قالت صحيفة “هآرتس” إن خطة غزة ما بعد الحرب التي كشف عنها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يوم الجمعة الماضية، عبارة عن قائمة غير قابلة للتطبيق من التصريحات الأحادية الجانب التي لا تستحق مراجعة جادة.
وأوضحت الصحيفة –في مقال للكاتب ألون بينكاس- أن الخطة التي جاءت بعد 140 يوما من الحرب ومن مطالبة الولايات المتحدة له كحليف، لا معنى لها؛ لأنها نفي لخطة الرئيس الأميركي جو بايدن، وهي قائمة من التصريحات التي تشكل سيطرة إسرائيلية مفتوحة على غزة دون أي جانب سياسي إيجابي، كما أنها غير قابلة للتطبيق.
الإطار الفوري
وتنقسم الوثيقة إلى 3 أطر زمنية، أولها “الإطار الزمني الفوري”، وينص على أن الشرط الأساسي للوصول إلى ما يسمى “اليوم التالي” هو أن تواصل القوات الإسرائيلية “الحرب حتى تتحقق أهدافها، أي تدمير القدرات العسكرية لحماس والجهاد الإسلامي والبنية التحتية الحاكمة؛ وإعادة الرهائن المحتجزين في غزة، ومنع أي تهديد لإسرائيل من قطاع غزة في المستقبل.
وهذا في حد ذاته -حسب الصحيفة- أمر منطقي ويروق للعقلية الإسرائيلية، ولكنه يتعارض مع الجدول الزمني والتسلسل الأميركي الذي يفترض أن صفقة الرهائن ستكون مصحوبة بوقف مؤقت ولكن طويل لإطلاق النار، كما يفترض أن تدمير حماس عسكريا وسياسيا أمر ممكن دون احتلال قطاع غزة بأكمله لفترة طويلة من الزمن.
والثاني هو “الإطار الزمني المتوسط”، وينقسم إلى مجالات أمنية ومدنية، ويتكون البعد الأمني من 5 نقاط، أولاها: أن تحافظ إسرائيل على حرية العمليات لزمن غير محدود في غزة، وهو ما يعني بالضرورة أن إسرائيل ستبقى في غزة لفترة غير محددة من الزمن.
والنقطة الثانية: هي إقامة مناطق عازلة ما دعت الاحتياجات والمتطلبات الأمنية إلى ذلك، أما الثالثة: فهي احتفاظ إسرائيل بصمام “الإغلاق الجنوبي” لمنع حماس من إعادة تسليح نفسها بالتعاون مع مصر والولايات المتحدة.
وحسب النقطة الرابعة: تكون لإسرائيل “السيطرة الأمنية على كامل المنطقة الواقعة غرب نهر الأردن”، دون تحديد ما يعنيه ذلك، ولكن الصياغة يُفهم منها منع أي سيادة فلسطينية، حتى في سياق الدولة الفلسطينية المستقبلية المنزوعة السلاح.
وأخيرا: أن يكون قطاع غزة “منزوع السلاح تماما”، وتتولى إسرائيل الإشراف على تلك المهمة، علما أن نزع السلاح موقف إسرائيلي ثابت ومتشدد منذ اتفاقيات أوسلو، ولكن حصر التنفيذ والإشراف على إسرائيل يعني إعادة احتلال إسرائيل لغزة.
المجال المدني
وفي الوقت نفسه، يشمل المجال المدني 4 مشاغل، أولها: أن ترتكز الإدارة المدنية والمسؤولية عن النظام المدني على “عناصر محلية ذات خبرة إدارية”، وهو ما فسّره الكاتب بالبحث عن مقاولين فلسطينيين من الباطن يعملون لصالح إسرائيل دون أي شرعية بين الفلسطينيين، ومن ثم تحمّل إسرائيل المسؤولية الكاملة.
والثاني: هو “إزالة التطرف”، وذلك بإقامة خطة لإزالة التطرف من المؤسسات الدينية والتعليمية والرعاية الاجتماعية في غزة، “بمشاركة ومساعدة الدول العربية ذات الخبرة المثبتة في تعزيز مكافحة التطرف”، وقد عدَّ هذه الفكرة هزلية ومنفصلة عن الواقع، متسائلا: كيف سيتم ذلك؟ وما الدول العربية التي لديها مثل هذا السجل؟ وهل ستفعل إسرائيل الشيء نفسه بالمقابل؟
أما المشغل الثالث: فهو أن تعمل إسرائيل على إغلاق وكالة غوث وتشغيل اللاجئين التابعة للأمم المتحدة (أونروا)، بحجة أن موظفيها تورطوا في أحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وتسعى إلى “استبدالها بوكالات رعاية اجتماعية دولية أخرى مسؤولة”.
تقييمات
ونبّه الكاتب إلى أن تقييمات الاستخبارات الأميركية تشكك في النتائج التي توصلت إليها إسرائيل حول ما يتعلق بتواطؤ وكالة الأونروا مع حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، مؤكدا أن إسرائيل لا تستطيع إغلاق الأونروا.
أما المشغل الأخير: فهو أن “عملية إعادة إعمار غزة لن تبدأ إلا بعد الانتهاء من عملية نزع السلاح، والبدء في عملية اجتثاث التطرف، وسيتم إجراؤها وتمويلها من دول مقبولة لدى إسرائيل”.
وهذا يعني –حسب الكاتب- أن ذلك لن يتم أبدا، ويشير إلى أن إسرائيل ليس لديها أي نية لمغادرة غزة، كما أنها تأمر بكل غطرسة الدول الراغبة في تمويل إعادة الإعمار بانتظار الضوء الأخضر الإسرائيلي.
وعلّق الكاتب بأنه ليست هناك دول عربية ولا غيرها ترغب في إنفاق المليارات، كما أن الشرط الوحيد الذي تطرحه السعودية وقطر والإمارات هو إنشاء دولة فلسطينية في نهاية المطاف، وهو أمر لا ترغب إسرائيل أخذه في الاعتبار.
المدى الطويل
أما الرؤية الطويلة المدى، التي توصف بأنها “قواعد أساسية للتسوية المستقبلية”، فهي عبارة عن إعلانين مأخوذين من بيان الحكومة الأسبوع الماضي، أولهما أن إسرائيل ترفض “الإملاءات الدولية الظاهرة حول ما يتعلق بالتسوية النهائية مع الفلسطينيين. ولا يمكن التوصل إلى اتفاق إلا من خلال المفاوضات المباشرة بين الجانبين دون شروط مسبقة”.
وهذا –حسب الكاتب- تلاعب من نتنياهو؛ لأنه رفض التفاوض مع الفلسطينيين عقدا من الزمن، كما أنه لا توجد “إملاءات” دولية، أما أنه “لا توجد شروط مسبقة” فالوثيقة بأكملها حتى الآن قائمة من الشروط والإملاءات الإسرائيلية المسبقة.
أما الإعلان الثاني فهو أن “إسرائيل سوف تستمر في معارضة الاعتراف الأحادي الجانب بالدولة الفلسطينية، وقد أعربت أكثر من 100 دولة بالفعل عن نيتها الاعتراف بالدولة الفلسطينية، فإسرائيل هي التي تعارضها بشكل أحادي، حتى لو كان ذلك لأسباب وجيهة، حسب الكاتب.
وخلص الكاتب إلى أن نتنياهو مع تدني شعبيته وشعبية ائتلافه الحاكم، قد تكون مقامرته الأخيرة هي اختراع “أزمة الدولة الفلسطينية” ومواجهة الولايات المتحدة، هذا هو ما تدور حوله الخطة “غير المخططة”، مما يثبت بشكل قاطع عدم وجود خطة على الإطلاق.