بعد عامين من البرود الدبلوماسي، يبدو أن الدفء بدأ يعود للعلاقات الفرنسية المغربية مع ترقب زيارة وزير الخارجية الفرنسي غدا إلى الرباط في مساعٍ لطي صفحة العامين الماضيين.
ونقلت صحيفة “لوموند” الفرنسية أن ستيفان سيجورنيه سيزور الرباط ويعقد لقاء مع نظيره المغربي ناصر بوريطة، لمناقشة الشراكة مع الأوروبيين والوضع في منطقة الساحل الأفريقي، لكن قبل كل شيء طرح زيارة محتملة للرئيس، إيمانويل ماكرون إلى المغرب.
توتر غير مسبوق
وتشير الصحيفة إلى أن المتخصصين في العلاقات الفرنسية المغربية يرون أن التوتر الدبلوماسي الطويل هذا يعد “شاذا” في تاريخ العلاقة البلدين.
وزار ماكرون المغرب في 2017 بعد توليه منصب الرئيس، وفي 2018 قام بزيارة قصيرة للمشاركة في تدشين خط القطار السريع بين الدار البيضاء وطنجة، لكن زيارة الدولة التي سبق أن أعلن عنها منعها تسلسل طويل من الاضطرابات الدبلوماسية من 2021 إلى 2023، ما أغرق العلاقات في أزمة حادة.
ومن فضيحة التجسس المغربية عبر البرمجيات الإسرائيلية، مرورا بقرار البرلمان الأوروبي حول حقوق الإنسان بالمغرب، إلى فرض فرنسا قيودا على التأشيرات للمغاربة، ورهان ماكرون على الجزائر، دخل البلدان في أزمة مفتوحة.
“التجسس” عبر بيغاسوس.. المغرب يعيد فتح الملف بعد 19 شهرا من اتهام المملكة
بعد تسعة عشرا شهرا من تفجر قضية “التجسس” عبر برنامج “بيغاسوس”، عاد المغرب لشن “هجوم مضاد”، وفق توصيف مجلة فرنسية، بعد عدم تقديم أي دليل ضده خلال هذه الفترة.
وأثار تصويت البرلمان الأوروبي في يناير 2023 في ظل ترؤس سيجورنيه، الوزير الحالي، كتلة “تجديد أوروبا” على إدانة تدهور حرية الصحافة في المغرب، غضبا عارما في الرباط.
ثم بدت العلاقات كأنها وصلت إلى طريق مسدود قبل أن يقر السفير الفرنسي في المغرب في نوفمبر الماضي بأن قرار تقييد حصول المغاربة على تأشيرات فرنسية كان خطأ، ويتم تعيين سفيرة مغربية في فرنسا بعد أشهر من الشغور.
وفي الفترة الأخيرة بدأت مؤشرات على ذوبان الجليد بين المغرب وفرنسا، إذ استقبل قصر الإليزيه الرئاسي في فرنسا ثلاث أميرات شقيقات للملك محمد السادس لحضور مأدبة غداء، بدعوة من بريجيت ماكرون، في إطار الصداقة بين البلدين.
كما شدد وزير الخارجية الفرنسي مؤخرا على أن العلاقات مع الرباط ستكون أولوية لوزارته.
وزير الخارجية الفرنسي يكشف ما طلبه منه ماكرون بشأن المغرب
قال وزير الخارجية الفرنسي الجديد، في مقابلة نشرت، السبت، إنه سيعمل “شخصيا” على تحقيق التقارب بين فرنسا والمغرب، بعدما شهدت العلاقات توترا في السنوات الأخيرة.
وقال سيجورنيه الأسبوع الماضي إن العلاقات الثنائية “ضرورية”. وأضاف “لقد استأنفت الاتصال مع المغرب. كان هناك سوء تفاهم أدى إلى صعوبات”.
La relation de la France avec le Maroc est “essentielle”, a déclaré Stéphane Séjourné, ministre français des Affaires étrangères, lors d’une audition à l’Assemblée nationale mercredi. Le ministre a également souligné sa “volonté” de renouer un lien de confiance. pic.twitter.com/a4NXK2CBCJ
— TelQuel (@TelQuelOfficiel) February 15, 2024
يرى المحلل الفرنسي،بيير فيرمين، أن الاختيار بين الجزائر والمغرب يضع فرنسا في موقف محرج، ولا ترغب باريس في الاختيار بين “الإخوة الأعداء”.
وفي حوار له مع مجلة “لي إكسبريس” يقول فيرمين إن المغرب وضع الاعتراف بسيادته على الصحراء الغربية المفتاح لأي علاقات دبلوماسية.
ويشير المحلل إلى أن الأزمة بين البلدين بحلول سبتمبر 2023 كانت الأسوأ في تاريخهما منذ قضية المعارض المغربي مهدي بن بركة في 1965، وتراشقت الرباط وباريس إعلاميا، وذهب المغرب بعيدا ضد إيمانويل ماكرون، لكن بعد هجوم حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر، تغير السياق، وفق فيرمين.
ويرى فيرمين أنه بعد اندلاع الحرب في غزة، فقد المغرب يقينه في إسرائيل، لذلك تسعى الرباط إلى طي صفحة الخلاف مع فرنسا.
غير أن المحلل السياسي المغربي، رشيد لزرق، يرى أن فرنسا بدأت تخرج من المنطقة الرمادية بخصوص ملف الصحراء.
ويشير أستاذ العلوم الدستورية بالقنيطرة في حديث لموقع “الحرة” إلى أن التحولات الأخيرة وزيارة وزير الخارجية الفرنسي المرتقبة إلى الرباط تسير في اتجاه اعتراف فرنسا بسيادة المغرب على الصحراء.
ويرجع لزرق رغبة فرنسا بإعادة علاقاتها بالمغرب أيضا إلى التحولات في منطقة الساحل وتأتر النفوذ الفرنسي، لذلك تدرك باريس أن “المغرب، الشريك الموثوق، هو الضامن الوحيد لدخولها لإفريقيا، خاصة بأن الاقتصاد الفرنسي له علاقة تاريخية مع اقتصاد دول الساحل والدول الفرنكوفونية”.
تخللت العامين الماضيين توترات قوية للغاية بين المغرب وفرنسا، القوة الاستعمارية السابقة التي تعيش فيها جالية مغربية كبيرة.