القدس المحتلة- في الدفعة الثانية من صفقة تبادل الأسرى بين حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وإسرائيل عانقت الحرية فجر الأحد الأسيرات المقدسيات إسراء جعابيص وشروق دويّات وعائشة الأفغاني وفدوى حمادة ونورهان عواد، بالإضافة إلى ابن القدس الفتى عمر الشويكي.
وجاء الإفراج بعد ساعات طويلة من الانتظار نتيجة تعمد حماس تأخير الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين لديها، لأن إسرائيل خرقت بنود الهدنة المؤقتة وفقا لما أعلنته الحركة أمس السبت.
وقالت الأسيرة الجريحة إسراء جعابيص، للجزيرة لحظة وصولها إلى منزلها في بلدة جبل المكبر جنوب القدس إنها تخجل أن تفرح وفلسطين كلها جريحة، مضيفة أنه حان الوقت لمداواة جروحها التي انتظرت طويلا دون علاج في السجون.
ولا يمكن لهذه الأسيرة أن تمحي من ذاكرتها يوم 11 أكتوبر/تشرين الأول من عام 2015 عندما انفجرت أسطوانة غاز كانت معها في سيارتها بشكل عرضي على بعد عشرات الأمتار من حاجز الزعيّم العسكري بين مدينتي القدس وأريحا.
أتت الحروق نتيجة هذا الانفجار على 60% من جسدها، واعتبر الاحتلال حينها أن إسراء تعمدت تفجير نفسها على الحاجز ضمن أحداث المدينة المشتعلة التي عُرفت حينها بـ “هبّة القدس” التي اندلعت مطلع أكتوبر/تشرين الأول من العام ذاته.
أوجاعي مرئية
وبمجرد تحررها قالت إسراء “الحمد لله.. أوجاعي مرئية لا داعي للحديث عنها، هذا عدا عن أوجاعي من ناحية المشاعر والأحاسيس والشوق لأهلي لكن هذه ضريبة يدفعها كل سجين”.
وشددت جعابيص على ضرورة تحرير كافة الأسرى القدامى وخاصة الجرحى الذين يقبعون في السجون الإسرائيلية منذ أعوام طويلة، مشيرة إلى أنها لم تتوقع التحرر في صفقة بسبب شعورها بـ”الخذلان” حيال ذلك منذ فترة بعيدة.
وعن حال الأسيرات خلفها في سجن الدامون، شمالي إسرائيل قالت “تركت الأسيرات الطفلات يبكين، لأنهن تعرضن لانتهاكات كثيرة في السجن، وزادت حدة هذه الممارسات بعد السابع من أكتوبر الماضي”.
وتطرقت الجريحة جعابيص إلى باكورة الانتهاكات التي تزامنت مع بداية الحرب قائلة إن ممثلة الأسيرات مرح بكير سُحبت إلى عقوبة العزل الانفرادي، ثم تتالى سحب أسيرات أخريات، بينما تعرضت من بقي منهن في القسم للضرب والتنكيل ورش الغاز داخل الغرف “رشّت قوات القمع الغاز في الغرفة المجاورة لغرفتي، وأُصبت بالتهاب رئوي لم أتعاف منه سوى قبل أسبوع من الآن”.
تحررت إسراء التي يُفترض أن تباشر رحلة علاج طويلة لمداواتها من حروقها وترميم ما يمكن ترميمه بعد 8 سنوات من الإهمال الطبي الممنهج، وقبل أن تغادر الجزيرة منزلها قالت إنها تريد الآن أن تشبع من أهلها وتروي ظمأها برؤيتهم بعد الغياب الطويل.
عرس مؤجل
واستقبلت بلدة صور باهر جنوب القدس أيضا الأسيرة المقدسية شروق دويّات صاحبة أطول حكم بين الأسيرات المقدسيات والبالغ 16 عاما.
شروق دويات عبرت من خلال الجزيرة عن فرحتها الممزوجة بالألم الكبير قائلة “أشعر أنني أعيش حلما كبيرا.. لا أصدق أنني في ساحة منزلي وبين والديّ وأشقائي وأقاربي لكن فرحتي ممزوجة بالألم.. أترحم على أرواح الشهداء، وأتمنى أن تتوقف الحرب على غزة بأسرع وقت ممكن وأعتبر أننا في عرس وطني مؤجل لحين انتصار غزة”.
وعن الضغوطات النفسية التي مورست على الأسيرات فيما يخص الصفقة تطرقت شروق إلى اقتحام القسم للإفراج عن الدفعة الأولى، فسرته الأسيرات على أنه محاولة قمع جديدة.
“اقتحموا القسم بالطريقة ذاتها التي يقتحمون فيها القسم بهدف القمع، ثم نادوا على الأسيرات بشكل سريع وكبّلوهن بالأصفاد وغادروا مسرعين، أما اليوم فأخذونا وتعمدوا ممارسة الضغط النفسي بحقنا من خلال تعمد إرباكنا بالانتظار الطويل في مركز تحقيق المسكوبية بالقدس”.
مكثت الأسيرات المقدسيات وفقا لدويّات 9 ساعات في مركز التحقيق، وكان السجانون يقولون لهن بين الفينة والأخرى “ستخرجون بعد قليل” واستمر ذلك لما بعد منتصف الليل وهو ما أنهكهن بشكل كبير.
واعتُقلت شروق من طريق الواد في البلدة القديمة بعد إطلاق الرصاص عليها. وادّعى مستوطن أنها أقدمت على طعنه وأطلق 4 رصاصات تجاهها في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2015.
وكانت دويات تبلغ من العمر حينها (18 عاما)، والتحقت بجامعة بيت لحم لتدرس على مقاعدها تخصص التاريخ والجغرافيا، بعد أن حصلت على معدل 90% في نتائج الثانوية العامة.
دخلت شروق السجن بعدما ودعت مرحلة الطفولة بأشهر، وخرجت منه شابة تبلغ من العمر (26 عاما) بعد قضاء نصف محكوميتها بالسجن الفعلي.
أم لخمسة أطفال
كما استقبلت بلدة صور باهر أيضا المحررة فدوى حمادة وهي أم لخمسة أطفال انسلخت عنهم قسرا بعد اعتقالها في أغسطس/آب 2017 بزعم محاولتها تنفيذ عمليتي طعن بحق شرطي إسرائيلي ويهودي متشدد من “الحريديم” في منطقة باب العامود بالقدس، وحُكمت عليها بالسجن الفعلي لمدة 10 أعوام.
وفي بلدة سلوان المجاورة للمسجد الأقصى استقبل ذوو الأسيرة المحررة عائشة الأفغاني ابنتهم التي اعتقلت في 24 ديسمبر/كانون الأول 2016 في شارع الواد بالبلدة القديمة في القدس، بادعاء حيازتها لسكين كانت تنوي تنفيذ عملية طعن بها، وحكمت لاحقا بالسجن لمدة 15 عاما.
أما الفتى المحرر عمر شويكي -الذي ينحدر من البلدة ذاتها وكان يبلغ من العمر 15 عاما عند اعتقاله- فقال للجزيرة إن هناك كثيرا من الأطفال في سجون الاحتلال تتراوح أعمارهم بين 13 و15 عاما، يعيشون ظروفا صعبة للغاية منذ اندلاع الحرب.
ومساء الجمعة أفرجت كتائب القسام في غزة عن 13 مدنيا إسرائيليا و10 تايلنديين وفلبيني واحد، وفي المقابل أفرج الاحتلال الإسرائيلي عن 39 امرأة وطفلا، وذلك بموجب اتفاق هدنة مؤقتة دخل حيز التنفيذ صباح ذات اليوم.
ويتضمن الاتفاق إطلاق 50 أسيرا إسرائيليا من غزة، مقابل الإفراج عن 150 فلسطينيا من السجون الإسرائيلية، وإدخال مئات الشاحنات المحملة بالمساعدات الإنسانية والإغاثية والطبية والوقود إلى كل مناطق القطاع.
ووفق معطيات هيئة شؤون الأسرى يعتقل الاحتلال نحو 350 طفلا، إضافة إلى نحو 90 سيدة، من بين نحو 8 آلاف أسير.