ميديا بارت: دافوس.. اللعبة انتهت

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 6 دقيقة للقراءة

كل كبار هذا العالم كانوا هناك كالعادة، ولكن المنتدى الاقتصادي العالمي الـ54 ترك في الأذهان صورة لعالم يدور في حلقة مفرغة، حيث لم يعد دافوس “الجبل السحري”، بل أصبح أكثر فأكثر أشبه بمصحة معزولة عن كل شيء.

بهذه المقدمة افتتح موقع ميديا بارت تقريرا لمارتين أورانج نبهت في مستهله إلى أن منظمي المنتدى الـ54 كانوا يشعرون بأنه لم يكن في وسعهم تحقيق ما سعوا إليه، إذ جاء العنوان “إعادة بناء الثقة” في وقت يهتز فيه العالم بسبب الحروب والأزمات الجيوسياسية والتوترات الاقتصادية والاجتماعية غير المسبوقة، وكأن هناك حاجة ملحة لمحاولة استعادة السيطرة على الموضوع لكي يبدو كما لو أن المنتدى يوجه الأمور.

وفي ختام هذا الحدث -الذي يجمع كل عام في القرية السويسرية الصغيرة الزعماء السياسيين والمصرفيين والرؤساء وجماعات الضغط وكبار الممولين على هذا الكوكب- يهيمن هذا العام انطباع واحد، وهو أن خطابات “الكبار” في هذا العالم أصبحت تدور في حلقة مفرغة، حتى أن الصحافة المالية الدولية -التي عادة ما تخصص قدرا هائلا من المساحة لهذا الحدث- تراجعت عن ذلك كما لو كان لدى الجميع شعور بأن ما هو أساسي يحدث في مكان آخر.

تراكم غير مسبوق

ومع ذلك، لم يكن هناك شيء مفقود لضمان أن يكون العرض كبيرا، فكالعادة اصطفت مئات الطائرات الخاصة وكان نجوم اللحظة حاضرين أيضا في الحفل، لكن الاهتمام كان فقط من قبل مجلات المشاهير، كما ترى الكاتبة.

وقد نشرت منظمة أوكسفام غير الحكومية -كما هو الحال في كل عام- قبل بضعة أيام من المؤتمر تقريرا جديدا عن الثروات العظيمة في العالم، حيث زادت ثروة المليارديرات بمقدار 3.3 تريليونات دولار منذ عام 2020، أي بوتيرة أسرع بـ3 مرات من التضخم، واستولوا على ما يقارب 70 يورو من أصل كل 100 يورو  يتم إنتاجها، وتركوا الفتات لبقية العالم.

وأظهر التقرير أن نسبة 1% تمتلك 48% من إجمالي الأصول المالية العالمية، مشيرا إلى أنه إذا لم يتغير شيء فسيمتلك واحد أو أكثر من المليارديرات ثروات تتجاوز عتبة الألف مليار دولار، أي ما يعادل الناتج المحلي الإجمالي لـ80% من دول العالم، وذلك خلال عقد واحد على أبعد تقدير.

وفي مواجهة هذه الأرقام التي تظهر تراكما غير مسبوق للثروة واتساعا غير مسبوق في فجوة التفاوت ووضع الثروات الخاصة في منافسة مباشرة مع الدول لم يحاول المشاركون في دافوس الرد على ذلك، وهم يدركون أن العولمة السعيدة والمنافسة الجامحة التي ظل دافوس يروج لهما بلا كلل لأكثر من 30 عاما لا تصمدان أمام اختبار الواقع.

إيمان أعمى بالحلول التكنولوجية

ورغم كل شيء فإن الممثلين تقدموا إلى المنصة في محاولة لرسم المستقبل، لكن برامجهم لا تتغير، مثل كلاوس شواب على رأس إدارة دافوس رغم أنه بلغ 86 عاما، لأن الجميع يسعون جاهدين وبكل الطرق الممكنة إلى الحفاظ على النفوذ الهائل الذي اكتسبوه على مدى العقود الثلاثة الماضية، وفرضوا به أيديولوجيتهم ونظرياتهم وإراداتهم على جميع الحكومات.

وفي الاستجابة للتحديات المتعددة ولمواجهة “الأزمة المتعددة الوجه” -على حد تعبير الخبير الاقتصادي آدم توز- فإن هؤلاء حتى وإن لم يعلنوا ذلك يؤيدون تحولا غير ليبرالي على نحو متزايد يتسم بزيادة لا حدود لها في الدفاع والإيمان الأعمى بالحلول التكنولوجية.

لقد كان زعماء هذا العالم على قناعة منذ فترة طويلة بأن التكنولوجيا ستكون الحل لتغير المناخ، والانحدار في الإنتاجية في الاقتصادات الغربية ولكل المشاكل الأخرى التي قد تنشأ.

وبعد أن تجاوزتهم سرعة الابتكارات والمناقشات التي تجلت بشكل خاص في الأزمة التي شهدتها “قمة الذكاء الاصطناعي المفتوحة” قرروا الاستفادة من دافوس للحاق بالركب.

وقد أعيد تعيين سام ألتمان رئيسا للمجموعة المؤسسة لـ”شات جي بي تي” وتم الترحيب به كمعلم، وأوضح ألتمان أمام الجمهور “أن المخاوف بشأن الذكاء الاصطناعي لها ما يبررها، ولكنها بلا شك مبالغ فيها”.

وأضاف أن الذكاء الاصطناعي بعيد عن الكمال، ولا يزال فيه العديد من المناطق الرمادية والعيوب، ولكنه مع ذلك يرى أننا يجب أن نقبل اتخاذ قرارات “غير مريحة”.

الشيء الوحيد المؤكد بالنسبة لألتمان -حسب الموقع- هو أن هذه المناطق الجديدة لا ينبغي تنظيمها تحت أي ظرف من الظروف أو على الأقل ليس في الوقت الحالي، لأن التطورات حديثة للغاية إلى الحد الذي لا يسمح بوضع حدود من شأنها أن تقيد الابتكار، وهذا ما وافق عليه المشاركون الذين يعتبرون كل تنظيم عائقا أمام الحرية.

خافيير ميلي

وفي هذا المجال، تدخل الرئيس الأرجنتيني الجديد خافيير ميلي -الذي حضر اجتماعا دوليا للمرة الأولى، وألقى خطابا جامحا مكررا كل بدعه التحررية حسب الكاتبة- “أنا هنا لأن الغرب في خطر، لأن القيم التي يتم الدفاع عنها حاليا تؤدي حتما “نحو الاشتراكية والفقر”، وهاجم الحركة النسوية والبيئة والقوانين الاجتماعية وقانون العمل وأشياء أخرى كثيرة، متبنيا الشعار القديم لليبرالية الجديدة.

وقال إن “الدولة ليست الحل أو حتى المشكلة، إنها العدو الذي تجب هزيمته”، ولكن الجمهور كان محرجا من خطاب ميلي لأنه رفع مرآة مشوهة إلى درجة الكاريكاتير للخطب والملاحظات التي أدلوا بها على مدى العقود الماضية.

وبالنسبة إلى معظم هؤلاء الرؤساء وهؤلاء المصرفيين وهؤلاء الممولين لم يكن الأمر في النهاية يتعلق بحرمان أنفسهم من الدولة، بل على العكس من ذلك التصرف بطريقة يتم من خلالها توجيه جميع الموارد العامة نحو مصالحهم، وقد أدت فترة “كوفيد-19” وأزمة الطاقة والتضخم والحروب في أوكرانيا والشرق الأوسط إلى تعزيز حركة الاستيلاء هذه، وهم يريدون تضخيمه.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *