رغم فشل إسرائيل في تحقيق مخططها بتهجير سكان قطاع غزة بالقوة فإنها تحاول دفعهم دفعا لمغادرة القطاع المحاصر طلبا للحياة عبر استخدام سلاح التجويع بشراكة أميركية أوروبية واضحة، كما يقول حقوقيون ومحللون.
وقد رصد الحقوقيون والمحللون بدء إسرائيل حرب تجويع علنية متجاهلة كافة النداءات الأممية والانتقادات الحقوقية والغضب الشعبي المتزايد عالميا “لأن الولايات المتحدة والحلفاء الغربيين يواصلون توفير الغطاء السياسي والعسكري لها”.
ورغم أن واشنطن وكندا ودولا أخرى بدأت الحديث عن ضرورة إقرار هدنة إنسانية فإن المراقين يرون أن هذه الدول تسير في هذا الاتجاه ببطء يخدم خطط إسرائيل لتجويع المواطنين الفلسطينيين في غزة، في تجل كبير لعجز العالم عن تطبيق القانون الدولي على الجميع، كما يقول ماثيو تروسكوت رئيس قسم الشؤون الإنسانية في منظمة أوكسفام الدولية.
وخلال برنامج “غزة.. ماذا بعد”؟ قال تروسكوت إن على قادة العالم أن يدافعوا عن القانون الدولي ضد أي تجاوز كما حدث في أوكرانيا، وإن إسرائيل كدولة احتلال عليها أن توفر الماء والغذاء والممرات الإنسانية والملاذ الآمن للمدنيين.
وفي ظل ما تعيشه غزة من ظروف مروعة جعلت الناس بحاجة لكل شيء فعليا من ماء وطعام ودواء، فإن المسؤولية -وفق تروسكوت- تقع على عاتق قادة الدول وليس على منظمات المجتمع المدني التي لا تتوقف على توجيه النداءات.
حملة تجويع متعمدة
وبعيدا عما تقوله إسرائيل، فإنها -برأي تروسكوت- تمارس حملة تجويع وتعطيش متعمدة لأكثر من مليوني إنسان يعيشون في القطاع، وهو أمر لا يجب على المجتمع الدولي السكوت عنه.
وبالتالي، فإن على العالم التحرك فورا لوقف القتال وإدخال المساعدات بشكل عاجل ومحاسبة كل من خرق القانون الدولي، والأهم من كل هذا: وضع حل سياسي للصراع الذي وصل بنا إلى هذه المرحلة المروعة، كما يقول تروسكوت.
والرأي نفسه، ذهب إليه الأمين العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية الدكتور مصطفى البرغوثي بالقول إن إسرائيل لا تريد فقط القضاء على سكان القطاع ولا على حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وإنما على كل ما هو فلسطيني في غزة أو الضفة الغربية، تحت مظلة من التواطؤ الدولي والعجز العربي الواضحين.
ولفت البرغوثي إلى أن إسرائيل سمحت بدخول 360 شاحنة مساعدات رغم أن المطلوب هو 360 ألف شاحنة مطلوبة، ولم تسمح بوصول أي مساعدات إلى شمال غزة، ولم يحاسبها أحد.
وليس هذا فقط، فقد منعت إسرائيل -كما يقول البرغوثي- الطواقم الطبية الموجودة شمال غزة من الوصول إلى مخازن الأدوية لأنها تقصف كل شيء، مما يعني أنها ترتكب هولوكوست حقيقيا بالتجويع والتعطيش وتهيئة الظروف لنشر الأوبئة.
وقد تجاوز حصار غزة حصار النازيين لمدينة لينينغراد (سان بطرسبرغ) لأن إسرائيل تريد جعل الحياة في القطاع مستحيلة وتحويله إلى جحيم لتنفيذ مخطط التهجير الذي فشلت في تنفيذه بالقوة بسبب صمود الغزيين ورفض مصر الحازم، حسب البرغوثي.
الحل بيد العرب
وفي السياق نفسه، قال المحلل السياسي عريب الرنتاوي إن إسرائيل تحاول ابتزاز المقاومة وتأليب السكان عليها، لكنها في الوقت نفسه تمضي في تنفيذ مخطط التهجير على نهج كل الأنظمة النازية عبر التاريخ من خلال التدمير والتجويع وجعل المكان غير قابل لأي حياة.
وعن الموقف الأميركي مما يحدث، قال الرنتاوي إن واشنطن ترفض التهجير القسري لكنها تؤيد الهجرة الطوعية لكي تقول إن الفلسطينيين مارسوا حقهم في التنقل.
وحتى الأصوات الغربية التي بدأت ترفض ما تقوم به إسرائيل فإنها ترتفع بوتيرة لا تتناسب مع ما يحدث في غزة، وفق الرنتاوي الذي أكد أن العرب والمسلمين مسؤولون بالدرجة الأولى عن وقف هذا السيناريو.
وقال الرنتاوي إن إسرائيل لا سلطة لها على معبر رفح المصري الفلسطيني، وإن المطلوب حاليا لكسر سلاح التجويع الذي تضعه إسرائيل على رقاب الغزيين “هو تحرك عربي صارم وقوي واستخدام ما لديهم من إمكانيات أخرى لوقف العدوان ولو مؤقتا، طالما أنهم لن يستخدموا قوتهم العسكرية”.
ومن هذا المنطلق، فإن الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي مطالبتان -حسب الرنتاوي- بتوفير مظلة أمان للفلسطينيين في غزة بالقوة وبكل الطرق كبداية لإيجاد حالة دولية لمنع إسرائيل من التعامل بمنطق “أزعر الحي” الذي لا يحاسب لأنه مدعوم من القوة الأكبر في العالم.
وقد أيد البرغوثي حديث الرنتاوي، بقوله إن اللوم فيما يجري لا يوجه لإسرائيل وإنما للغرب -ساسة وإعلاما- لأنهم يتسترون على هذا الهولوكوست، وما هو مستقبل العالم في ظل هذه العقليات؟
لكن اللوم الأكبر والمسؤولية الحقيقية -يضيف البرغوثي- يقعان على الدول العربية التي يمكنها كسر الحصار وفرض وقف للقتال بعدة طرق لكنهم لا يفعلون حتى الآن لدرجة أن وزيرا بإحدى الدول الكبيرة خرج ليؤكد أن النفط لن يستخدم كسلاح في هذه المعركة.
ولا يجد البرغوثي حلا فعليا وعاجلا لإنقاذ المواطنين في غزة سوى أن يتحد العرب جميعا على كسر الحصار ودخول معبر رفح بالقوة، وأيضا أن يقولوا لداعمي إسرائيل “لا نقطة وقود لغزة يعني لا نقطة وقود لكم”.
أما تروسكوت، فقال إن حل الصراع لن يكون عسكريا أبدا وإنما هو سياسي من خلال فتح المعابر والسماح للناس بممارسة حقهم في التنقل بأمن وحرية، مؤكدا أن هذا التغول الإسرائيلي يكشف حقيقة أن على المجتمع الدولي استعادة احترامه لنفسه وإعادة القوة للقانون والضغط على من لا يحترمونه.
وختم بالقول “التحدي في غزة صعب ومروع منذ عقود، ولم نتمكن من إيصال المساعدات. لكن حاليا الأولوية لوقف القتال، والتعامل مع الأسباب الحقيقية التي وصلت بنا إلى هذا الوضع”.