ورغم ان سعيد المولود بإعاقة سمعية لم يكن يسمع صراخ الراكضين معه، إلا أنه كان مرعوبا من مشهد الهلع والدخان المتصاعد في كل مكان.
الآن وبعد نحو 180 يوما من القتال يعيش سعيد في مدرسة متآكلة البنيان في أحد الأحياء الشمالية من مدينة ود مدني بوسط البلاد والتي فر إليها مئات الآلاف من القتال خلال الأشهر الست الماضية.
تفتقد المدرسة التي يعيش فيها سعيد إلى أبسط مقومات المبيت ويوجد بها 7 حمامات فقط يستخدمها اكثر من 300 شخص من لجأوا إلى المدرسة؛ لكن ذلك ليس الشيء الوحيد الذي يؤرق سعيد البالغ من العمر 11 عاما؛ فهو يفتقد إلى الأجهزة والمعينات التي كانت تخفف عليه وحشته السمعية بعد أن تركها وراؤه في بيته في الخرطوم.
لكن رغم المعاناة الكبيرة؛ يعد سعيد واحدا من القليلين من الذين وجدوا مكان يأويهم في ظل الضبابية الكبيرة التي تحيط بمصير الكثير من أقرانه من الذين فقدوا التواصل مع دور الرعاية التي كانت تساعد نحو 100 ألف مصاب بإعاقة بصرية في السودان؛ في ظل وجود الآلاف من المنسيين وسط الرصاص في الخرطوم أو الذين افتقدوا المساعدة اللازمة في مناطق البلاد الأخرى.
وفي الواقع؛ يعيش المئات من الصم والمصابين بالإعاقة السمعية أوضاعا مأساوية في مناطق النزوح في مختلف أنحاء السودان في ظل نقص كبير في الاحتياجات الخاصة التي تعينهم في حياتهم.
ووفقا للناشط الطوعي والأمين العام السابق لاتحاد الصم السوداني الأمين بابكر، فإن ذوي الاعاقة السمعية يعانون أكثر من غيرهم من النازحين بسبب الضغوط النفسية وافتقاد حقوقهم التي نصت عليها المواثيق الدولية والمحلية.
ويقول بابكر لموقع سكاي نيوز عربية إن آلة الحرب حصدت عدد كبير من ذوي الاحتياجات الخاصة والكوادر التي تعينهم.
ويشير بابكر إلى ان الكثير من النازحين من ذوي الإعاقة السمعية فقدوا مصدر دخلهم إذ تأثرت انشطتهم بالحرب؛ وأصبح الكثير منهم خصوصا أولئك الذين كانوا يعيلون أسرهم الفقيرة يواجهون خطر الجوع وانعدام الرعاية الصحية والدعم المعنوي والمادي الذي كانوا يسيرون به حياتهم وأنشطتهم قبل الحرب التي أوقفت الجزء الأكبر من أنشطة دور الرعاية.
ولإخراجهم من الحالة النفسية السيئة التي يعيشونها بسبب أهوال الحرب التي مرت عليهم قبل نزوحهم؛ يعمل القليل من المراكز المتخصصة في الأقاليم وبإمكانيات شحيحة على توفير الحد الأدنى من البيئة اللازمة لتحسين أوضاع ذوي الإعاقة السمعية من خلال تنظيم أيام ترفيهية تشمل أنشطة الرسم والتلوين والمسرح.
كما يستخدم متخصصون لغة الإشارة لتوعية النازحين وتجنيبهم التعرض لللدغات العقارب والثعابين و نواقل الأمراض والذباب والباعوض وبقية الآفات المنتشرة بكثرة في مراكز الإيواء.
ومنذ الأيام الأولى من اندلاع القتال تعرضت المؤسسات المخصصة لرعاية ذوي الاحتياجات الخاصة بما فيهم المصابين بإعاقات سمعية وبصرية وغيرها إلى دمار هائل بسبب وقوع معظمها في وسط الخرطوم حيث يشتد القتال.
وإضافة إلى الخدمات المباشرة التي تقدمها لذوي الاحتياجات الخاصة؛ كانت تلك المؤسسات تشكل مركزا لتخريج وتدريب الكوادر اللازمة لتسيير العمل في المراكز الفرعية المنتشرة في الأقاليم، وإمدادها بالمعينات التعليمية والحياتية من خلال التنسيق مع المنظمات الإقليمية والدولية؛ لكن الأمر تغير تماما بعد الدمار الذي لحق بها خلال الحرب.