قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون -أمس الثلاثاء- إن مستقبل الصحراء الغربية لا يمكن أن يكون إلا تحت السيادة المغربية وفي إطار مقترح الحكم الذاتي الذي قدمته المملكة عام 2007، ووعد باستثمارات فرنسية في هذا الإقليم، غداة إبرام البلدين عقودا بقيمة تناهز 10 مليارات يورو.
وأضاف ماكرون -الذي بدأ زيارة دولة للمملكة أول أمس وتستمر حتى الأربعاء- متحدثا أمام البرلمان المغربي بغرفتيه (مجلسي النواب والمستشارين) “أعيد التأكيد أمامكم، أنه بالنسبة لفرنسا، يندرج حاضر هذه المنطقة ومستقبلها في إطار السيادة المغربية”.
وقال أيضا “الاقتراح الذي قدمه المغرب عام 2007 يشكل الأساس الوحيد للوصول إلى حل سياسي عادل ومستدام ومتفاوض عليه طبقا للقرارات الأممية”.
وكان المغرب قد قدم ذلك العام مقترحا للحكم الذاتي للأقاليم الصحراوية في إطار السيادة المغربية، لحل هذا النزاع، وهو ما ترفضه كل من جبهة البوليساريو المتنازعة مع المغرب وكذلك الجزائر.
وضمت المملكة الصحراء، التي يعتبرها جزءا لا يتجزأ من أراضيها، عقب انسحاب الاستعمار الإسباني منها عام 1975، لتتأسس جبهة البوليساريو بعد عام وترفع السلاح في وجه المغرب مطالبة بانفصال الإقليم الغني بالفوسفات والثروة السمكية ويعتقد أن به مكامن نفطية. ولم يتوقف إطلاق النار إلا عام 1991، عندما تدخلت الأمم المتحدة.
وأضاف ماكرون في كلمته “أقولها أيضا بكل قوة: الفاعلون الاقتصاديون وشركاتنا سيرافقون تنمية هذه المنطقة عبر استثمارات ومبادرات دائمة وتضامنية لصالح سكانها”.
ووقعت عدة شركات فرنسية، بينها إنجي وإم إش إنرجي، عقودا لمشاريع إنتاج طاقة خضراء بالصحراء الغربية. وينتظر أن تنجز إنجي مشروعا طموحا لنقل الكهرباء من جنوب البلاد إلى الشمال.
وقد اندلعت أزمة دبلوماسية بين المغرب وفرنسا السنوات الثلاث الماضية بسبب النزاع حول الصحراء وقضايا الهجرة. لكنّ الأولوية التي خصّ بها الرئيس الفرنسي الجزائر بعد إعادة انتخابه عام 2022، قد زادَ من توتّر العلاقات بين الرباط وباريس.
واضطرت فرنسا في يوليو/تموز الماضي أن تعلن اعترافها بالمقترح المغربي حول الحكم الذاتي، واعتبرته “الإطار الذي يجب من خلاله حل هذه القضية” وهو ما أغضب الجزائر.
وأتاح هذا الموقف، الذي سبق لماكرون إعلانه في رسالة للملك محمد السادس نهاية يوليو/تموز، فتح صفحة جديدة في علاقات الحليفين التاريخيين، تزامنا مع ضغط المغرب على فرنسا لتحذو حذو واشنطن التي أعلنت أواخر 2020 اعترافها بسيادة الرباط على الصحراء الغربية.
وتشكل الصحراء الغربية -المستعمرة الإسبانية السابقة التي تصنفها الأمم المتحدة ضمن “الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي”- محور نزاع بين المغرب وجبهة بوليساريو المدعومة من الجزائر منذ نحو نصف قرن.
ليس عدائيا
وقال ماكرون “هذا الموقف ليس عدائيا ضد أي كان، وسيتيح فتح صفحة جديدة بيننا وبين كل من يريد أن يتعامل في إطار إقليمي متوسطي ومع الدول المجاورة للمغرب والاتحاد الأوربي”.
ووصف الموقف الفرنسي بأنه “متجذر في التاريخ يحترم الواقع ومتطلع للمستقبل” معلنا أن بلاده “سوف تقوم بتفعيله لمرافقة المغرب في المؤسسات الدولية”.
ومن جانبه شكر رئيس مجلس النواب رشيد طالبي علمي فرنسا على “موقفها التاريخي” بينما اعتبر رئيس الغرفة الثانية للبرلمان محمد ولد الرشيد، وهو صحراوي وحدوي، أنه “يشكل لحظة فاصلة في مسار التطور الإيجابي للحل النهائي لهذه القضية”.
وبالنسبة إلى المغرب، يعدّ هذا الاعتراف الرهان الأساس لتطبيع علاقاته مع فرنسا العضو الدائم بمجلس الأمن الذي يصدر قرارات سنوية حول هذا النزاع.
وكانت الجزائر أعربت مطلع أغسطس/آب عن رفضها الموقف الفرنسي المؤيد للمغرب، واستدعت سفيرها في باريس للتشاور.
ونهاية أكتوبر/تشرين الأول 2023، جدد مجلس الأمن الدولي دعوة أطراف النزاع إلى “استئناف المفاوضات” للتوصّل إلى حلّ “دائم ومقبول من الطرفين”.
لكن المغرب يشترط التفاوض فقط حول مقترح الحكم الذاتي، بينما تعارض الجزائر استئناف المفاوضات، على غرار تلك التي نظّمها في سويسرا المبعوث الأممي السابق الألماني هورست كولر الذي استقال من منصبه عام 2019 بسبب عدم إحرازه نتائج.
واجب إستراتيجي
من جانب آخر، دعا ماكرون في خطابه أمام البرلمانيين المغاربة إلى “تعاون طبيعي وسلس” يحقق “نتائج أوضح” بخصوص مسألة الهجرة غير النظامية.
وتحظى هذه المسألة باهتمام كبير لدى الجانب الفرنسي، إذ يريد وزير الداخلية الجديد -الذي يعتمد نهجا صارما بهذا الخصوص- دفع المغرب إلى استعادة مواطنين أوقِفوا لإقامتهم بطريقة غير نظاميّة في فرنسا.
كذلك أعلن الرئيس الفرنسي أن عقودا جديدة سيتم إبرامها الثلاثاء (أمس) بين البلدين، حيث يقام منتدى لرجال الأعمال بمناسبة زيارته المغرب، ووصف الشراكة بينهما بكونها “واجبا إستراتيجيا”.
وأبرم البلدان -ليل الاثنين- عقود اتفاقات استثمار بقيمة تناهز 10 مليارات يورو في مراسم ترأسها قائدا البلدين في قصر الضيافة بالرباط.
وتشمل هذه الاتفاقات ميادين عدة، بينها النقل بالسكك الحديد، إذ تأكدت مشاركة الشركتين الفرنسيتين ألستوم وإيجيس في الشطر الثاني للخط الفائق السرعة بين طنجة (شمال) ومراكش (وسط).
وستفاوض ألتسوم الجانب المغربي على تزويده بنحو 12 إلى 18 عربة قطار فائق السرعة، وفق ما أفادت مصادر مطلعة على الملف وكالة الأنباء الفرنسية.
وكانت باريس تأمل أن تبقى الطرف الرئيس في توسيع خط القطارات السريعة، بعدما حظيت بصفقة بناء المرحلة الأولى بين طنجة والدار البيضاء (شمال غرب). والخط يعد الأول في أفريقيا، وقد دشّنه قائدا البلدين عام 2018.
ويُنتظر أن يكون جاهزا قبل 2030، حين يشارك المغرب في تنظيم كأس العالم لكرة القدم مع إسبانيا والبرتغال، وفق ما أفاد مدير مكتب السكك الحديد المغربي ربيع الخليع الثلاثاء.
ومن جانب آخر وقّع البلدان اتفاقا “لتفعيل عرض المغرب في قطاع الهيدروجين الأخضر” بين شركة توتال إنرجي والحكومة المغربية. وتراهن الأخيرة على التموقع في السوق الدولية لهذه المادة، وأعلنت الأسبوع الماضي أنها تلقت 40 مقترح مشاريع ستخضع للانتقاء لاحقا، وجلها في منطقة الصحراء الغربية.
كذلك، أُعلِن عن اتّفاق بين عملاق الطيران الفرنسي “سافران” والحكومة المغربيّة لإنشاء “وحدة لصيانة محرّكات الطائرات وإصلاحها” إذ إنّ الرباط عملت السنوات الأخيرة على تطوير صناعة قطع الطائرات لتنويع الصادرات.
وأعلنت شركة الملاحة البحرية الفرنسية “سي إم إيه سي جي إم” الاثنين إبرام شراكة لاستغلال رصيف الحاويات في ميناء الناظور (شمال شرق) مناصفة مع شركة مارسا ماروك المغربية لمدة 25 عاما.
وحظي ماكرون باستقبال فخم حيث رافقه محمد السادس، الذي كان يتكئ على عصا، من مطار الرباط سلا حتى القصر الملكي في سيارة مخصصة للمراسم، ودعا الملك للقيام بزيارة دولة إلى فرنسا.