مقابر جماعية” وجثث لم يطالب بها أحد.. “كابوس يطارد أهالي غزة

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 7 دقيقة للقراءة

“لم يكن هذا هو المكان ولا الوقت المناسب للوداع المناسب”، يقول المصور الصحفي الفلسطيني، عمر ديراوي، البالغ من العمر 22 عاما.

ليس هنا، في هذا الحقل المغبر المليء بالموتى الملفوفين في البطانيات وأكياس الجثث، ليس الآن، حيث تقصف الغارات الجوية الإسرائيلية من حوله للأسبوع الثالث، مما يؤدي إلى محو المزيد من الحي الذي يقيم فيه وتقطيع مئات العائلات والصداقات، وفق تعبير أسوشيتد برس.

ومع ذلك، قام ديراوي بدفن 32 فردا من عائلته، قتلوا في الغارات الجوية الإسرائيلية يوم الأحد الماضي، بحسب.

وكان أقارب الصحفي الفلسطيني، من أعمام وعمات وأبناء عموم، في قطاع غزة، قد استجابوا لأوامر الإخلاء العسكرية الإسرائيلية ولجؤوا إلى منزله في أقصى الجنوب.

إلا أنه وبعد أيام وجد ديراوي نفسه يفرغ جثثهم من الجزء الخلفي لشاحنة، بحسب التقرير، ويحفر خندقا ضيقا مقسما بطوب إسمنتي، ويتلو صلاة الجنازة المختصرة قبل حلول الليل، وهو الوقت ذاته الذي أطلقت فيه الطائرات الحربية الإسرائيلية غاراتها وركض الجميع إلى الداخل.

وقال الديراوي عن الدفن الجماعي: “لا يوجد شيء صائب بهذا الأمر.. أنا لم أحزن حتى. لكن لم يكن لدي خيار. كانت المقبرة ممتلئة ولم يكن هناك مكان”.

وبحسب أسوشيتد برس، يقول الفلسطينيون إن هذه الحرب لا تحرمهم من أحبائهم فحسب، بل تحرمهم أيضًا من طقوس الجنازة التي طالما وفرت للمشيعين بعض الكرامة والخاتمة، وسط الحزن الذي لا يطاق.

لقد قتلت الغارات الإسرائيلية الكثير من الناس بسرعة كبيرة “لدرجة أن المستشفيات والمشارح اكتظت، مما جعل طقوس الموت العادية مستحيلة”، وفقا للتقرير.

وقالت وزارة الصحة في غزة إنه منذ 7 أكتوبر، عندما شنت حماس هجوما دمويا وغير مسبوق على إسرائيل، أدى رد الجيش الإسرائيلي إلى مقتل أكثر من 8 آلاف فلسطيني.

وأضافت أنه من بين القتلى لم يتم التعرف على هوية نحو 300 شخص. وانتشر الخوف والذعر، السبت، مع قيام إسرائيل بتوسيع توغلها البري وتكثيف القصف.

ومع انقطاع خدمة الهاتف الخلوي والإنترنت منذ مساء الجمعة عن غزة، قال عدد قليل ممن تمكنوا من التواصل مع العالم الخارجي “إن الناس لم يعد بإمكانهم الاتصال بسيارات الإسعاف أو معرفة ما إذا كان أحباؤهم الذين يعيشون في مبان مختلفة ما زالوا على قيد الحياة.”

ولا يزال ما يقدر بنحو 1700 شخص محاصرين تحت الأنقاض، بحسب أسوشيتد برس، حيث تعرقل الغارات الجوية الإسرائيلية عمال الدفاع المدني وتعرضهم للخطر، وقد قُتل أحدهم خلال مهمة إنقاذ يوم الجمعة.
 
وأضافت الوكالة أنه في بعض الأحيان يستغرق المسعفون أياما لاستعادة الجثث، “وبحلول ذلك الوقت، غالبا ما تكون الجثث منتفخة ومشوهة للغاية بحيث لا يمكن التعرف عليها”.

وقالت إيناس حمدان، مسؤولة الاتصالات في وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين التابعة للأمم المتحدة “الأونروا” في غزة: “إننا نشهد مقتل مئات الأشخاص كل يوم، النظام برمته في غزة منهك، الناس يتعاملون مع الموتى بقدر استطاعتهم”.

وأجبر اكتظاظ المقابر العائلات في غزة على نبش الجثث المدفونة منذ فترة طويلة وتعميق الحفر للدفن فيها.

بهذه الطريقة دُفن بلال الحور، الأستاذ في جامعة الأقصى بغزة، مع 25 من أفراد عائلته الذين قتلوا يوم الجمعة في غارات جوية دمرت منزلهم المكون من أربعة طوابق في دير البلح، وفق الوكالة.

وقام نور، شقيق الحور، بحفر المساحات القديمة المخصصة لعائلته في المقبرة المحلية، الجمعة، لاستخدامها في عملية الدفن.

وقال نور لأسوشيتد برس: “هناك ابن بلال مع زوجته وأولاده، وابنه الأصغر الآخر وبالطبع ابنته التي أنهت المدرسة الثانوية العام الماضي وكان من المفترض أن تصبح طبيبة .. إنا لله وإنا إليه راجعون”.

وأجبرت المشارح المكتظة المستشفيات على دفن الأشخاص قبل أن يتمكن أقاربهم من المطالبة بجثثهم. ونقلت الوكالة عن محمد أبو سلمية، مدير عام مستشفى الشفاء، قوله إن حافري القبور وضعوا عشرات الجثث مجهولة الهوية جنبا إلى جنب في ثلمين كبيرين محفورين بالجرافات في مدينة غزة، حيث يوجد الآن 63 و46 جثة على التوالي.

وبات “كابوس يطارد الفلسطينيين” في غزة بشكل متزايد: أن ينتهي بهم الأمر جثة مجهولة مكدسة في المشرحة أو مرمية في التراب، وفق أسوشيتد برس.

ولزيادة فرص التعرف على هوياتهم في حالة وفاتهم، بدأت العائلات الفلسطينية في ارتداء أساور التعريف وكتابة الأسماء بقلم التحديد على أذرع وأرجل أطفالهم.

وفي بعض الحالات، تتحلل الجثث بشكل كبير بحيث لا يمكن حتى للأقارب التعرف عليها. بينما قد لا يتمكن أي فرد من أفراد الأسرة من البقاء على قيد الحياة للمطالبة بالموتى، في حالات أخرى.

وقال المتحدث باسم الدفاع المدني الفلسطيني، محمود بصل. لأسوشيتد برس: “كثيرا ما نجد ذلك أثناء عملنا، حتى ليلة (الخميس) فقط في مدينة غزة عندما قُتل 200 شخص، وكانت هناك أسماء وأرقام هويات مكتوبة بالحبر على جثث الأطفال… إنه ألم لا أستطيع وصفه، أن أرى ذلك.”

وتحث الآن وزارة الأوقاف في غزة، المسؤولة عن الشؤون الدينية، على الدفن بسرعة وتسمح بحفر مقابر جماعية بسبب “الأعداد الكبيرة من القتلى وقلة المساحة المتاحة”. وتقول السلطات إن كل محافظة في غزة بها مقبرتان جماعيتان على الأقل، بعضها يضم أكثر من 100 شخص.

وفي مخيم النصيرات للاجئين المزدحم وسط قطاع غزة، أدى وابل عنيف من الغارات الجوية الإسرائيلية، الأربعاء، إلى تسوية مجمع كامل – حوالي 20 مبنى متعدد الطوابق – مما أسفر عن مقتل 150 شخصا ومحاصرة المزيد تحت الأنقاض، حسبما قال السكان للوكالة، وخرج الناجون من المستشفى وهم مصدومون يترنحون، ولا يعرفون ماذا يفعلون بالموتى.

وقال خالد عبده، البالغ من العمر 52 عاما، من المخيم: “ليس لدينا وقت لفعل أي شيء ولا مكان في أي مكان، كل ما يمكننا فعله هو حفر حفرة كبيرة بأيدينا. ثم نرمي الجثث في الداخل”.

وأضاف عبده أن سكان النصيرات نظروا إلى عشرات أكياس الجثث الملطخة بالدماء التي تم ترتيبها خارج مستشفى “شهداء الأقصى”، الخميس، بحثا عن وجوه مألوفة. وقد وصف العمال بعض أكياس الجثث بأنها “مجهولة” قبل أن يجرفوها إلى المقابر الجماعية، حيث تم دفن العائلات معا.

قال عبده، وهو يحاول النوم، إنه يسمع أصواتا من تلك الليلة، يمتزج صوت الانفجار مع صرخات الصدمة وصراخ الأطفال.

لكنه قال إن أكثر ما يبقيه مستيقظا هو فكرة أن أحدا لم يغسل جثث الموتى أو يغير ملابسهم قبل الدفن، “لم يكفن أحد أجسادهم بمحبة، كما جرت العادة في الإسلام”، وبالتأكيد لم يقدم أحد القهوة المرة التقليدية والتمر الحلو للأصدقاء والأقارب لتقديم التعازي.

وختم التقرير بكلام لعبده قال فيه: “في الإسلام لدينا ثلاثة أيام من الحداد، لكن لا توجد طريقة يمكنك من خلالها ملاحظة ذلك الآن، قبل انتهاء الحداد، من المحتمل أن تكون ميتا أيضا”.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *