تزايدت هجمات الجماعات الإرهابية في النيجر خلال الأشهر القليلة الماضية، في أعقاب الانقلاب العسكري الذي أطاح بالرئيس المنتخب محمد بازوم في نهاية يوليو 2023.
ويؤكد مشروع بيانات مواقع النزاع المسلح وأحداثها أن النيجر تواجه مجموعة من التحديات الأمنية، مع انتشار مسلحي تنظيم “داعش” الإرهابي، وجماعة نصرة الإسلام والمسلمين التابعة لتنظيم القاعدة الإرهابي في مناطق متفرقة من البلاد.
وكانت النيجر التي تُعدّ الحليف الرئيسي للدول الغربية في منطقة الساحل، حتى وقت قريب، استثناء بين مجموعة دول منطقة الساحل التي قوّضها عنف الجماعات المسلّحة ونزعة استبدادية مع ميل نحو روسيا، حسب فرانس برس.
غير أنه على وقع سيطرة المجلس العسكري على البلاد، قدم رئيس الحرس الرئاسي في النيجر الجنرال عبد الرحمن تشياني نفسه على أنه “رئيس المجلس الوطني لحماية الوطن”، وقرر إلغاء اتفاق عسكري مع فرنسا بعد أيام من الانقلاب، ثم تلا ذلك بعد 7 أشهر إلغاء اتفاقا عسكريا آخرا مع الولايات المتحدة.
وألغت النيجر يوم 17 مارس الجاري، اتفاقية التعاون المبرمة عام 2012 مع الولايات المتحدة، معتبرة أنها “فرضت من جانب واحد”.
وقال المتحدث باسم الحكومة النيجرية أمادو عبر الرحمن، في بيان تلي عبر التلفزيون الوطني إن “حكومة النيجر، آخذة طموحات الشعب ومصالحه في الاعتبار، تقرر بكل مسؤولية أن تلغي بمفعول فوري الاتفاق المتعلق بوضع الطاقم العسكري للولايات المتحدة والموظفين المدنيين في وزارة الدفاع الأميركية على أراضي النيجر”.
دوافع إلغاء الاتفاقات العسكرية
وفي حديث مع موقع “الحرة”، يقول عضو المكتب السياسي الوطني لحزب التجديد الديمقراطي والجمهوري في النيجر، عمر الأنصاري إن هناك دافعين وراء إلغاء المجلس العسكري الحاكم بالنيجر الاتفاقات العسكرية مع كل من الولايات المتحدة وفرنسا.
ويضيف الأنصاري: “الدافع الأول هو الشعبوية لأنه بتلك العنتريات يكسبون الشارع بالشعارات الرنانة التي ما يلبث الشعب فترة حتى يدرك حقيقتها”.
وتابع: “الدافع الثاني يتمثل إرضاء شركائهم الجدد روسيا وإيران؛ وربما أشاروا عليهم بذلك كشرط لتوطيد العلاقة معهم وحمايتهم”.
ويؤثر إلغاء الاتفاق سلبيا على مكافحة الإرهاب بالمنطقة، خصوصا مع تضاعف الهجمات الإرهابية بعد الانقلاب، وفق الأنصاري، مشيرا في نفس الوقت إلى أن ذلك يأتي “بالرغم من أن شعوب الساحل ترى أن القوات الأجنبية لم تؤد النتيجة المرجوة منها مع ما يحظون به من دعم لوجستي وتقني بأحدث الإصدارات ومن أقوى جيوش العالم”.
وتسعى موسكو لتعزيز نفوذها في النيجر مع تحرّك المجلس العسكري لإبعاد الولايات المتحدة، حسبما ذكرت فرانس برس قبل أيام، حيث نقلت عن مصدر عسكري أوروبي طلب عدم الكشف عن هويته بأن التخلي عن التعاون مع الولايات المتحدة ووضع حد للضوابط المرتبطة بالإنفاق العسكري كان “شرطا مسبقا للاتفاق المقبل” بين النيجر وروسيا.
ماذا يعني إلغاء اتفاق التعاون العسكري بين النيجر والولايات المتحدة؟
بعد ساعات من مغادرة وفد أميركي العاصمة نيامي، ألغى المجلس العسكري الحاكم في النيجر، اتفاق التعاون العسكري الذي يربط البلد الواقع في غرب أفريقيا، مع الولايات المتحدة، في خطوة من شأنها التأثير على الجهود الدولية لمحاربة التطرف والإرهاب، برأي مختصين.
ويعتقد الباحث في الشؤون الإفريقية بجامعة إشبيلية الإسبانية، البشير محمد لحسن، أن “ما قد يدفع العسكريين في النيجر إلى روسيا والصين أو حتى تركيا وإيران هو إمكانية الحصول على معدات وعتاد عسكري، لأن الولايات المتحدة أو الدول الأوروبية لم تتيح ذلك لجيوش خلال فترة تواجدها. واقتصرت معظم اتفاقات التعاون على التدريب وبرامج أخرى دون التسليح الحديث”.
غير أن حسن عاد ليقر خلال حديثه مع موقع “الحرة” بأن “روسيا والصين لم تعتادا على تقديم أي شيء بالمجان، وقد تكون خطوة نحو مصالح متبادلة للطرفين”.
ويؤكد هذا أيضا، عضو المكتب السياسي الوطني لحزب التجديد الديمقراطي والجمهوري، والذي يقول: “روسيا والمجالس العسكرية لا يهمهم سوى مصالحهم الخاصة وإن كان ذلك مضرا بشعوب المنطقة. فالمجالس العسكرية همها الوحيد البقاء بالسلطة وقمع الشعب بالجيوش المحلية ومرتزقة الخارج. فيما تركز روسيا على الموارد الطبيعية وبالأخص معدن الذهب لسهولة استغلاله بعقود مؤقتة”.
واكتسبت موسكو نفوذها في القارة السمراء عبر إرسال مرتزقة من مجموعة “فاغنر” التي تخدم أهداف الكرملين في إفريقيا منذ العقد الأول من الألفية.
في المقابل، لا يعتقد حسن أن “المجلس العسكري في النيجر يبحث عن ترسيخ نفسه في الحكم، لأن هذا أمر واقع. وقد تجاوز مرحلة تثيبت شرعيته داخليا”، معتبرا أن “الأوضاع الأمنية لم تتدهور أكثر مما هي عليه الآن، حيث وصلت أعداد القتلى والمهجرين مستويات غير مسبوقة”.
وتابع: “وهو ربما ما دفع قادة النيجر الجدد إلى تجريب وصفات وشراكات أمنية وعسكرية غير تلك المجربة أصلا في محاولة لمنع تفاقم الأوضاع الأمنية”.
“داعش” والقاعدة تتمددان
والأسبوع الماضي، قُتل 23 جنديا في النيجر في “كمين” نصبه “إرهابيون” خلال “عملية تمشيط” نفّذها الجيش في غرب البلاد، حسبما أعلنت وزارة الدفاع.
ووقع الهجوم في منطقة تيلابيري الواقعة في ما يسمى بمنطقة “المثلث الحدودي” بين النيجر ومالي وبوركينا فاسو والمعروفة بأنّها معقل للجهاديين في منطقة الساحل.
ومنذ سنوات، تُستهدف هذه المنطقة في النيجر بانتظام بهجمات من تنظيمي “داعش” والقاعدة، رغم الانتشار الكثيف لقوات مكافحة الجهاديين.
وحسب المحلل الأمني الجزائري أحمد ميزاب، فإن “منطقة الساحل تمر بمأزق أمني. مع سيطرة واضحة للتنظيمات الإرهابية”، مشيرا إلى أن “الجماعات الإرهابية باتت توجه ضربات في العمق، وأصبحت قدراتها تفوق قدرات هذه الدول خاصة النيجر”.
ويضيف لموقع “الحرة”: “إلى جانب ذلك هناك مجموع من الأزمات التي تُعقد من المشهد الأمني مثل إلغاء مثل هكذا نوعا من الاتفاقيات”، معتبرا أن هذا قد يمنح الجمعات الإرهابية الفرصة لتوسيع هجماتها ونفوذها في منطقة الساحل.
وكان لدى الولايات المتحدة في النيجر نحو 1100 جندي إذ يعمل الجيش الأميركي في قاعدتين إحداهما لطائرات مسيّرة معروفة باسم القاعدة الجوية 201 التي تم بناؤها بالقرب من أغاديز في وسط البلاد، ويتم استخدامها منذ عام 2018 لاستهداف مقاتلي تنظيم “داعش” وتنظيم القاعدة في منطقة الساحل.
أول تعليق للبنتاغون بعد إلغاء النيجر للتعاون العسكري مع واشنطن
قالت نائبة المتحدث باسم البنتاغون، سابرينا سينغ، الاثنين، “نحن على علم بالبيان الذي صدر أول أمس عن النيجر وينهي التعاون العسكري مع الولايات المتحدة، وكذلك الوجود العسكري الأميركي هناك”.
ويعتبر ميزاب أن منطقة الساحل الإفريقية باتت أسيرة الإهاب في الوقت الحالي، في ظل عدم وجود مؤسسات أمنية قادرة على القيام بواجباتها وتعثر المسار السياسي.
ويقول: “هذا الفراغ تتغذى منه الجماعات الإرهابية التي تغولت بشكل مخيف، وباتت تُشكل تهديدا على الإقليم بصفة عامة، وحتى كذلك على المستوى الدولي”.
ويضيف: “هناك عمليات إرهابية يومية، ومساحات جغرافية واسعة تسيطر عليها الجماعات الإرهابية حتى أن السكان المحليين أصبحوا تحت سيطرة هذه التنظيمات لأنها باتت تدير مدنا وتسيطر عليها، بما في ذلك مناطق الثروات الطبيعية”.
ووفقا لمشروع بيانات مواقع النزاع المسلح وأحداثها، وهي جماعة مراقبة مقرها الولايات المتحدة، فإن النيجر شهدت خلال الفترة من 22 مارس 2023 حتى 22 مارس 2024، سقوط نحو 8,789 حالة وفاة نتيجة الصراعات، بما في ذلك المعارك وأعمال العنف والانفجارات والعنف ضد المدنيين.
كما تصدر “تنظيم داعش- ولاية غرب إفريقيا” المتمركز بشكل أساسي في نيجيريا وجنوب شرق النيجر، معظم الإعلانات الصادرة عن إدارة الإعلام المركزية لـ”داعش” حول مسؤولية التنظيم عن 1121 هجوما منذ مارس 2023، حسبما ذكر معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى في تقرير حديث.
لهذا يرى المحلل الأمني الجزائري أن مستقبل المنطقة “مخيف” ومقلق في ظل تنامي التنظيمات الإرهابية واتساع مناطق نفوذها، قائلا: “داعش تتوسع بشكل متسارع والمنطقة تقترب من السيناريو الذي كان في عام 2014 حينما تمدد التنظيم في سوريا والعراق بمنطقة الشرق الأوسط”.
وتابع: “هذا السيناريو أصبح يلوح في الأفق بشدة في منطقة الساحل الإفريقي”.
“بين المركز والفرع”.. خارطة انتشار تنظيم داعش حول العالم
في ذات التوقيت الذي صادف الذكرى الخامسة لإنهاء “خلافته” على الأرض في سوريا بعث تنظيم داعش الإرهابي رسالة من نار للعالم، مفادها أنه “لم ينته” ولم يعد نشاطه يقتصر على استهداف دورية هنا وتفجير مركز أمني والخوض باشتباكات هناك بل أصبح يتخطى الحدود.
“الإرهاب يتغذى على الفقر”
وفي مطلع مارس الجاري، اتفقت كلا من النيجر وبوركينا فاسو ومالي، وهي الدول الثلاث التي تقودها مجالس عسكرية، على تشكيل قوة مشتركة لمواجهة التهديدات الأمنية في أراضيها.
ولا يعتقد الباحث في الشؤون الإفريقية بجامعة إشبيلية الإسبانية أن مثل هذا التوجه كاف في التغلب على الإرهاب بشكل منفرد، قائلا لموقع “الحرة”: “اقتصار محاربة الإرهاب على الشقين العسكري والأمني هي وصفة مجربة في أكثر من منطقة بالعالم وأثبتت فشلها الذريع كل مرة”.
ويضيف: “ما لم تكن هناك تنمية حقيقية وديمقراطية وتشاركية في الحكم وتوزيع عادل للثروات، لن يكون هناك أمن، فالإرهاب يتغدى في إفريقيا من الفقر والمظلمات التاريخية وصراع الطبقات والاثنيات، وحتى صراع الأطراف المحرومة والمركز المتحكم في السلطة والثروة”.
وتابع: “ما لم تحل هذه المعضلات، سيظل الإرهاب موجودا وله منبع لتجنيد محرومين وفقراء في كل بلدان الساحل”.
ويتفق مع هذا الرأي، عضو المكتب السياسي الوطني لحزب التجديد الديمقراطي والجمهوري، والذي يقول إن “تفاقم الأوضاع الأمنية بالنيجر نابع من عدة عوامل منها عدم الاستقرار السياسي وجهل الشعب بالدين والمناهج الوسطية مع غياب مؤسسات دينية رسمية تابع للدولة؛ وصراع النفوذ الدولي”.
ويضيف: “تحسن الأوضاع الأمنية حسب تحسن هذه العوامل من العودة إلى النظام الدستوري والاستقرار السياسي وكذلك توعية الشعب بالدين الصحيح ونبذ التطرف والإرهاب، بشكل رسمي ممنهج تابع للدولة، واعتماد سياسة تعدد الشركاء على نظام رابح رابح؛ بدل صراع النفوذ الدولي بشكل شبه احتلال جديد وأن هذا يمكن تعميمه عن دول الساحل بتفاوت تلك العوامل المذكورة”.