رافضا الخضوع لأوامر الإخلاء الإسرائيلية، يصر الفلسطيني إبراهيم عودة (42 عاما) على البقاء في مخيم جباليا للاجئين شمالي قطاع غزة رغم العملية العسكرية البرية المتواصلة منذ صباح الأحد.
عودة، الذي يقيم حاليا في خيمة نصبها بأحد مراكز الإيواء داخل المخيم، يقول إنه لن يغادر المخيم إلا “للسماء”، حتى وإن كلفه البقاء حياته، رغم فقدانه منزله واثنين من أبنائه خلال حرب الإبادة الجماعية المتواصلة على القطاع.
ويمكث عودة داخل خيمة النزوح برفقة زوجته وأبنائه الأربعة، إلى جانب المئات من أبناء مخيم جباليا الرافضين لمغادرته، رغم المخاطر المحدقة بأرواحهم في ظل الحصار الإسرائيلي للمخيم.
ويقول عودة لوكالة الأناضول “يحاول الاحتلال دفعنا للهجرة والنزوح لمناطق جنوب قطاع غزة بعد عام من صمودنا بالشمال وخسارتنا منازلنا وأعمالنا”.
واعتبر إخلاء المخيم أمرا “بعيد المنال” وسط إصرار أهالي المخيم على البقاء فيه مرددين أنهم “لن يخرجوا من أماكن سكنهم في الشمال إلا نحو السماء”، وفق قوله.
والأحد، أعلن الجيش الإسرائيلي بدء عملية عسكرية برية في جباليا، بذريعة منع حركة المقاومة الإسلامية (حماس) من استعادة قوتها في المنطقة”، وذلك بعد ساعات من بدء هجمة شرسة على المناطق الشرقية والغربية لشمالي القطاع منها جباليا هي الأعنف منذ مايو/أيار الماضي.
وهذه العملية البرية الثالثة التي ينفذها الجيش الإسرائيلي في مخيم جباليا شمالي القطاع منذ بداية حرب الإبادة الجماعية في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وخلال العمليات السابقة، قتلت القوات الإسرائيلية وأصابت مئات الفلسطينيين في قصف جوي ومدفعي وإطلاق نار داخل المخيم، إضافة لتدميرها وحرقها مئات المنازل.
خطة الإخلاء
والاثنين، بدأ الجيش الإسرائيلي بتهجير الفلسطينيين من 3 بلدات شمال قطاع غزة، في خطوة تبدو تطبيقا غير معلن لـ”خطة الجنرالات” التي تهدف لتفريغ شمال القطاع وفرض حصار مطبق عليه تمهيدا للاستيطان فيه.
وبالتزامن مع الذكرى الأولى لبدء حرب الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وجه متحدث الجيش أفيخاي أدرعي، في منشور على منصة إكس، تحذيرا إلى سكان بيت حانون وجباليا وبيت لاهيا ونشر خارطة للمناطق المطلوب إخلاؤها.
وقال أدرعي “عليكم إخلاء هذه المناطق فورا نحو المنطقة الإنسانية المستحدثة في المواصي” بخان يونس جنوبي قطاع غزة.
وتشبه الخارطة التي نشرها أدرعي الأحد خارطة “خطة الجنرالات” التي صاغها قادة سابقون في الجيش الإسرائيلي محسوبون على اليمين، بزعامة الرئيس الأسبق لمجلس الأمن القومي غيورا آيلاند.
وكشف عن “خطة الجنرالات” مطلع سبتمبر/أيلول الماضي، وتقضي بتهجير جميع الفلسطينيين من شمال القطاع ضمن مهلة تستمر أسبوعا قبل فرض حصار على المنطقة ووضع المقاتلين الفلسطينيين فيها بين خيار الموت أو الاستسلام.
ولم تعلن الحكومة الإسرائيلية تبني الخطة، لكن هيئة البث (رسمية) ذكرت في سبتمبر/أيلول أن المجلس الوزاري المصغر للشؤون السياسية والأمنية (الكابينت) يبحث هذه الخطة.
والأحد، ذكرت إذاعة الجيش أنه “لا توجد حاليا أي علاقة بين العملية العسكرية البرية التي بدأت في جباليا وبين تنفيذ خطة الأبطال أو خطة الجزيرة (الجنرالات).
وتابعت “هذه عملية عسكرية بحتة، وهي منفصلة تماما عن العملية السياسية، وحتى هذه المرحلة لم يحسم المستوى السياسي أي تنفيذ لخطة سياسية شمال قطاع غزة”.
لا مكان آمنا
وفي تعقيبه على أوامر الإخلاء، يقول عودة إن الجيش الإسرائيلي يحاول “إيهام أهالي الشمال بوجود أماكن آمنة في الجنوب، لكن تواصل جرائمه هناك وقتله المتعمد للنازحين يفضح هذه الكذبة”.
ويستكمل قائلا “في اليوم نفسه الذي بدأ فيه اجتياح مخيم جباليا، وطالبنا بالإخلاء نحو الجنوب، ارتكب مجزرة في المنطقة الإنسانية بمدينة دير البلح، وقصف مسجدا يضم نازحين آمنين”.
وفجر الأحد، استشهد 26 فلسطينيا وأصيب العشرات، في مجزرتين إسرائيليتين استهدفتا مدرسة ابن رشد في بلدة الزوايدة ومسجد “شهداء الأقصى” في دير البلح، اللذين يؤويان نازحين وسط قطاع غزة، وفق بيانات وزارة الصحة بالقطاع.
الشاب الفلسطيني مريد أحمد (26 عاما) من مخيم جباليا يشاطر عودة الرأي.
ويقول للأناضول “رفضنا الإخلاء منذ أيام الحرب الأولى قبل أن نخسر أيا من ممتلكاتنا أو أحبائنا، فكيف لنا أن نقبله الآن؟ خاصة مع استمرار الجرائم الإسرائيلية بحق أهلنا النازحين في الجنوب”.
ويعتقد أحمد أن الجيش الإسرائيلي يعتمد على مبدأ الضغط العسكري على أهالي جباليا بشكل عام لدفعهم للنزوح نحو الجنوب.
ويؤكد أن هذه السياسة أثبتت فشلها والدليل هو إصرار الناس على عدم مغادرة منازلهم إلى مناطق أخرى، رغم اقتراب آليات الجيش الإسرائيلي منهم بشكل واضح.
وتمسك الآلاف من أهالي شمال قطاع غزة بخيار البقاء بمنازلهم وعدم النزوح للمناطق الجنوبية، منذ 14 أكتوبر/تشرين الأول 2023، حينما أصدر الجيش الإسرائيلي أول أمر إخلاء لهم.
ومن أصل 1.2 مليون نسمة كانوا يقطنون محافظتي غزة والشمال يوجد حاليا نحو 700 ألف نسمة رفضوا النزوح إلى جنوب القطاع، وفق بيانات رسمية فلسطينية.
حصار الشمال
منذ بداية العملية العسكرية الأخيرة، عمد الجيش الإسرائيلي إلى فرض حصار خانق على محافظة شمال قطاع غزة خاصة منطقة جباليا، مستهدفا كل من يحاول الخروج منها، مما أدى لإصابة عدد من المواطنين.
ويتوغل الجيش الإسرائيلي حاليا، في مناطق متفرقة من مخيم جباليا انطلاقا من السياج الشرقي، وفي محيط منطقة دوار أبو شرخ (غرب المخيم)، فضلا عن توغله بمحيط حي دوار “التوام” شمال غرب القطاع، بحسب شهود عيان.
ومع أوامر الإخلاء حاول بعض المواطنين الخروج من جباليا، لكنهم تعرضوا لاستهدافات إسرائيلية.
الفلسطيني أسعد النادي، من سكان بلدة جباليا، قال للأناضول إنه “حاول النزوح من المخيم برفقة عائلته للنجاة من بطش الاحتلال، نحو منطقة آمنة غرب مدينة غزة، إلا أنهم تعرضوا للاستهداف، مما أسفر عن إصابة نجله محمد (16 عاما).
وبصعوبة بالغة تمكن من نقل ابنه الذي أصيب برصاص في قدمه أطلقتها صوبه مسيرة إسرائيلية، حيث حمله على كتفه حتى وصل به أول سيارة إسعاف، وتم نقله لمستشفى المعمداني لتلقي العلاج.
ورغم الاستهداف المباشر والخوف المتواصل جراء هذه الجرائم المتصاعدة، فإن النادي قرر عدم النزوح إلى مناطق جنوب القطاع بشكل قاطع، وذلك بعد “صموده في جباليا لمدة عام كامل”.
وأشار إلى أنه من الممكن أن ينزح ويتنقل داخل محافظتي غزة والشمال، لكنه لن ينتقل أبدا إلى الجنوب، إذ إن النازحين الذين فروا نحو المناطق الجنوبية بداية حرب الإبادة، لم يتمكنوا من العودة لغزة والشمال حتى اليوم.
وتأتي هذه العملية العسكرية في الشمال بالتزامن مع مرور عام كامل من إطلاق إسرائيل، بدعم أميركي، حرب إبادة جماعية في غزة، أسفرت عن أكثر من 139 ألف شهيد وجريح فلسطيني، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قتلت عشرات الأطفال والمسنين.
وتواصل تل أبيب مجازرها متجاهلة قرار مجلس الأمن الدولي بإنهائها فورا، وأوامر محكمة العدل الدولية باتخاذ تدابير لمنع أعمال “الإبادة الجماعية” وتحسين الوضع الإنساني المزري بغزة.