يرى محللون سياسيون أن حكومة بنيامين نتنياهو ليست معنية فعليا بملف الأسرى أو بالمحتجزين المدنيين في قطاع غزة، وإنها ترفض إقرار هدن إنسانية خوفا من إجبارها شيئا فشيئا على وقف الحرب دون تحقيق أهدافها التي تعتبرها أهم من كل شيء.
ووفق الخبير في الشأن الإسرائيلي مهند مصطفى، فإن ملف الأسرى والمحتجزين لا يمثل أولوية لحكومة إسرائيل، رغم ما تبديه من اهتمام إعلامي به، لأن الأهم بالنسبة لها هو منع أي وقف لإطلاق النار في الوقت الراهن.
وتخشى حكومة نتنياهو -حسب مصطفى- أن تؤدي أي هدنة إنسانية إلى مزيد من الهدن وصولا إلى وقف الحرب بشكل كامل، بينما هي لم تحقق أيا من أهدافها التي أعلنتها سواء من حيث القضاء على حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، أو استعادة الأسرى والمحتجزين من خلال عملية عسكرية.
ويعتقد مصطفى أن نتنياهو ووزير دفاعه يوآف غالانت تحديدا يضعان الأهداف العسكرية كأولوية، لأن كلا الرجلين يتحركان من منطلق مصالحه السياسية دون النظر إلى أي شيء آخر.
لكن مصطفى يرى أن المجتمع الإسرائيلي فهم هذا الأمر، وبدأ الخروج في المظاهرات بشكل أكبر لأنه لم يعد يثق بالحكومة -في ما يتعلق بهذا الملف- معربا عن قناعته بأن الأيام المقبلة ستشهد مزيدا من الاحتجاجات ليس فقط من أجل ملف الأسرى والمحتجزين، وإنما أيضا بسبب الفاتورة الباهظة للعملية العسكرية التي لم تعد لها أهداف حقيقية واضحة.
ويؤيد المحلل الساسي معين طاهر حديث مصطفى عن عدم اهتمام حكومة نتنياهو بملف الأسرى والمحتجزين، لكنه يعتقد أن الشرخ الداخلي الإسرائيلي لم يصل إلى حد الانقسام بشأن الحرب، لأن ما حدث في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي (عملية طوفان الأقصى)، حوّل الإسرائيليين كلهم إلى جيش.
وفي حين تحاول حركة حماس إتمام صفقة تبادل من أجل وقف الحرب مؤقتا لتخفيف الضغط على سكان القطاع وإدخال مساعدات ووقود، فإن الجانب الإسرائيلي لا يريد الوصول إلى هذه النقطة، برأي طاهر.
ويرى المحلل السياسي أن نتنياهو يدرك جيدا أن لدى حماس من الأسرى العسكريين ما يكفي لتبييض السجون الإسرائيلية على أي حال.
ومن ثم -يضيف الطاهر- فإن نتنياهو لا يريد إتمام أي صفقة تبادل، حتى لا تزيد الضغوط الدولية عليه، وتخف على حماس، لأن الجميع يعرف أن الأسرى العسكريين لن يعودوا دون صفقة تشمل الأسرى الفلسطينيين الأمنيين والسياسيين، حسب قوله.
لكن الأمر لا يقف عند هذا الحد برأي مصطفى، لأن إسرائيل تعيش معضلة عسكرية وأخرى سياسية، لأنها رفعت سقف أهدافها العسكرية -القضاء على حماس واستعادة الأسرى والمحتجزين- ولم تحقق أيا منها خلال 40 يوما، ومن ثم كلما طال أمد الحرب، زادت الضغوط عليها داخليا وخارجيا، وتراجعت نسبة التأييد لها.
بالتالي، فإن نتنياهو يحاول الإفلات من مسألة إقرار أي هدنة، ويرفض إدخال أي مساعدات إلا بموافقته وتحت رقابته، حتى لا يتأثر هدفه الإستراتيجي المتمثل في خنق سكان غزة ودفعهم للهجرة باتجاه شبه جزيرة سيناء.
والغريب في هذه الحرب -كما يقول مصطفى- أن نتنياهو يريد استحداث نوع جديد من الهدن الإنسانية وهو الهدنة مقابل ثمن، بمعنى أنه يريد إطلاق سراح مجموعة من الأسرى والمحتجزين مقابل كل هدنة، دون أن يطلق هو سراح أي فلسطيني.
ويتفق الطاهر مع هذا الطرح، مؤكدا أن ما تقوم به إسرائيل يمثل ضغطا على السكان، وليس على حماس التي لا تزال تقاوم وترشق الصواريخ، فضلا عن أن الحرب عمليا لا تزال في منطقة الشمال بغض النظر عن القصف المتواصل للجنوب، حسب قوله.
ولفت الطاهر إلى أن حماس -وفق البيانات- “لديها لواءان في منطقة الشمال يخوضان المقاومة حتى الآن، بينما هناك 3 ألوية أخرى على الأقل لا تزال في مناطق الجنوب، أي أنها لم تدخل المواجهة بعد”.
وعن عدم خضوع إسرائيل للضغوط الدولية المطالبة بإقرار هدنة وإدخال مساعدات، قال الطاهر إن “هذا الأمر يعكس حالة الغطرسة التي يعيشها نتنياهو، والتي لن تكسر إلا بالانطلاق من مخرجات القمة العربية الإسلامية الأخيرة التي أقرت العمل على كسر الحصار”.
وخلص الطاهر إلى أن فتح معبر رفح لن يحدث أبدا إلا بتشكيل قوافل تضم وزراء الخارجية العرب والمسلمين ومسؤولي الأمم المتحدة والبعثات الدبلوماسية والمنظمات الدولية لكسر الحصار، لأن تل أبيب لن تواجه العالم وحدها، مؤكدا أن أي حديث عن فتح المعبر بطريقة أخرى يعني أن الوضع سيظل كما هو عليه.