المجلس حيال الحرب على غزة.
ودعا القرار -الذي تبناه المجلس الأممي- إلى محاسبة إسرائيل على جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية محتملة في قطاع غزة، وذلك بأغلبية 28 صوتا مقابل اعتراض 6 دول وامتناع 13 عن التصويت.
ورغم الأسئلة المتعلقة بجدوى بعض القرارات الأممية غير الملزمة يبقى هذا القرار وغيره وسيلة ضغط على الدول التي تزود إسرائيل بالسلاح للكف عن ذلك، كما تترجم تلك القرارات إقرار المجتمع الدولي بما تقوم به إسرائيل من جرائم بحق المدنيين في غزة وفق محللين سياسيين.
وفي السياق نفسه، شهد الاجتماع الطارئ الذي عقده مجلس الأمن الدولي أمس الجمعة لبحث خطر المجاعة في غزة مطالبات عدة لإسرائيل بألا تعرقل وصول المساعدات إلى القطاع، وأن تكف عن استهداف المنظمات الإنسانية، وذلك بعد مقتل فريق مؤسسة المطبخ العالمي.
وكان مجلس الأمن قد تبنى في 25 مارس/آذار الماضي قرارا للمرة الأولى بوقف فوري لإطلاق النار في غزة خلال شهر رمضان بعد فشل 3 قرارات سبقته بسبب استخدام الولايات المتحدة حق النقض (فيتو) ضدها.
ورغم التقديرات المتناقضة بشأن مدى إلزاميتها فإن القرارات الأممية تشكل ضغوطا متزايدة على تل أبيب، وتساهم في تآكل الدعم الغربي لها وتفاقم عزلتها أمام العالم الرافض لما ترتكبه من مجازر بحق المدنيين.
وحتى الآن، لم تفلح كل الضغوط المذكورة آنفا في كسر تعنت إسرائيل وإصرار حكومة بنيامين نتنياهو المتطرفة على الاستمرار في سياسة الهروب إلى الأمام ومواصلة عدوانها على قطاع غزة الذي أدى حتى الآن إلى استشهاد نحو 33 ألف فلسطيني وإصابة أكثر من 75 ألفا آخرين، إضافة إلى كارثة إنسانية خطيرة ومجاعة تعصف بسكان القطاع المحاصر منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.