جاء لقاء الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان والأذري إلهام علييف في جيب نخجوان (ناختشيفان) الأذري بمثابة إشارة قوية من الجانبين على عزمهما إنشاء ممر زنغزور الذي قد يغير الجغرافيا السياسية في جنوب القوقاز وصولا إلى آسيا الوسطى.
يمثل ممر زنغزور جانبا من جوانب الصراع بين أذربيجان وأرمينيا، الذي كان إقليم ناغورني قره باغ عنوانه الأبرز على مدى سنوات قبل أن يتصاعد مجددا في الأيام الماضية.
لكن مع إعلان باكو استعادة سيادتها على كامل قره باغ إثر عملية عسكرية خاطفة في 19 سبتمبر/أيلول الجاري، تجدد الاهتمام بممر زنغزور الذي يعبر عن طموحات تركيا وأذربيجان بعد حسم هذه الجولة من الصراع.
ومع بسط قوات أذربيجان سيطرتها على قره باغ، وبدء نزوح آلاف من الأرمن، جاء اختيار مقاطعة نخجوان لتستضيف لقاء القمة بين أردوغان وعلييف لينطوي على قدر كبير من الرمزية بشأن توجهات البلدين في المرحلة المقبلة.
جذور تاريخية
في الماضي، كانت زنغزور منطقة أذرية يسكنها مسلمون أتراك، قبل أن يضمها الاتحاد السوفياتي إلى أرمينيا في عشرينيات القرن الماضي، الأمر الذي تسبب في فقدان أذربيجان اتصالها مع مقاطعة نخجوان الأذرية التي تتمتع بالحكم الذاتي، وكذلك مع تركيا.
مشروع زنغزور
- يمثل ممر زنغزور -وفق المقترح التركي الأذربيجاني- مشروعا للربط البري بين مقاطعة نخجوان الأذرية (تحيط بها أرمينيا من الشمال والشرق، ولها حدود مع تركيا وإيران) وبين بقية أراضي أذربيجان.
- يمنح الممر أنقرة وصولا مباشرا إلى باكو ومن ثم إلى عمق تركيا التاريخي والجيوسياسي في آسيا الوسطى.
- أعلنت تركيا في 13 سبتمبر/أيلول الجاري أنها ستبدأ قريبا العمل على إنشاء ممر زنغزور.
- نصّ الاتفاق الذي أنهى حرب قره باغ الثانية عام 2020 برعاية روسيا، على أن “تضمن أرمينيا تأمين خطوط النقل” المارة عبر أراضيها بين نخجِوان وبقية أذربيجان.
اعتراضات أرمينيا
- أكد رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان أن بلاده لن تسمح لأذربيجان بأن يكون لها “ممر” عبر الأراضي الأرمينية، لكنها مستعدة لفتح طريق بين نخجوان وبقية الأراضي الأذرية.
- تقول يريفان إن إنشاء ممر زنغزور من دون نقاط سيطرة وتفتيش أرمينية سيكون تقويضا لسيادة البلاد.
- قال وزير الخارجية الأرميني أرارات ميرزويان أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة إن إنشاء ممر “يمر عبر أراضي أرمينيا لكنه خارج عن سيطرتنا غير مقبول لنا وينبغي ألا يكون مقبولا للمجتمع الدولي”.
اعتراضات إيران
- يثير المشروع مخاوف إيران التي تخشى انقطاع حدودها مع أرمينيا، وتطويقها في منطقة القوقاز من قبل تركيا وأذربيجان.
- قالت القيادة الإيرانية إن تغيير “الحدود التاريخية” في المنطقة “خط أحمر”، كما صرح القادة العسكريون مرارا بأنهم لن يسمحوا بمثل هذه الخطوة، وعملوا على تعزيز الحشود العسكرية في المنطقة الحدودية.
- في أعلى مستويات القيادة، أعلن المرشد الإيراني علي خامنئي معارضته لأي تغيير من هذا النوع، وهو موقف أعرب عنه في محادثات مع كل من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
- كان خامنئي قد قال عقب انتهاء حرب قره باغ الثانية بين أذربيجان وأرمينيا عام 2020 “إننا فرحون بعودة قره باغ إلى أذربيجان، لكن إذا كانت هناك سياسة لإغلاق الحدود بين إيران وأرمينيا، فإن الجمهورية الإسلامية ستعارض تلك السياسة، لأن تلك الحدود كانت طريقا للتواصل منذ آلاف السنوات”.
- وفقا للباحث في شؤون أوراسيا، علي بمان إقبالي زارج فإن تضارب المصالح الأجنبية بمنطقة أوراسيا يشكل تهديدا للأمن القومي الإيراني.
- كان إقبالي زارج قال -في تصريحات للجزيرة نت- إن إنشاء ممر تركي سيضر مجال الترانزيت (إعادة التصدير) الإيراني عبر قطعه ممر شمال-جنوب أو تقويضه، فضلا عن قطعه الطريق بوجه إيران للوصول إلى أوروبا عبر أرمينيا.
- خلص الباحث إلى أن ممر زنغزور يهدف إلى نقل الطاقة من أوراسيا وآسيا الوسطى إلى أوروبا، مما يعني أنه سيضع حدا نهائيا للحاجة الأوروبية إلى الطاقة الإيرانية.
“ممر طوراني”
- وصف بعض المنتقدين مشروع زنغزور بأنه ممر “طوراني” في إشارة إلى تيار الوحدة بين أبناء العرق التركي، على اعتبار أن تركيا تسعى للوصول إلى مناطق نفوذها التاريخي في آسيا الوسطى.
- اتهم السفير الإيراني الأسبق في أذربيجان محمد باقر بهرامي -في تصريح للتلفزيون الإيراني- كلا من إسرائيل وبريطانيا وتركيا وأذربيجان بالعمل من أجل خلق “عالم تركي” عبر إنشاء ممر يمتد حتى تركمانستان بل وحتى مناطق الإيغور المسلمين في الصين.
- ذكر بهرامي أن إيران مستعدة لتقديم خطة بديلة لربط نخجوان بجنوب أذربيجان عبر الأراضي الإيرانية، مشيرا إلى إمكان إنشاء عدة جسور على نهر آراس الواقع على الحدود مع أذربيجان وأرمينيا.
“ممر الناتو”
- وصف المنتقدون أيضا مشروع زنغزور بأنه ممر للناتو (حلف شمال الأطلسي)، إذ يرون أن الحلف -الذي يضم تركيا في عضويته- بتشجيعه على إنشاء هذا الممر يسعى إلى الوصول إلى روسيا عبر بحر قزوين.
- حذر السفير الإيراني السابق في باكو، محسن باك آئين، من أن هذا سيقطع اتصال إيران بروسيا عبر الأراضي الأرمينية.
- في تصريحات سابقة للجزيرة نت، ذكر باك آئين أن الناتو يرى مصلحته في الوصول برا إلى مياه بحر قزوين عبر ممر زنغزور على حساب إيران، وقطع اتصالها بيريفان التي تعتبر بوابة إيران نحو أوروبا الشرقية.
ماذا تغير في 2023؟
- أعلنت أذربيجان استعادة سيادتها على كامل إقليم قره باغ بعد عملية عسكرية خاطفة شنتها يوم 19 سبتمبر/أيلول الجاري وانتهت في اليوم التالي بإبرام اتفاق لوقف النار واستسلام الانفصاليين الأرمن في الإقليم.
- أصبحت أذربيجان في وضع عسكري وسياسي متقدم قد يمكنها من إعادة تشكيل الواقع في زنغزور بما يخدم مصالحها ومصالح تركيا.
- توقع بعض المراقبين الغربيين -بعد سيطرة أذربيجان على عاصمة قره باغ- أن تتقدم القوات الأذرية للسيطرة على منطقة زنغزور التابعة إداريا لمقاطعة سيونيك أقصى جنوب أرمينيا، في ظل ما يوصف بأنه “انكفاء” من جهة روسيا التي تنشر قواتها لحفظ السلام بين البلدين.
- باتت روسيا -الداعم التاريخي لأرمينيا- منشغلة بحربها في أوكرانيا، كما أن العلاقات توترت بينها وبين رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان بعد إعلانه خطوات للانفتاح على الولايات المتحدة والتعاون معها.
- يذكر موقع “أوراسيا نت” أن روسيا باتت لها مصلحة كبيرة في فتح ممرات عبر القوقاز بعد أن قطعت خطوط إمدادها غربا إلى أوروبا بسبب الحرب في أوكرانيا. ولذلك فإن موسكو قد تسعى للحصول على خطوط نقل إضافية مع تركيا وقد تضغط على يريفان في هذا الملف.