يستبعد خبراء أن يتم التوصل لاتفاق تبادل أسرى جديد بين المقاومة الفلسطينية وإسرائيل خلال المفاوضات الجارية حاليا في العاصمة المصرية القاهرة، ويرون أن الولايات المتحدة ستمارس ضغوطا من نوع مختلف على الطرفين في حال فشلت هذه المفاوضات.
ويرى الباحث الأول بمركز الجزيرة للدراسات السياسية الدكتور لقاء مكي أن ثمة قرارات يجب أن تتخذ، وأن قرار حركة المقاومة الإسلامية حماس قد يكون تطوير المقترح المطروح بما يتماشى مع الأهداف الأساسية للمقاومة.
وخلال مشاركته في برنامج “غزة.. ماذا بعد؟”، رجح مكي أن تتعلق مقترحات حماس الجديدة بمسألة وقف إطلاق النار أو أعداد الأسرى الفلسطينيين الذين سيطلق سراحهم، معربا عن اعتقاده بصعوبة التوصل لاتفاق خلال مفاوضات القاهرة الحالية.
محاولة سد الثغرات
الرأي نفسه ذهب إليه المحلل السياسي أحمد الحيلة بقوله إن المقاومة “لم تقبل بالصفقة المطروحة، ولكنها تدرس مقترحا ثالثا مختلفا عما كان مطروحا بعد اجتماعات باريس”، مشيرا إلى أن المقاربة الجديدة تقترب مما تريده حماس.
ووفق الحيلة، فإن حماس “لا تريد أن تعطي شعورا زائفا بأن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قدم تنازلات خصوصا فيما يتعلق بمصطلح الهدنة المستدامة الذي ينطوي عليه المقترح الجديد”.
ويبدو مصطلح “الهدنة المستدامة” ملغما -كما يقول الحيلة- “لأنه ينطوي على حق إسرائيل في تنفيذ عمليات نوعية أو اغتيالات”.
ولفت الحيلة أيضا إلى أن الحديث يدور عن عودة المدنيين غير المسلحين للشمال، متسائلا عن الجهة التي ستقوم بتحديد المسلح من غير المسلح، مما يعني أن حماس ستحاول سد الكثير من الثغرات خلال مفاوضات القاهرة، حسب قوله.
وعن الأنباء التي يتهم نتنياهو بتسريبها لوسائل الإعلام الإسرائيلية والتي تؤكد أن عملية رفح ستتم بصفقة أو دونها، قال الخبير في الشأن الإسرائيلي إيهاب جبارين إنها تسريبات تعكس ما يتوافق عليه الإسرائيليون جميعا.
ويعتقد جبارين أن نتنياهو لا يمثل حجر العثرة أمام وقف الحرب لأسباب سياسية فقط وإنما لأن الصهيونية الدينية وضعت مسدسها داخل مجلس الحرب، كما يقول.
لذلك، فإن المشلكة لا تكمن فقط في كون نتيناهو أسيرا فقط لليمين المتطرف “وإنما في أنه يمتلك أفكارا تتقاطع مع هذا اليمين، برأي جبارين الذي يقول إن رئيس الوزراء الإسرائيلي “عمل على مدار عقد ونصف على تقليص القضية الفلسطينية تماما لأنه يريد أن يكون الشخص الذي وحد إسرائيل من البحر إلى النهر”.
وبعيدا عما يريده نتنياهو أو الداخل الإسرائيلي، يشير مكي إلى أن حماس ليست مضطرة للقبول بصفقة وفق شروط نتنياهو، وذلك لأن إسرائيل لم تنتصر وتلقت ضربات موجعة جدا، بينما المقاومة لم تهزم بل ولا تزال قادرة على مواصلة القتال، حسب تعبيره.
ومن هذا المنطلق، يقول مكي “إن الكرة تجري بسرعة ضد إسرائيل، وبالتالي هي ليست في وضع يجعلها تفرض شروطا بينما حماس تدرك هذا الأمر جيدا”.
وبناء على ذلك -يضيف مكي- “لن تقبل المقاومة باتفاق لا يلبي طموحاتها، لا سيما وأنها لم تهزم في الميدان، فضلا عن أنها دفعت الفاتورة الإنسانية على كل حال”.
وخلص مكي إلى أن حماس لا يمكنها القبول بهدنة مستدامة لا تضمن إنهاء الحرب صراحة طالما أن المجتمع الإسرائيلي عموما “لم يصل إلى مرحلة الصمت والقبول بحماس كمتغير أساسي في المنطقة، ولم يستوعب حقيقة أنه هزم”.
الخوف من تداعيات الهدنة
وفي حين تريد المقاومة صفقة تنهي الحرب، يريد نتنياهو صفقة لا تمنح خصومه السياسيين فرصة الإطاحة به خلال الهدنة بعدما فشل نتنياهو وباعتراف الإسرائيليين أنفسهم في القضاء على حماس، كما يقول جبارين.
ويرى جبارين أن خصوم نتنياهو يسعون للإطاحة به خلال الهدنة ثم العودة للحرب مجددا لترميم ما دمره خلال الفترة الماضية، لافتا إلى أن “نتنياهو يعرف أن ضبابية الحرب ستبقي الوضع كما هو عليه وأن الهدنة قد تعطي الجميع فرصة لرفع رأسه”.
ويتفق الحيلة مع حديث جبارين بقوله إن المقاومة “ركّعت إسرائيل وفعلت ما لم تفعله الجيوش العربية، وأسقطت سردية تل أبيب أمام الصديق قبل الخصم”، مؤكدا أن الهدنة “تمثل فشلا لنتنياهو”.
وعن الموقف الأميركي من هذه المفاوضات، يقول مكي إن واشنطن ضغطت على نتنياهو هذه المرة لكنها ستبدأ بالضغط على حماس بشكل أكبر خلال الفترة المقبلة.
وأشار مكي إلى أن الولايات المتحدة حاولت إنقاذ إسرائيل من نفسها منذ بداية الحرب، لكنها ستحاول خلال الفترة المقبلة القضاء على المقاومة عبر السياسة بعد فشلها في القضاء عليها عسكريا.
وفي حين يرى الحيلة أن واشنطن تحاول منع اتساع الصراع بعد أن تزايدت المؤشرات على هذا الأمر، يرى مكي أن إدارة جو بايدن “ستحاول فرض الصفقة بقوة لأن عدم نجاحها سيضع الولايات المتحدة في مأزق وسيدفعها لممارسة ضغوط من نوع آخر على الطرفين”.