عدة أهداف و”رسائل” في الزيارة الخاطفة التي يجريها الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين إلى الإمارات والسعودية حسب ما يقول مراقبون لموقع “الحرة”، ويعطي التوقيت و”الظرف الحساس” الذي تأتي فيه أبعادا أكبر من “خطوة لمناقشة علاقات ثنائية ومشتركة”.
ومن المقرر أن تستمر الزيارة التي بدأت الأربعاء من أبو ظبي “24 ساعة فقط”، وفق ما أوضحت وسائل إعلام روسية، مشيرة إلى أن بوتين سيعود إلى موسكو بعد ذلك، كي يلتقي نظيره الإيراني، إبراهيم رئيسي، يوم غد الخميس.
وكان بوتين قد حدّ من رحلاته الخارجية منذ شهر مارس الماضي عندما أصدرت “المحكمة الجنائية الدولية” مذكرة اعتقال بحقه فيما يتعلق باختطاف أطفال من أوكرانيا.
ومع ذلك تمثل الإمارات والسعودية بالنسبة له “دولا آمنة”، كونهما لم توقعان على المعاهدة، حسب تقرير لصحيفة “وول ستريت جورنال”.
الصحيفة تسلط الضوء في تقريرها على الزيارة “غير المعتادة” وأهدافها، وتشير بناء على حديث خبراء ومحللين إلى أن “بوتين قد يسعى من خلالها للحصول على الأسلحة والحلفاء لمواصلة تنفيذ حربه في أوكرانيا، وربما لدق إسفين بينهما (الدولتين الخليجيتين) وبين الولايات المتحدة الأميركية”.
وتشير أيضا نقلا عن محللين إلى “رسالة أخرى للزيارة بأن روسيا لا تزال قادرة على ممارسة النفوذ وحشد الدعم من الدول التي هي في حاجة إليها، والمتحالفة اسميا مع واشنطن”.
ماذا يريد بوتين؟
ويأتي وصول بوتين إلى الإمارات والسعودية بعد مرور 60 يوما على الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة، المحطة التي يتوقع مراقبون أن تتغير من خلالها الكثير من المعادلات في منطقة الشرق الأوسط.
وجاءت خطوته الخاطفة أيضا بعد تقارير رصدت “تراجعا لأهمية موسكو في المنطقة بعد حرب غزة”، من بينها لمجلة “فورن بوليسي”، حيث أوضحت في 21 نوفمبر الماضي أن “المساعي الروسية في مجلس الأمن لوقف إطلاق النار في القطاع لم تكتسب سوى القليل من الاهتمام”.
رسمت المجلة الأميركية قبل أسبوعين خطا زمنيا للنفوذ الروسي في الشرق الأوسط، ورصدت “نقطة انعطاف” فرضتها الحرب في أوكرانيا، وكذلك الأمر بالنسبة للحرب في غزة.
وقالت في ختام تحليلها إنه “من غير المرجح أن يكون لموسكو دور كبير في المستقبل الجديد للشرق الأوسط الذي قد تسهم حرب القطاع بتحديده”.
ويوضح كبير الخبراء في “المجلس الأطلسي”، ريتش أوتزن أن “بوتين يحاول أن يُظهر أولا من خلال الزيارة وقبل كل شيء أنه ليس معزولا دبلوماسيا حتى بين أصدقاء الولايات المتحدة”.
ويريد تحقيق هدف ثانٍ يتعلق بـ”التنسيق بشأن إنتاج النفط وتجارته لمحاولة تحسين الظروف الاقتصادية في وقت تستمر فيه العقوبات الغربية في التأثير على موسكو”، وفق أوتزن.
ويضيف لموقع “الحرة”: “الخليج بالنسبة لبوتين هو جزء آخر من رقعة الشطرنج في الشرق الأوسط – أقل أهمية عسكريا ولكنه أكثر أهمية اقتصاديا”.
الباحث السياسي الروسي، ديميتري بريجع يصف الزيارة بـ”المهمة” كونها تتزامن مع “مباحثات الصراع الفلسطيني والإسرائيلي وما يحدث في غزة”.
ويحاول بوتين “التحرك في الملف الخاص بالقطاع من أجل وقف إطلاق النار، ويحاول إبراز دور روسيا السياسي بمنطقة الشرق الأوسط، ومنافسة أميركا والغرب”، حسب ما يقول بريجع لموقع “الحرة”.
ويضيف: ” زيارة بوتين مهمة كذلك من ناحية وجود موقف روسي للتقرب مع منطقة الشرق الأوسط. وهذا السلوك بدأ بسبب السياسات الغربية ضد موسكو”.
ولا يستبعد الباحث الروسي “أهمية” ملف الطاقة الذي يجمع دول الخليج وعلى رأسها السعودية والإمارات مع الاتحاد الروسي، ويشير إلى أن الشركات الروسية تلعب دورا كبيرا في عملية “بناء العلاقة وتنشيطها”.
“التبادل التجاري بين الجانبين في أفضل حال”، ويتابع بريجع أن “روسيا تعتمد على الإمارات لتخطي العقوبات، وهو ملف مهم لفهم السياسة الروسية الحالية”، والزيارة التي يجريها بوتين الآن أيضا.
“توازن وتعدد أقطاب”
بالنسبة لدول الخليج العربية، التي تستضيف آلاف القوات الأميركية وتشتري أسلحة أميركية بمليارات الدولارات تعد زيارة بوتين جزءا من عملية توازن دقيقة تهدف إلى تنويع علاقاتها الدولية وانتزاع أكبر فائدة ممكنة من جميع شركائها الأجانب، كما يشير تقرير “وول ستريت جورنال”.
وقال نيكولاي كوزانوف، أستاذ دراسات الخليج في جامعة قطر في تعليقه على الزيارة: “إنها إشارة إلى الولايات المتحدة بأن هناك إحباطا كبيرا موجودا في هذه المنطقة بشأن رد الفعل الأميركي على الوضع في غزة”.
وأضافت ماريا فانتابي، التي ترأس برنامج الشرق الأوسط وأفريقيا في معهد أبحاث Istituto Affari Internazionali في روما أن الرياض ستطلب على الأرجح من موسكو دعم رؤيتها لحل الدولتين للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، بما في ذلك إشراك طهران.
وقالت: “سيريد بوتين أن يُنظر إليه على أنه الشخص الذي توسط فعليا في السلام، في حين أن الولايات المتحدة والغرب مترددان في القيام بذلك وما زالا متحالفين مع حق إسرائيل في الدفاع عن النفس”. وتابعت: “إنها مجرد طعنة في السياسة الخارجية الغربية في الشرق الأوسط وليس لبناء السلام”.
لكن للمحلل السياسي الإماراتي، محمد تقي وجهة نظر مختلفة، إذ يوضح أن “بوتين يرتبط بعلاقة خاصة مع الشيخ محمد بن زايد”، وكان للتصريحات التي أطلقها في أعقاب اللقاء “أهمية بالغة”، حين قال إن “الإمارات أكبر شريك أساسي عربي لموسكو”.
يقول تقي لموقع “الحرة”: “الإمارات تعمل على فكرة متعددي الأقطاب، والتزمت بتوجه وخط متوازن خلال الفترة الأخيرة ما أكسبها ثقة الجميع في المنطقة”، ومن هذه النقطة يجب قراءة زيارة الرئيس الروسي إلى أبوظبي.
كما عملت وفق تقي “على قضايا كثيرة على رأسها الملف الروسي الأوكراني، وسواء في مجلس الأمن أو من خلال التواصل المباشر مع بوتين ونظيره فولدومير زيلينسكي”.
ويعتبر المحلل السياسي الإماراتي أن “بوتين يثق بالإمارات بأن لها المقدرة على حل أزمة أوكرانيا وروسيا”.
ويعتقد أيضا أن “هناك انفراجة قريبة وقد يتنازل زيلينسكي عن دونباس على أن تبقى شبه جزيرة القرم على حالها إلى أن تتوقف الحرب بشكل كامل”.
وسيحاول كلا الجانبين تخفيف التزامات الطرف الآخر تجاه الحلفاء الأساسيين بشأن الصراعات الإقليمية، وفق ما يقول الخبير الأميركي في “المجلس الأطلسي”، ريتش أوتزن، وفي إشارة منه إلى الدولتين الخليجيتين وزيارة بوتين الحالي.
ويتابع حديثه بالقول: “بوتين من خلال الدمج بين دول الخليج والولايات المتحدة/إسرائيل والسعودية والإمارات العربية المتحدة لتخفيف الدعم الروسي الضمني لعمليات إيران/الحوثيين في اليمن وما حولها”.
“رسالة للعالم الآخر”
ولم تتخذ الإمارات والسعودية موقفا واضحا داعما لموسكو أو لكييف في الحرب المستمرة في أوكرانيا، إلا أن الرياض رفضت التجاوب مع طلب أميركي لزيادة إنتاج النفط الذي ارتفعت أسعاره بسبب الحرب.
وأكد بوتين في بداية لقائه مع الشيخ محمد بن زايد أن “بفضل موقفكم، وصلت علاقاتنا إلى مستوى غير مسبوق”، مشيدا بدولة الإمارات باعتبارها “الشريك التجاري الرئيسي لروسيا في العالم العربي”، وتحدث عن “مشاريع في قطاع الغاز والنفط”.
وفيما يتعلق بالسعودية من المقرر أن يعرض فلاديمير بوتين رؤيته للوضع الدولي بما يشمل الحرب بين إسرائيل وحركة حماس، و”سبل العمل على وقف التصعيد”، بحسب الرئاسة الروسية.
ويعتبر المحلل السياسي السعودي، مبارك آل عاتي أن “زيارة بوتين إلى الإمارات ومن ثم الرياض مهمة جدا في التوقيت الذي يرتبط بمنطقة الشرق الأوسط والملف الأوكراني وملف الطاقة”.
وتؤكد الزيارة حسب آل عاتي على “قوة العلاقات السعودية الروسية وأن هناك عزم لكلا الطرفين لتقويتها والذهاب بها إلى أكثر تعاون”.
ومن جانب آخر يقول المحلل السياسي لموقع “الحرة” إن “بوتين يريد القول من خلال الزيارة إن روسيا دولة كبيرة قادرة على إحداث تغيير وأن تكون شريكة في أحداث المنطقة”.
كما يعتقد المحلل السياسي أن “الزيارة تبعث برسالة قوية جدا للعالم الآخر بأن دول المنطقة قادرة على أن تتدبر حل قضاياها”، مشيرا إلى أن “اللجنة الإسلامية العربية الخاصة بمتابعة تداعيات حرب غزة كانت قد زارت أولا بكين ومن ثم اتجهت إلى موسكو. المجتمع الدولي يتسع لأكثر من قوة وليس فقط أميركا”.
والمملكة العربية السعودية هي الشريك الرئيسي لروسيا في أوبك +، في حين أصبحت الإمارات المركز الدولي الرئيسي للشركات الروسية وطريقا مهما للتحايل على العقوبات الغربية، وفق “فاينانشال تايمز”.
ونقلت الصحيفة البريطانية عن أندريه كولسنيكوف، وهو زميل بارز في مركز كارنيغي روسيا أوراسيا قوله إنه بصرف النظر عن قيمتها العملية “كانت الزيارات وسيلة يستخدمها بوتين لإظهار أن روسيا ليست في عزلة دولية”.
ويضيف: “إنها رسالة إلى النخب – مفادها أن هذه المناطق أصبحت الآن مجالات للمشاركة وطريقة لطمأنة السكان بأن روسيا ليست معزولة عن العالم الخارجي”.
وقال نيكيتا سماجين، الخبير المستقل في السياسة الروسية في المنطقة لـ”وول ستريت جورنال”: “بشكل عام زادت أهمية الشرق الأوسط بشكل كبير بالنسبة لروسيا خلال العامين الماضيين”.
ومن المرجح أن يهيمن النفط على محادثات بوتين في السعودية، حيث أدت الشراكة المتجذرة بين البلدين في قدراتهما الهائلة على إنتاج النفط إلى قلب ترتيبات “النفط مقابل الأمن” بين واشنطن والرياض التي استمرت ما يقرب من نصف قرن، وفق الصحيفة الأميركية.
ونقلت عن محللين أن “الكرملين يريد التأكد من أن هذا الترتيب لا يزال قائما”، كما سيسعى بوتين إلى أن “يُظهر للسعودية والإمارات العربية المتحدة أنهما قادران على ذلك”.