نقل الإعلام الأميركي عن كتاب للصحفي بوب وودوارد، سيصدر الأسبوع المقبل، أن الرئيس جو بايدن، وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بـ”الوغد والرجل السيئ” خلال جلسة خاصة مع أحد مساعديه، ربيع العام الجاري.
هذا الوصف الذي أطلقه بايدن على شريكه الإسرائيلي يصلح مدخلا لرسم صورة قلمية عن “بيبي” الفتى الذي نشأ في عائلة متعصبة وأصبح رأسا لما يسمى “الدولة اليهودية”. وسندخل إلى نفسية رئيس الحكومة الإسرائيلية عبر التأمل بقصص غريبة، مثل حمله لغسيله الوسخ من إسرائيل إلى الولايات المتحدة ليُغسل على نفقة البيت الأبيض، إذ تفتح تفاصيل صغيرة كهذه نافذة على جوانب مثيرة وغير متوقعة من نفسيته، وتعكس الأبعاد النفسية والثقافية لشخصيته.
يحمل غسيله الوسخ بحقيبته الدبلوماسية
في عالم السياسة، حيث تركز الأضواء عادة على المواقف الكبرى والأزمات الدولية، قد تبرز تفاصيل صغيرة لتلقي ضوءاً مختلفاً على سياسي بحجم رئيس وزراء. ففي زيارته إلى واشنطن، فإن أحد الزعماء الأكثر جدلاً بالشرق الأوسط حمل معه شيئاً غير متوقع: غسيله الوسخ. نعم، هذه ليست مجرد شائعة، بل حقيقة أكدها مسؤولون أميركيون. وكل مرة يزور فيها الولايات المتحدة، يقوم نتنياهو بإرسال ملابسه المتسخة لغسلها على حساب البيت الأبيض.
وفي عالم الدبلوماسية، قد يبدو هذا التفصيل طريفاً أو غريباً، لكنه يعكس جانباً شخصياً في حياة نتنياهو، السياسي الذي يجمع بين الشراسة والبراغماتية، وبين اهتمامه بالتفاصيل الصغيرة في حياته اليومية، إلى درجة أن يغسل غسيله على نفقة حكومة أجنبية.
ولكن هذه القصة لا تقف عند حدود الطرافة، بل ربما تثير تساؤلات حول كيف يرى نتنياهو نفسه وعلاقته بالقوى العالمية الكبرى. هل هي مجرد عادة بريئة أم رمز لطموحه الدائم لتحقيق مكاسب شخصية، صغيرة كانت أم كبيرة، في كل مجال؟
وبالنسبة لبعض النقاد، قد يُنظر إلى هذه القصة على أنها نموذج لطريقة تعامل نتنياهو مع السلطة والثقة الزائدة التي تتخطى الحدود، ليس فقط في ميدان السياسة بل حتى في أمور بسيطة كالغسيل. أما مؤيدوه، فقد يرون في الأمر مجرد جانب إنساني يُظهر أنه حتى أقوى القادة لديهم حاجات عادية.
الزعيم الذي يجمع الزجاجات الفارغة
بالانتقال من هذا التفصيل الشخصي، يمكننا الغوص في تفاصيل أعمق حول شخصية نتنياهو، فمن بين القصص المثيرة للجدل التي تحيط بحياة رئيس الحكومة الإسرائيلية، تبرز قصة غريبة تعكس جانباً آخر من أسلوب حياته مع زوجته سارة. ففي عام 2013، تم الكشف عن أن نتنياهو وزوجته جمعا زجاجات فارغة من مقر إقامتهما الرسمي، وباعاها للاستفادة من ثمنها، وهو أمر قد يبدو بسيطاً أو عادياً بالنسبة للكثيرين، لكنه أثار ضجة كبيرة في إسرائيل.
وبدأت القصة عندما تقدم موظف سابق في مقر إقامة رئيس الوزراء بشكوى حول ممارسات عائلة نتنياهو فيما يتعلق بالزجاجات الفارغة. ووفقاً لهذه الشكوى، كان نتنياهو وزوجته يجمعان الزجاجات الفارغة من مشروبات الاستقبال والمناسبات الرسمية، ومن ثم يقومان ببيعها لإعادة تدويرها والاستفادة من المبلغ المالي المتواضع الناتج عن ذلك.
والمثير في الأمر أن هذه الزجاجات لم تكن شخصية يستخدمها نتنياهو وعائلته، بل زجاجات تم شراؤها على حساب الدولة، واستخدمت في مناسبات رسمية بمقر إقامة رئيس الوزراء. ووفقاً للقوانين الإسرائيلية، كان من المفترض أن تتم إعادة أثمانها إلى خزينة الدولة، وليس إلى جيوب العائلة الأولى.
ثمن بخس لكنه أزمة كبيرة
ما جمعه الزوجان نتنياهو من بيع الزجاجات الفارغة كان لا يتجاوز آلاف الشواكل، وهو مبلغ زهيد بالنسبة لرئيس حكومة وزوجته، ولكنه أثار غضباً شعبياً واسعاً. والقضية تمثل رمزاً للتناقض بين حياة الفخامة التي يعيشها نتنياهو على حساب الدولة وبين الجهود الصغيرة التي بذلتها عائلته للاستفادة حتى من الموارد الصغيرة مثل الزجاجات الفارغة.
وفي النهاية، اضطر نتنياهو إلى إعادة المبلغ الذي جمعه من بيع الزجاجات الفارغة، وقد ألقى باللوم على سوء الفهم، مشيراً إلى أن الموضوع كان مجرد خطأ إداري. ولكن بالنسبة للكثير من الإسرائيليين، كانت هذه القصة تعبيراً عن استغلال للمال العام، ولو على نطاق صغير، وقد أضافت إلى صورة نتنياهو كشخص يسعى دوماً لتحقيق مكاسب، مهما كانت بسيطة.
التعاون الزوجي خلف الأبواب المغلقة
إلى جانب الجدل المالي، عكست القصة جانباً من الشراكة الوثيقة بين نتنياهو وزوجته. وكل مرة يتم ذكر نتنياهو في وسائل الإعلام، تبرز سارة شريكة حقيقية في جميع جوانب حياته، من السياسة إلى الأمور الشخصية. وجمع الزجاجات وبيعها ربما كان يعكس تواطؤاً داخلياً بينهما في محاولة للاستفادة من كل مورد ممكن، حتى وإن كان بسيطاً.
وهذه القصة تكسر صورة نتنياهو كسياسي يصفونه بأنه بارع كما يحاول أن يظهر نفسه في الإعلام، بل إنها تكشفه كشخص يمكن أن ينخرط في ممارسات تبدو غريبة وغير متوقعة، وكأن هناك جانباً من شخصيته يميل إلى الاقتصاد أو التقتير حتى في التفاصيل الدقيقة.
النظر بعمق في عائلة متعصبة
تربى نتنياهو في عائلة تنتمي إلى التيار اليميني المتطرف في المجتمع الإسرائيلي. والده بنتسيون نتنياهو كان مؤرخاً مشهوراً ومؤيداً قوياً للصهيونية، وقد نقل إليه هذا الإرث من القيم. وهذه النشأة في بيئة مليئة بالأفكار القومية المتشددة قد زرعت فيه شعوراً بالاستحقاق، حيث نشأ في وسط يركز على الهوية المحصنة وقضية البقاء في وجه التحديات التاريخية.
وهذا التعصب العائلي قد يعكس أفكاراً عميقة الجذور حول الدين والقومية، والتي تطورت في ذهن نتنياهو لتصبح جزءاً من هويته الشخصية. فمنذ صغره، تلقى تعليماً يؤكد أهمية وجود إسرائيل كدولة يهودية، ويشدد على التهديدات المحتملة من جيرانه. وهذا الشعور بالتهديد قد يكون سبباً رئيسياً في تبني نتنياهو مواقف عدائية تجاه الفلسطينيين والدول العربية، مما يفسر حذره المفرط ونزعته العسكرية.
وتسببت توجهات عائلته اليمينية المتطرفة في تشكيل رؤيته السياسية، حيث أصبح نتنياهو رمزاً للسياسات القومية المتطرفة. فعندما اعتلى السلطة، تبنى سياسات تدعم الاستيطان بالأراضي الفلسطينية وتستبعد أي حوار جدي مع الفلسطينيين، متأثراً بفكر عائلته الذي يفضل القوة العسكرية وسيلة لتحقيق الأهداف السياسية.
وفي سياق سلوكه الشخصي، يمكن رؤية أثر هذه الخلفية في حبه للاستفادة من الموارد، حتى وإن كانت بسيطة. ويمكن لشعور الاستحقاق والتعصب الذي نشأ فيه أن يفسر لماذا لا يرى في تصرفاته -مثل بيع الزجاجات الفارغة أو غسل ملابسه على حساب دولة عظمى- شيئاً غير عادي أو مرفوض، بل يعتبرها وسائل طبيعية لتحقيق مكاسب حتى وإن كانت ضئيلة.
الصراع الداخلي والتناقضات
يمكن اعتبار خلفية نتنياهو العائلية عاملاً يساهم في التناقضات التي يحملها. فهو يتنقل بين كونه زعيماً قومياً يدافع عن مصالح إسرائيل واعتقاداته الشخصية التي قد تبدو في بعض الأحيان صغيرة أو تافهة. وقد يكون هذا الصراع الداخلي ناتجاً عن قيم نشأ عليها، حيث يُتوقع منه أن يكون نموذجاً للقائد القوي، بينما تظهر تصرفاته الشخصية جوانب أخرى من شخصيته، يبدو معها وكأنه الرجل العادي الصغير والتافه.
ولم تُعزز عائلة نتنياهو فقط من توجهاته السياسية، بل أيضاً من أسلوب قيادته. إذ يُظهر أسلوبه في الحكم نزعة قوية إلى السيطرة والسلطة، مما قد يكون مستمدّاً من قيادته العائلية. فشخصية تتربى في بيئة تعزز القوة والهيمنة قد تجد صعوبة في تبني أساليب أكثر مرونة أو تعاونية، بل ويجد طبيعيا أن يتكسب من كل شيء حواليه ما دام أنه يعيش ضمن “السور الواقي” في أعلى قمة السلطة.
وإجمالاً، يمكن القول إن تأثير نشأة نتنياهو في عائلة متعصبة يلقي الضوء على سلوكياته وتوجهاته السياسية. فالتعصب والهوية القومية القوية التي غُرست فيه منذ الطفولة تعكس العديد من الجوانب المثيرة للجدل في شخصيته، من سياساته الخارجية إلى ممارساته الشخصية. وهذه التأثيرات العائلية تعكس وجود صراع داخلي مستمر بين صورة الزعيم القوي وبين التصرفات التافهة التي تبدو متناقضة مع تلك الصورة. وكل هذا ربما يجعل منه “وغدا وسيئا” إذا استعرنا تعبيرات الرئيس الأميركي.