لم يتوقع الصحفي في شبكة “سي.أن.أن” إبراهيم دهمان (36 عاما) أن يكون “جزءا من القصة”. فبعد أن كان يسرد قصص الآخرين في قطاع غزة لتنقلها الشبكة الأميركية للعالم، بات هو وأسرته القصة ذاتها.
في مقطع فيديو، يروي الصحفي، الذي نشأ في حي الرمال بمدينة غزة ويعمل مع “سي.أن.أن” منذ فترة طويلة، قصة نزوحه مع آخرين من الحي إلى الجنوب بعد الإنذار الإسرائيلي لسكان القطاع، ليجبر على الفرار مع زوجته وطفليه تاركين وراءهم منزلهم وأحباءهم وحياتهم كلها.
ويعتقد أن حوالي 500 ألف شخص غادروا شمال غزة إلى الجنوب بعد تحذير الجيش الإسرائيلي، يوم الجمعة، وفقا لآخر التقديرات الإسرائيلية.
“I don’t have anywhere else to go.”
Ibrahim Dahman is a CNN journalist in Gaza and sent this first person account of what life is like right now in Gaza.
“I know deep down no building is safe.” pic.twitter.com/BbokUQCP6K
— Christiane Amanpour (@amanpour) October 16, 2023
ويظهر دهمان في الفيديو وهو يقود سيارة برفقة أفراد أسرته، بينما تتساقط قذائف القصف الإسرائيلي في مناطق قريبة من السيارة ويتصاعد دخان المباني المقصوفة في الأرجاء القريبة والبعيدة.
كان الصحفي يحاول “الهرب إلى بر الأمان” بعد أن ترك منزله ومكتب “سي.أن.أن” الذي يعمل فيه في حي الرمال. ويسمع في الفيديو وهو يقول: “ابني يشعر بالرعب، وأقول له لا تخف يا بني. لكن في الحقيقة أنا خائف جدا”.
ويقع المكتب في مبنى بحي الرمال وكان بمثابة ملاذ أمان لدهمان باعتبار أن المبنى يضم العديد من المؤسسات الإعلامية ويقع في أحد المناطق الهادئة، لكن بحلول يوم الاثنين، لم تكن الأمور هادئة للغاية، وكان “يرى ويسمع أصوات الانفجارات والدخان من المكتب”.
وفي ذلك الوقت، دعا الجيش الإسرائيلي السكان في المنطقة المجاورة إلى الإخلاء.
وذهب دهمان إلى منزله مسرعا وكان يتوقع أن يعمل عن بعد من هناك، وبعد الاحتماء لبضع ساعات، بدأ يرى الدخان والغبار خارج نوافذ شقته، وعلى الفور، عبأ الملابس والأطعمة المعلبة والمياه المعبأة في حقائب السفر، وتوجهت الأسرة إلى فندق قريب، لتبدأ رحلة النزوح.
في الفندق سأله ابنه زيد، البلغ 11 عاما: “لكنهم لا يضربون الفنادق، أليس كذلك؟”، فأجاب الأب: “لا يضربون الفنادق، لا” في محاولة لطمأنة طفله، لكنه كان يعلم في قرارة نفسه أنه “لا يوجد مكان آمن. أشاهد الغارات الجوية من نافذة الفندق، وصوت الانفجارات يبقينا مستيقظين في الليل” كما يقول في الفيديو بينما تسمع أصوات الانفجارات في الخلفية.
في اليوم الثالث من بقائه في الفندق، شاهد برجا سكنيا مجاورا بعد تعرضه للقصف، وصُدم دهمان عندما شاهد ابن عم أبيه من بين المصابين، وفي تلك اللحظة، أدرك أنه ينبغي عليه الرحيل.
ويقول في الفيديو: “كانت الغارات الجوية على الأبراج السكنية عنيفة للغاية. لم أكن أتوقع أنني سأكون على قيد الحياة. كانت تلك لحظات صعبة للغاية لأن زوجتي في شهرها الثاني من الحمل، وكنت أخشى أن يحدث لها مكروه”.
ومع صعوبة الوضع في الفندق، اتجهت الأسرة جنوبا، نحو خان يونس، مع آلاف آخرين اضطروا إلى سلك طرق الإخلاء استجابة للتحذير الإسرائيلي.
وبأقصى سرعة ممكنة، وضعوا ما استطاعوا جمعه من أمتعة في سيارتهم التي تحطمت نوافذها الخلفية بسبب الانفجارات وتضررت إحدى عجلاتها، ولاذوا بالفرار.
ويقول دهمان في الفيديو: “بعد ثوان من مغادرتنا الفندق، أطلقوا صاروخا أو قنبلة ألحق أضرارا جسيمة بالمنطقة بأكملها”.
وبعد رحلة استمرت نحو الساعة، وصلت الأسرة أخيرا إلى منزل أحد الأقارب في خان يونس.
ورغم استمرارا الضربات الجوية، إلا أنهم يشعرون بالأمان أكثر هناك، ويأمل الصحفي في العودة إلى منزله وحياته السابقة يوما ما.
ومع انتقال الآلاف إلى جنوب غزة، حذرت الأمم المتحدة من وجود “قدرة محدودة للغاية” في انتظارهم.
ويتجمع مئات الآلاف المدنيين قرب الحدود مع مصر، بعد أن قطعت إسرائيل إمدادات المياه والكهرباء والغذاء عن القطاع.
وبحسب مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، فإنه حتى الآن “يوجد حوالي 400 ألف نازح في مواقع مختلفة”، بما في ذلك مباني وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا).
وحذّرت المفوضية إسرائيل، الثلاثاء، من “الترحيل القسري للمدنيين” في غزة، قائلة إن الإخلاء المؤقت يجب أن يخضع لشروط من بينها توفير السكن.
ويعاني سكان قطاع غزة البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة من انقطاع الكهرباء، الأمر الذي يضع الخدمات الطبية وإمدادات المياه على حافة الانهيار، فيما ينفد الوقود الضروري لتشغيل مولدات الكهرباء في المستشفيات.
وقالت منظمة الصحة العالمية، الثلاثاء، إنها بحاجة إلى الوصول بشكل عاجل إلى غزة لتوصيل المساعدات والإمدادات الطبية.