بعد الجولة المكوكية التي أجرها وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في المنطقة، وبحثه مع السلطة الفلسطينية ومسؤولين عرب، رؤية بلاده لمستقبل قطاع غزة بعد الحرب الإسرائيلية، يرى محللون أن ذلك يأتي لتوريط السلطة الفلسطينية في المشهد، وكذلك في سياق الضغط النفسي على الفلسطينيين، باعتماد فرضية انتهاء الحرب بهزيمة المقاومة.
وقال بلينكن في ختام زيارته للعاصمة التركية والتي تلت جولة بدأت بإسرائيل ثم الأردن ومصر والسعودية وقطر والإمارات وقبرص والعراق “أجرينا مباحثات مهمة للغاية لتهيئة الظروف لتحقيق سلام دائم ومستدام للإسرائيليين والفلسطينيين، ونواصل العمل على هذه المسألة، ونفكر في المستقبل بينما نحاول حل هذه الأزمة” معربا عن اعتقاده بتحقيق تقدم بهذه المسائل.
وكانت وكالة رويترز قد نقلت عن مسؤول أميركي رفيع قوله إن بلينكن أبلغ الرئيس الفلسطيني محمود عباس -خلال اجتماعه به في رام الله- أنه يتعين على السلطة الفلسطينية أن تلعب دورا محوريا في مستقبل غزة، بينما أبدى الأخير استعداده “للمساعدة في إدارة القطاع” بعد “عزل” حركة المقاومة الإسلامية (حماس)” حسب ذات المصدر.
ومعلقا على ذلك ضمن الوقفة التحليلية “غزة.. ماذا بعد؟” قال بلال الشوبكي رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة الخليل إن الحديث عن حكم غزة فيما بعد الحرب مبني على فرضية غير موجودة ولا متوقعة، وهي أن الحرب وضعت أوزارها وانتصرت إسرائيل.
ضغط نفسي
ومن ثم فإن الأكاديمي بجامعة الخليل يرى أنه لا يمكن النظر إلى حديث واشنطن عن ذلك إلا كجزء من الحرب الدائرة، باعتبار أن الولايات المتحدة شريك أساسي فيها، ولذا تحاول أن تفرض حالة ضغط نفسي على الفلسطينيين بالحديث عن فرضيه هزيمتهم “فحقيقة الأمر أنه حال انتصرت إسرائيل، فإن الفلسطينيين هم من هزموا وليست حماس وحدها”.
ورأى الشوبكي كذلك أن تناول بلينكن للأمر محاولة لتوزيع أوزار الحرب على أطراف أوسع، بإشراك السلطة ودول عربية، معتبرا التعاطي مع ذلك من قبل السلطة خطأ إستراتيجيا كبيرا، حتى ولو كان في سياق الحديث عن حلول سياسية شاملة لإقامة دولة فلسطينية كاملة السيادة على حدود 1967.
وأرجع ذلك إلى أن واشنطن لا تبتغي من وراء ذلك إلا توسيع دائرة من يتحملون مسؤولية ما يجري في غزة، إضافة إلى امتصاص حالة الغضب الجماهيري المتنامية دوليا، والسعي إلى إعفائها من تحمل وزر الحرب أخلاقيا أمام المجتمع الدولي والجمهور الأميركي.
وأضاف الشوبكي بأنه في حال الأخذ بالفرضية الأميركية القائمة على هزيمة حماس والمقاومة، فإن الجميع يعلم أن تسلم الحكم في غزة بعد الحرب بمثابة انتحار سياسي، معتبرا أن السلطة ارتكبت خطأ بالقبول بمثل هذه اللقاءات حيث يرى فيها عملية استدراج أميركية لتقديمها أمام العالم على أنها جزء من المشهد وتتحمل المسؤولية معهم عما يجري في قطاع غزة.
شريكة في العدوان
بدوره، شدد حسن خريشة نائب رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني أن واشنطن شريكة في العدوان على قطاع غزة وهي من المخططين له ولاستمراره، ومن ثم فإن زيارات بلينكن المتكررة للمنطقة وحديثه عن إدارة قطاع غزة بعد الحرب تأتي في هذا الإطار.
وأشار إلى أن السيناريوهات التي يتم الحديث عنها تدور حول تشكيل نظام سياسي جديد في قطاع غزة سيكون مرتبطا بقوات الاحتلال وإدارات دولية أو عربية، معتبرا ذلك حديثا سابقا لأوانه لأن المعركة لم تنته بعد، حيث لا يزال الفلسطينيون صامدين.
ووافق خريشة الشوبكي في أن لقاء عباس بلينكن في هذا الظرف كان يجب ألا يكون، على اعتبار أن أي عودة إلى غزة على أشلاء الفلسطينيين ودمائهم لن تكون إلا على ظهر دبابة أميركية أو إسرائيلية و”لا يوجد فلسطيني حر يقبل أن يعود بهذه الطريقة المطروحة”.
وشدد على أن الاحتلال الإسرائيلي لن يستطيع اجتثاث المقاومة لأنها فكرة مستقرة لدى جميع الفلسطينيين، وأن جميع المشاريع المطروحة لن تمر، وأن مستقبل قطاع غزة لا بد أن يكون بحجم الإنجاز الذي تحقق في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي (طوفان الأقصى) الذي يماثل إنجاز العبور.