تنطلق فعاليات الدورة الـ٧٧ لمهرجان كان السينمائي في الفترة ما بين ١٤-٢٥ مايو/ أيار، ويجتذب المهرجان أهم صناع السينما حول العالم، لكن على مدى سنين كثيرة اقتصر الحضور العربي على المشاهدة والمتابعة، مع استثناءات قليلة، نذكر منها فوز فيلم “وقائع سنوات الجمر” للمخرج الجزائري محمد لخضر حامينا بالسعفة الذهبية لأفضل فيلم في المسابقة الرسمية عام ١٩٧٥، وتكريم المخرج المصري يوسف شاهين بجائزة عن مجمل أعماله في عام ١٩٩٧.
تغير الحال في السنين الماضية، وزاد عدد الفائزين العرب، فحصدت اللبنانية نادين لبكي جائزة لجنة التحكيم في المسابقة الرسمية عن فيلمها “كفر ناحوم” في ٢٠١٨، ثم حظي المخرج الفلسطيني إيليا سليمان بتنويه خاص من لجنة التحكيم في المسابقة الرسمية عن فيلمه “إن شئت كما في السماء” في عام ٢٠١٩.
وفي ٢٠٢٣، فاز المخرج المغربي كمال لزرق بجائزة لجنة التحكيم في مسابقة “نظرة ما”، وتوجت المخرجة المغربية أسماء المدير في نفس المسابقة بجائزة أفضل مخرجة عن فيلمها “كذب أبيض”، وتقاسمت أسماء المدير مع المخرجة التونسية كوثر بن هنية عن فيلمها “بنات ألفة” جائزة “العين الذهبية” لأفضل وثائقي في المهرجان.
كل هذا الزخم يبشر باستمرار المشاركات العربية التي لا تكتفي بالتمثيل المشرف في المهرجان فحسب، فكيف تتبلور المشاركات العربية هذا العام إذن؟ وما هي الأفلام التي يتطلع الجمهور العربي لرد الفعل عليها داخل المهرجان؟
نادين لبكي.. صوت عربي في لجان التحكيم
تغيب الأفلام العربية هذا العام عن المسابقة الرسمية لمهرجان كان، لكن العرب حاضرون في لجنة تحكيم المسابقة من خلال المخرجة اللبنانية نادين لبكي.
تجمع هذه اللجنة أيضا أسماء شهيرة عالميا، تترأسها المخرجة الأمريكية “غريتا غيرويج”، ومعها المؤلفة والمصورة التركية “إبرو جيلان” التي شاركت في كتابة فيلم “البيات الشتوي” (Kis Uykusu) المتوج بسعفة “كان” في 2014.
ومن أعضاء اللجنة أيضا الممثلة الأمريكية “ليلي غلادستون”، والفرنسية “إيفا جرين”، والمخرج الياباني “هيروكازو كوريدا” الذي نال السعفة الذهبية في “كان” عام 2018، والمخرج الإسباني “خوان أنتونيو بايونا”، والممثل الإيطالي “بيير فرانشيسكو فافينو”، والممثل الفرنسي “عمر سي”.
يستمر الحضور العربي في لجنة تحكيم قسم “نظرة ما” أيضا، بوجود المخرجة المغربية أسماء المدير في اللجنة، ويترأسها المخرج الكندي “زافير دولان”، وتضم أيضا المخرجة السنغالية الفرنسية “ميمونة دوكور” والممثلة اللوكسمبورغية “ڤيكي كريبز”، والممثل الأمريكي “تود مكارثي”.
أما لجنة تحكيم مسابقة الأفلام القصيرة، فتترأسها الممثلة المغربية البلجيكية لبنى أزابال، التي شاركت في بطولة الفيلم المغربي “القفطان الأزرق” ضمن مسابقة “نظرة ما” في “كان” ٢٠٢٢، وتضم لجنة الأفلام القصيرة أيضا المخرجة الفرنسية “ماري كاستيل”، والإيطالي “باولو موريتي”، والصربي “فلاديمير بيرسيش”، والفرنسية “كلودين نوجاريه”.
“القرية المجاورة للجنة”.. عائلة تواجه عواصف الحياة بالصومال
مثلما حضر العرب بقوة في مسابقة “نظرة ما” العام الماضي بفيلم “عصابات” و”كذب أبيض”، يستمر الحضور القوي هذا العام أيضا، من خلال الفيلم الصومالي “القرية المجاورة للجنة” للمخرج “مو هاراوي”.
هذا الفيلم هو فيلمه الروائي الأول له بعد إخراجه 4 أفلام قصيرة، شارك بها في مهرجانات عدة، أهمها “برليناله” و”لوكارنو”، وفاز عن أحدها بجائزة التانيت الذهبي لأفضل فيلم قصير من مهرجان قرطاج السينمائي الدولي عام 2021.
تدور أحداث فيلم “القرية المجاورة للجنة” حول عائلة في قرية صومالية عاصفة، ويجب عليها التنقل بين تطلعاتها المختلفة، والعالم المعقد المحيط بها، وما يصاحب ذلك من مشاعر الحب والثقة والمرونة، لدعم أفرادها خلال مسارات حياتهم.
“نورة”.. قصة مدرس وفنان سعودي في قرية نائية
الفيلم العربي الثاني المنتظر في مسابقة “نظرة ما” هو الفيلم السعودي “نورة”، وهو الفيلم الروائي الطويل الأول أيضا للمخرج السعودي توفيق الزايدي، ويمثل من خلاله خطوات جديدة للسينما السعودية.
تدور أحداث فيلم “نورة” في قرية سعودية نائية في التسعينيات، حيث يصل مدرّس وفنان سابق للقرية، في زمن كانت الفنون فيه شبه محظورة داخل المجتمع السعودي، ويرصد الفيلم ما يواجه المدرس في القرية من مشكلات التواصل مع السكان والاختلاف الثقافي.
“الجميع يحب تودا”.. مغنية تحاول الهجرة إلى أضواء الدار البيضاء
تواصل السينما المغربية ألقها في مهرجان “كان” بعد نجاحات العام الماضي، حيث يشارك فيلم “الجميع يحب تودا” للمخرج المغربي نبيل عيوش ضمن قسم “كان بريميير”، الذي يجمع عروضا أولى لأفلام يضعها المهرجان في نقطة الضوء.
اسم المخرج نبيل عيوش هو اسم معتاد في “كان”، وتعد هذه مشاركته الرابعة في المهرجان. وتدور أحداث الفيلم عن مغنية مغربية تدعى “تودا”، تحاول أن تترك بلدتها، وأن تتجه لأضواء مدينة الدار البيضاء.
“رفعت عيني للسما”.. مسرحيات عن النساء في الريف المصري
هناك أسماء أخرى واعدة تظهر في فعاليات مسابقة “أسبوع النقاد”، التي يشارك فيها الفيلم المصري الوثائقي “رفعت عيني للسما”، من إخراج ندى رياض وأيمن الأمير.
تدور أحداث الفيلم عن فريق مسرحي مكون من نساء إحدى قرى محافظة المنيا في صعيد مصر، ومسرحياتهم التي تدور عن حياة النساء اليومية في الريف المصري.
“شرق 12”.. استعادة تراث سينما الأبيض والأسود في مصر
هناك فيلم آخر منتظر بشدة ضمن المشاركات العربية في “كان”، وهو فيلم “شرق 12” بالأبيض والأسود للمخرجة المصرية هالة القوصي، وتستعيد فيه المخرجة تراث سينما عصر الأبيض والأسود في مصر.
يُعرض الفيلم في فعاليات “نصف شهر المخرجين”، ويضم في فريقه الممثلة المصرية منحة البطراوي التي فازت بجائزة أفضل ممثلة من مهرجان دبي السينمائي، في تعاونها السابق مع المخرجة هالة القوصي بفيلم “زهرة الصبار” (2017).
وكانت منحة البطراوي قد شاركت المرة الأولى في “كان” منذ 36 عاما، من خلال فيلم “سرقات صيفية” للمخرج المصري يسري نصر الله.
“أرض مجهولة”.. لاجئ يسعى خلف حقوقه المنهوبة في أثينا
بنفس القدر من الترقب ننتظر في فعاليات “نصف شهر المخرجين” فيلم “إلى أرض مجهولة” للمخرج الفلسطيني مهدي فليفل، وتدور أحداثه حول لاجئ فلسطيني يحاول أن يستعيد حقوقه من أحد المهربين في العاصمة اليونانية أثينا.
يحظى المخرج فليفل بمسيرة سينمائية جيدة، فقد فاز في 2016 بالدب الفضي في مهرجان برلين، عن فيلمه القصير “رجل عائد”، ثم رُشح لجائزة “البافتا” عام 2018 عن فيلمه القصير “رجل غارق”، وقد عُرض أيضا ضمن منافسات مهرجان “كان”.
وكان فليفل قد أثبت وجوده، بوصفه أحد الأسماء الفلسطينية المهمة على المستوى السينمائي، منذ فيلمه الوثائقي المميز “عالم ليس لنا” (2012)، وقد نقل لنا فيه حكاية ثلاث أجيال من اللاجئين الفلسطينيين في مخيم عين الحلوة جنوب لبنان.
بين السينما والحرب.. هل يعيد السينمائيون العرب التاريخ؟
يبقى التحدي الأهم لصناع السينما العرب في “كان” 2024، سواء في لجان التحكيم أو ضمن الفعاليات المختلفة، هو نقل الصوت العربي الجريح، بسبب ما يحدث في غزة والصمت العالمي الرسمي تجاهه، مع الاستمرار في الحفاظ على التزاماتهم الفنية.
يبدو المتابعون في العالم العربي وحول العالم مترقبين للخطابات السياسية، التي قد تخرج ضمن فعاليات المهرجان، ويأمل الجميع أن تنتهي الحرب قبل أن يبدأ.
وقد شهد المهرجان نفسه تاريخيا خطابات سياسية، أشهرها ما حدث في عام 1968 من إيقاف فعاليات المهرجان، تضامنا مع مظاهرات الطلاب والعمال في فرنسا، وكانت تلك التظاهرات قد بدأت بتأثير مباشر من تظاهرات الطلاب في الولايات المتحدة الأمريكية ضد الحرب على فيتنام. هكذا يبدو أن رفض الحرب ليس أمراً جديداً على الحاضرين في “كان”.