بعد مرور نحو 7 أشهر على اندلاع الحرب في غزة ومع تزايد معاناة السكان من “مجاعة شاملة” ونزوح أكثر من 75 في المئة من سكان القطاع، تضج وسائل الإعلام الإسرائيلية والدولية بأخبار حول احتمال إصدار المحكمة الجنائية الدولية أوامر اعتقال ضد مسؤولين إسرائيليين كبار، بمن فيهم رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو.
مطلع هذا الشهر، أبلغ مسؤولون اسرائيليون صحيفة “نيويورك تايمز” أنهم يتوقعون أن تصدر المحكمة الجنائية الدولية مذكرات توقيف ضد أعضاء في الحكومة الإسرائيلية وربما رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو، في ما يتصل بإدارة العمليات العسكرية المدمرة التي شنتها إسرائيل في قطاع غزة ردا على هجوم غير مسبوق نفذته حماس في الأراضي الإسرائيلية في 7 أكتوبر.
وبحسب الصحيفة الأميركية فإن المحكمة الجنائية الدولية تدرس أيضا توجيه التهم إلى قادة من حركة حماس.
وعلى الرغم من أن أطرافا كثيرة، بما في ذلك في الولايات المتحدة، شككت في اختصاص المحكمة الجنائية الدولية ودعوها إلى التراجع، إلا أن المحكمة الجنائية الدولية لها الحق في الفصل في شرعية سلوك كل من إسرائيل وحماس في الحرب، وفقا لمجلة “فورن بوليسي” الأميركية.
ما هي المحكمة؟
تأسست المحكمة الجنائية الدولية عام 2002 للمحاكمة في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية والعدوان حين تكون الدول الأعضاء غير راغبة أو غير قادرة على الاضطلاع بذلك بنفسها.
وخلافا لمحكمة العدل الدولية، التي يقع مقرها أيضا في لاهاي وتفصل في مسؤولية الدول، فإن المحكمة الجنائية الدولية لا توجه الاتهام إلى دولة أو شعب ما.
ويمكن للمحكمة إجلاء الملاحقات في الجرائم التي يرتكبها مواطنو الدول الأعضاء أو التي ترتكبها أطراف أخرى على أراضي الدول الأعضاء، البالغ عددها 124 دولة.
في تعليق على احتمال صدور قرارات من المحكمة الجنائية الدولية قال نتانياهو إن أوامر الاعتقال المحتملة “ستضع إسرائيل في قفص الاتهام.”
لكن الرئيس السابق للمحكمة الجنائية الدولية شيلي إيبوي أوسوجي قال في مقابلة مع مجلة “فورين بوليسي” إن هذا الرأي خاطئ.
وأضاف أوسوجي أن “محاكمات المحكمة الجنائية الدولية تقتصر على مساءلة الأفراد ولن تدين دولة إسرائيل أو مواطنيها”.
السلطة القضائية
إسرائيل ليست عضوا في المحكمة ولا تعترف بولايتها القضائية، لكن الأراضي الفلسطينية أصبحت دولة عضوا فيها عام 2015.
وفي عام 2021، فتحت المحكمة تحقيقا رسميا في مزاعم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وقال المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان في أكتوبر العام الماضي إن للمحكمة سلطانا قضائيا على أي جرائم حرب يحتمل أن يكون مسلحو حماس ارتكبوها في إسرائيل أو ارتكبها إسرائيليون في قطاع غزة.
بالتالي يرى أوسوجي أنه “يمكن للمحكمة الجنائية الدولية محاكمة المسؤولين الإسرائيليين بتهمة التواطؤ في الجرائم التي يُزعم أن جنود جيش الدفاع الإسرائيلي ارتكبوها على الأراضي الفلسطينية”.
ويضيف أوسوجي أنه جرى “استخدام نفس المبدأ القانوني في حالة روسيا، وهي ليست عضو في المحكمة”.
ففي عام 2022، دعت مجموعة مكونة من 39 دولة، بما في ذلك فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة، المحكمة الجنائية الدولية إلى التحقيق في الغزو الروسي لأوكرانيا.
وأدى ذلك إلى إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لارتكابه جرائم حرب على الأراضي الأوكرانية، وهي خطوة أشاد بها الرئيس الأميركي جو بايدن.
ويبين أوسوجي: “سيكون من التناقض أن تقبل أي من هذه الدول اختصاص المحكمة الجنائية الدولية على المواطنين الروس ولا تقبله على مواطني إسرائيل”.
ماذا يعني صدور لائحة اتهام من المحكمة؟
على الرغم من أن الأمر لا يزال غير مؤكد، فمن المرجح أن أي أمر اعتقال من المحكمة الجنائية الدولية ضد المسؤولين الإسرائيليين سيتضمن تهمة استخدام التجويع كسلاح في الحرب في غزة.
ومع ذلك، فإن أوامر الاعتقال ولوائح الاتهام لا تعني أن الأشخاص المتهمين مذنبون بارتكاب الجرائم، بحسب أوسوجي.
“فبينما يجري تحقيق المحكمة الجنائية الدولية، سيتمتع المدعى عليه بافتراض البراءة طوال الوقت وسيُتاح له كل فرصة للدفاع عن نفسه”.
تنص لوائح المحكمة على أنه في نهاية المحاكمة، سيقرر القضاة الثلاثة، بالأغلبية، ما إذا كانت الأدلة التي قدمها المدعي العام ضد المدعى عليه تفي بمعايير الإثبات المطلوبة للإدانة.
في نهاية المطاف، واستنادا إلى التجارب السابقة للمحكمة الجنائية الدولية، فإن الإدانة لا تعني بالضرورة الاعتقال والمحاكمة الفورية.
على سبيل المثال لم يتم القبض على الرئيس السوداني المخلوع حسن البشير أو محاكمته حتى الآن، على الرغم من صدور أمر اعتقاله في عام 2009.
ولفترة طويلة، قبل الإطاحة به، ظل البشير يسافر إلى الدول الصديقة التي لم تقم باعتقاله، وكانت حجتهم في ذلك هي أن أعراف القانون الدولي تقضي بحصانة رؤوساء الدول.
لكن في عام 2019، ذكرت دائرة الاستئناف في المحكمة الجنائية الدولية بوضوح أنه لا توجد مثل هذه الحصانة فيما يتعلق بالقضايا المعروضة على المحاكم الدولية، وخاصة المحكمة الجنائية الدولية.
وبالتالي فإن المشكلة المباشرة التي يواجهها المسؤولون الإسرائيليون بموجب أي مذكرة اعتقال من المحكمة الجنائية الدولية هي أن الدول الأعضاء في المحكمة البالغ عددها 124 دولة ستكون ملزمة قانونا باعتقال هؤلاء المسؤولين إذا سافروا إلى أي من الدول الأعضاء.
ويقول أوسوجي إنه “لا ينبغي الاستهانة بهذا الالتزام، ففي العام الماضي مثلا، ألغى بوتين خططه لحضور قمة البريكس في جنوب أفريقيا، في ضوء التزام بريتوريا الواضح باعتقاله”.
وكانت المحكمة الجنائية أصدرت في مارس 2023 مذكرة اعتقال بحق بوتين بتهمة ارتكاب جريمة حرب تتمثل في ترحيل غير مشروع لمئات الأطفال من أوكرانيا.