ضربة غير متوقعة للعام الدراسي الجديد في لبنان، هذه المرة ليست اقتصادية، بل أمنية، فبعد أن كانت مخاوف الطلاب تنصب على إمكانية عرقلة مسيرتهم التعليمية فيما لو نفّذ معلّمو المدارس الرسميّة وعيدهم بالإضراب الذي طبع مسيرة التعليم منذ بدء الأزمة الاقتصادية. تفاجأ طلاب بلدات القرى الحدودية باشتعال الجبهة الجنوبية مع تبادل إطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل واضطرارهم لهجر مقاعدهم الدراسية والنزوح.
لم يمر يومان على انطلاق العام الدراسي في المدارس الرسمية، حتى أجبر عدد من طلاب البلدات الجنوبية، على المكوث في مدارس مدينة صور كنازحين وليس كطلاب، في وقت يترقّب بقية طلاب لبنان ما إذا كانوا سيحرمون هم كذلك من عامهم الدراسي فيما لو توسّعت رقعة الاشتباكات بين حزب الله وإسرائيل، وانزلق بلدهم في حرب يجري الاستعداد لها على المستويين الرسمي والشعبي اللبناني.
واستقبلت مدينة صور مئات النازحين من جراء الأحداث الأمنية، حيث تم إيواء بعضهم في مدارس، فيما فضّل البعض الآخر الإقامة لدى أقاربه أو استئجار منزل في منطقة أكثر أمناً.
والثلاثاء طال القصف الإسرائيلي مدرسة عيتا الشعب الرسمية، ما دفع وزير التربية في حكومة تصريف الأعمال، عباس الحلبي، إلى توجيه نداء إلى الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، للضغط على حكومة إسرائيل من أجل العمل على تحييد المدارس في لبنان عن القصف والعمليات العسكرية.
وشجب الحلبي تعرض المدرسة الرسمية للقصف، وهي فارغة من التلاميذ، مؤكداً أن “المدارس الرسمية والخاصة هي مبان مخصصة للتدريس، ويمكن أن يتم استخدامها في حالات الطوارئ لاستقبال الأهالي أو للأعمال الإغاثية والإنسانية”.
وأكد أن “المدارس الجديدة والمرممة والمجهزة، ستعاود استقبال المتعلمين فور عودة الهدوء إلى المنطقة الحدودية الجنوبية، ويجب أن تبقى على جهوزيتها من دون أية أضرار”.
ترقب يومي
يوما بيوم يتابع طلاب المناطق الحدودية الجنوبية بيانات وزارة التربية، كما دعا الحلبي.
والثلاثاء، أعلن الحلبي تمديد العمل بتطبيق القرار المتعلق بإقفال المدارس والثانويات والمعاهد والمدارس المهنية الرسمية والخاصة الواقعة في تلك المناطق، أما تلك المحاذية للمناطق الحدودية الدولية فيترك قرار إقفالها من عدمه لمدير كل مدرسة. فيما تستمر المدارس الواقعة في المناطق اللبنانية كافة، بالعمل بصورة طبيعية.
وكرر الحلبي، تشديده على حق كل تلميذ بالالتحاق في المدرسة الرسمية القريبة من مكان سكنه الجديد، مؤكدا “حق أفراد الهيئة التعليمية الذين نزحوا إلى أماكن أخرى بالالتحاق في المدارس الموجودة حيث انتقلوا، على أن يتم إبلاغ المناطق التربوية بهذه المستجدات”.
ونزح أكثر من 19 ألف شخص في لبنان جراء التصعيد العسكري بين حزب الله وإسرائيل في المنطقة الحدودية، تزامنا مع الحرب الدائرة في قطاع غزة، وفق ما أفادت المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة، الاثنين.
وأشارت المنظمة في تقرير إلى ازدياد في عدد النازحين يوميا منذ بدء التصعيد في لبنان غداة شن حركة حماس لهجوم دام غير مسبوق على إسرائيل في 7 أكتوبر، ردت إسرائيل عليه بإعلان الحرب.
وقال متحدث إقليمي باسم المنظمة، محمّد علي أبو النجا، لوكالة فرانس برس “نتوقع ارتفاعاً في الأعداد” في حال استمرار الوضع أو التصعيد أكثر في المنطقة الحدودية.
والتحق غالبية النازحين، وفق أبو النجا، بأفراد من عائلاتهم فيما لجأ آخرون إلى ثلاث مدارس تحولت إلى مراكز إيواء في مدينة صور الجنوبية.
رضوخ وتهديد
بعد صراع طويل مع الإضرابات وعرقلة الأعوام الدراسية في لبنان، نتيجة مطالبة المعلمين بتحسين أوضاعهم المعيشية، والحصول على مستحقاتهم المتأخرة كاملة وعلى قرار رسمي واضح عن كيفية احتساب الحوافز وبدل النقل وتحديد آلية مضمونة لقبض المستحقات المقبلة، أعلنت اللجنة الفاعلة للأساتذة المتعاقدين في التعليم الأساسي الرسمي التحاق الأساتذة المتعاقدين والمستعان بهم بمدارسهم صباح التاسع من أكتوبر مع مطالبة وزير التربية “بالحقوق المتراكمة في جعبته”.
وحذّرت اللجنة الفاعلة من أي تلاعب بدفع الحوافز أو تأخيرها أو توقيفها، مشيرة في بيان إلى أنه “يوم يقال لا حوافز سنقول لا تعليم، وسنعلنه إضراباً مفتوحاً”.
وسبق أن أصدر وزير التربية تعميماً أكد خلاله دفع حوافز 300 دولار شهريّاً لانطلاق هذا العام، رغم أن اللجنة الفاعلة طالبت بدفع 600 دولار كحد أدنى، ليتمكن الأستاذ من الاستمرارية بعد تآكل قيمة رواتبهم نتيجة ارتفاع سعر صرف الدولار بصورة خيالية.
وتعرض العام الدراسي الماضي إلى اضطرابات شتى أثرت على مسار التعليم طوال شهرين على الأقل، ما أثر على أكثر من 450 ألف طفل (من روضة الأطفال حتى الصف الثاني عشر)، بحسب ما ذكرت منظمة “اليونيسف” في بيان أصدرته في أغسطس الماضي، لفتت خلاله كذلك إلى أنه على الرغم من الدعم الذي تقدمه، “تستمر الأزمة المالية في الاشتداد، ما يزيد خطر الاضطرابات التعليمية في العام الدراسي القادم، خصوصاً في حال لم يحصل المدرسون والموظفون في القطاع التربوي على أجور مناسبة تؤمن لهم العيش الكريم”.
وكان مسح أجرته “اليونيسف” في يونيو الماضي أظهر أن الأسر اللبنانية بالكاد تستطيع تلبية احتياجاتها الأساسية على الرغم من خفضها للنفقات بشكل كبير، وأن 15 في المئة من الأسر تعليم أطفالها توقفت، مسجلة بذلك ارتفاعاً من 10 في المئة قبل عام واحد، كما خفّضت 52 في المئة من إنفاقها على التعليم، مقارنة بنسبة 38 في المئة قبل عام.
كذلك أظهر المسح أن أكثر من أسرة واحدة من بين كل 10 أسر اضطرت إلى إرسال الأطفال إلى العمل كوسيلة للتكيف مع الأزمات العديدة، مع ارتفاع هذا الرقم إلى ما يقرب أسرة واحدة من بين كل أربع من أسر النازحين السوريين أرسلت أطفالها إلى العمل.
ودعت اليونيسف، السلطات اللبنانية، للاستثمار في التعليم من خلال الإصلاحات والسياسات الوطنية لضمان حصول جميع الأطفال – وخاصة الأكثر ضعفا منهم – على تعليم شامل وعالي الجودة.
ويشهد لبنان منذ العام 2019 انهيارا اقتصادياً غير مسبوق بات خلاله غالبية السكان يعيشون تحت خط الفقر. وباتت الدولة عاجزة عن توفير أبسط الخدمات، بما فيها الرعاية الصحية والاستشفاء.
وأعلن رئيس حكومة تصريف الأعمال، نجيب ميقاتي، الأحد، أن حكومته تعمل على وضع “خطة وقائية أساسية من باب الحيطة” وتجري اتصالات دبلوماسية، دولية وعربية ومحلية لمنع تمدد الحرب الدائرة في غزة إلى لبنان.