ويعتقد مراقبون ومحللون في حديثهم لـ”سكاي نيوز عربية”، أن التغيّر التدريجي في المواقف الغربية والأميركية تجاه حرب غزة، يأتي لعدّة أسباب على رأسها الضغوط الداخلية في تلك الدول نتيجة آلاف القتلى من المدنيين الفلسطينيين جراء “القصف العشوائي الإسرائيلي”، فضلًا عن مضي الكثير من الوقت لتنفيذ تل أبيب لـ”بنك أهدافها” داخل القطاع، وكذلك عدم وجود خطة واضحة أمام الحكومة الإسرائيلية بشأن اليوم التالي لإنهاء هذا الصراع.
وتواجه إسرائيل ضغوطا متزايدة من حلفائها بشأن حربها في غزة، حيث انتقدت الولايات المتحدة، الداعم الرئيسي لها، ما وصفته بـ”القصف العشوائي” الذي يؤدي إلى سقوط ضحايا مدنيين.
مقال مشترك.. ودعوة فرنسية
- رغم امتناع بريطانيا وألمانيا عن التصويت على قرار مجلس الأمن الأخير لوقف إطلاق النار، والذي عطلته الولايات المتحدة باستخدام الفيتو، خرج وزير الخارجية البريطاني ديفيد كاميرون ونظيرته الألمانية أنالينا بيربوك، للتأكيد على “الحاجة العاجلة” لتحقيق “وقف دائم لإطلاق النار” في غزة.
- كتب الوزيران في مقال مشترك نشرته صحيفة “صنداي تايمز” أن: “عددا كبيرا جدا من المدنيين قتلوا في هذه الحرب”، وحضّا إسرائيل على إنهاء عمليتها العسكرية ضد حماس بشكل سريع ولكن “دائم” أيضا.
- أضافا: “علينا أن نفعل كل ما باستطاعتنا لتمهيد الطريق لوقف دائم لإطلاق النار يؤدي إلى سلام دائم. وكلما أتى ذلك عاجلا، كلما كان أفضل. الحاجة عاجلة”، ومع ذلك، لفت الوزيران أيضا إلى أنهما “لا يعتقدان أن الدعوة الآن إلى وقف عام وفوري لإطلاق النار، على أمل أن يصبح دائما بطريقة ما، هو السبيل للمضي قدما”.
- أوضح الوزيران أن هذا “يتجاهل سبب اضطرار إسرائيل للدفاع عن نفسها: حماس هاجمت إسرائيل بوحشية وما زالت تطلق الصواريخ لقتل المواطنين الإسرائيليين كل يوم. يجب على حماس أن تلقي سلاحها”.
- بحسب صحيفة “بوليتيكو” الأميركية، يمثل المقال تحولًا واضحًا في مواقف البلدين بشأن الحرب في غزة، إذ دعت الحكومة البريطانية إلى “وقف إنساني” في القتال، لكنها لم تصل إلى حد الحث على وقف إطلاق النار، في حين دافعت ألمانيا بقوة عن حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها منذ هجمات حماس في 7 أكتوبر.
- وجه الوزيران حديثهما إلى إسرائيل بالقول إنه “على الحكومة الإسرائيلية أن تفعل المزيد للتمييز بشكل كافٍ بين الإرهابيين والمدنيين، وضمان استهداف حملتها لقادة حماس وعملائها”، موضحين أن “إسرائيل تمتلك الحق في الدفاع عن نفسها، لكن خلال قيامها بذلك، عليها الالتزام بالقانون الإنساني الدولي. إسرائيل لن تنتصر في الحرب لو دمرت عملياتها أفق التعايش السلمي مع الفلسطينيين. لهم الحق في القضاء على تهديد حماس”.
- كما سبق أن دعت بريطانيا وأكثر من 12 دولة أخرى، من بينها أستراليا وكندا وفرنسا، إسرائيل، إلى اتخاذ خطوات فورية وملموسة للتصدي لعنف المستوطنين في الضفة الغربية المحتلة.
- ومن تل أبيب، وخلال مؤتمر صحفي مشترك مع نظيرها الإسرائيلي إيلي كوهين، عبرت وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا عن قلق بلادها “البالغ” إزاء الوضع في قطاع غزة، مطالبة بـ”هدنة جديدة فورية ومستدامة” في الحرب، وخفض التصعيد مع لبنان في ظل القصف المتبادل مع حزب الله.
- بدوره، حيث مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، على ضرورة وقف العمليات العسكرية والوصول إلى هدنة إنسانية “بشكل عاجل”، مضيفًا عبر حسابه على موقع “إكس”، الإثنين: “تم قتل الكثير من المدنيين في غزة، وكما أكد عليه آخرون من بينهم وزراء خارجية فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة، فإننا نشهد تقصيرا كارثيا في التمييز خلال العملية العسكرية الإسرائيلية في غزة”.
بنك الأهداف
من برلين، يعتقد منسق العلاقات الألمانية العربية في البرلمان الألماني، وخبير العلاقات الدولية، عبدالمسيح الشامي، في حديث خاص لموقع “سكاي نيوز عربية”، إن إسرائيل أنجزت الكثير من المهام ضمن “بنك الأهداف” الذي حددته منذ بداية عملياتها العسكرية في السابع من أكتوبر الماضي.
وأضاف “الشامي” أن الحرب بالنسبة للحكومة الإسرائيلية أوشكت على نهايتها، رغم تصريحات بنيامين نتنياهو ووزراء حكومته بالسعي لمواصلة القتال، لكن “لم يُعد هناك شيئ لاستهدافه في غزة، وإذا استمرت الحرب أكثر من ذلك ستنعكس بالسلب على الإسرائيليين أكثر مما إيجابياتها لهم”.
ويرى “الشامي” أن هناك تنسيقًا بين الدول الأوروبية وخاصة “بريطانيا وألمانيا وفرنسا” مع الحكومة الإسرائيلية قبل توجيه تلك الدعوات للرأي العام العالمي، لأن الواقع يؤكد أن هذه الدول هي الأكثر تأييدًا للعملية الإسرائيلية في بادئ الأمر، مضيفًا: “لا أعتقد أن الموقف الألماني والبريطاني يمكن أن يكون مناهضًا لإسرائيل في أي وقت أو مكان، لأن هذا الأمر غير عملي على أرض الواقع، بالنظر للعلاقات التي تجمع تلك الدول بتل أبيب”.
وأكد منسق العلاقات الألمانية العربية في البرلمان الألماني، أنه “لا يمكن أن تقف ألمانيا أو بريطانيا ضد إسرائيل بأي شكل من الأشكال”، لكن دعوتهم لوقف القتال تأتي في ظل سقوط آلاف المدنيين وتزايد الضغوط للعب دور إيجابي في وقف تلك المعاناة.
وأشار إلى أن إسرائيل لا تريد أن يكون هناك وقفًا مباشرًا لإطلاق النار في غزة حفاظًا على صورتها أمام شعبها وأمام العالم، وحتى لا تظهر بموقف ضعيف، وترغب في أن يكون ذلك “بقرار دولي”.
وتابع: “وقف الحرب يتطلب تنازلات من قبل السلطات الإسرائيلية، والحرب لن تطول وشارفت على نهايتها وستكون بقرار دولي مدعوم من دول غربية، بجانب الولايات المتحدة”.
تصعيد خطير
ومن باريس، اعتبر الأكاديمي الفرنسي وأستاذ العلاقات الدولية، فرانك فارنيل، في تصريحات لموقع “سكاي نيوز عربية”، أن احتمال التصعيد في المنطقة يثير مخاوف الكثيرين، لا سيما بالنظر إلى الآثار الكارثية المحتملة على المستويين الإقليمي والعالمي.
وأوضح “فارنيل” أن أمام باريس فرصة لإعادة تحديد موقفها الدبلوماسي، وتعزيز التفاهم والتعاون على نحو أفضل بين جميع الأطراف المعنية، إذ يتمثل التحدي الذي تواجهه فرنسا في تحقيق توازن بين دعم إسرائيل في القضاء على الجماعات الإرهابية والتهديدات الإقليمية، إلى جانب القوى الغربية في المنطقة، مع الحد من جذب الصراع إلى أراضيها، خاصة أن هناك مخاوف من أن بعض الجماعات اليسارية المتطرفة ترى في ذلك فرصة لتعزيز قاعدة الناخبين المجتمعية.
وقال: “تهتم باريس باحتمال تمدد الحرب في المنطقة، فإنها تهدف إلى وقف إطلاق النار في الصراع، لكنها تدرك أنه لا يمكن تحقيقه إلا بعد أن تحقق إسرائيل أهدافها الحربية وتمارس حقها في الدفاع عن النفس”.
ولفت أن زيارة وزير الخارجية الفرنسية إلى بيروت، الاثنين، تتيح فرصة لإعادة تحديد موقفها الدبلوماسي وتعزيز التفاهم والتعاون بين جميع الأطراف المعنية.