بالتأكيد على بقاء “كل الخيارات مطروحة على الطاولة”، تمسك الأردن بموقفه الرافض للتصعيد الإسرائيلي بغزة وآخر التطورات بالقطاع الذي يشهد أزمة إنسانية حادة، في وقت تواجه عمّان ضغوطا شعبية من أجل إنهاء التطبيع مع إسرائيل، ما يطرح أسئلة بشأن مستقبل العلاقات الثنائية بين البلدين.
وقال رئيس الوزراء، بشر الخصاونة، الاثنين، في سياق حديثه عما اعتبره “تصاعد العدوان الإسرائيلي الذي أسفر عن مجازر” في غزة، إن “كل الخيارات مطروحة على الطاولة” بالنسبة لبلاده في إطار “موقفها المتدرج”.
وفيما لم يوضح رئيس الوزراء الأردني، في كلمته أمام مجلس النواب طبيعة الخطوات الأخرى التي قد تلجأ إليها بلاده بعد إجراء سحب سفيره واعتبار السفير الإسرائيلي “غير مرغوب فيه”، ردّت الخارجية الإسرائيلية بالقول إن العلاقات مع الأردن “ذات أهمية استراتيجية لكلا البلدين”.
“عصا في العجلة”
وبشأن ما إن كانت الحرب الدائرة بغزة نقطة تحول في مستقبل العلاقات بين البلدين، يرى رئيس الجمعية الأردنية للعلوم السياسية، خالد شنيكات، أن بلاده “لا تسعى للصدام مع إسرائيل”، موضحا أن السلوكات الإسرائيلية في حربها على غزة “هي ما يضع العصا في العجلة، وتزيد التوتر وعدم الاستقرار بالمنطقة”.
وقال الخصاونة إن الحصار الذي تفرضه إسرائيل على القطاع المكتظ بالسكان ليس دفاعا عن النفس كما تزعم، مضيفا أن الهجوم الإسرائيلي لا يميز بين الأهداف المدنية والعسكرية ويمتد إلى المناطق الآمنة وسيارات الإسعاف.
وردا على تصريحات المسؤول الأردني، أبدت وزارة الخارجية الإسرائيلية أسفها لما وصفته بـ”التصريحات التحريضية الصادرة عن القيادة الأردنية”.
وتنفي إسرائيل قصف أهداف مدنية عمدا في مناطق مكتظة بالسكان، وقالت إن حماس تستخدم المدنيين دروعا بشرية، وتحفر أنفاقا تحت المستشفيات، وتستخدم سيارات الإسعاف لنقل مقاتليها.
ويضيف شنيكات، في تصريح لموقع “الحرة”، أنه منذ وصول اليمين المتطرف إلى الحكومة الإسرائيلية، بدأت العلاقة بين البلدين تشهد “توترا وتدهورا” على المستويات كافة.
ويلفت في هذا الجانب إلى ما اعتبرها تصريحات لأطراف إسرائيلية متطرفة “تستهدف الوصاية الهاشمية وترفض إقامة دولة فلسطينية، التي تشكل جانبا أساسيا في اتفاقية السلام بين البلدين”.
وقال دبلوماسيون لرويترز، إن التعليقات الأردنية الأخيرة تكشف أن عمان “قد تتجه لمراجعة علاقاتها الاقتصادية والأمنية والسياسية مع إسرائيل، بل وتدرس تعليق المزيد من الخطوات في تنفيذ معاهدة السلام إذا تفاقمت إراقة الدماء في غزة”.
ويضيف شنيكات أن عدة اتفاقيات تجمع الأردن مع الجانب الإسرائيلي، أبرزها اتفاقية السلام الموقعة عام 1994، وبعدها اتفاقيات الغاز والتعاون في إنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية وتحلية المياه، والتي عكست تطورا في العلاقة وراهن الأردن من خلالها على أن مسار السلام يسير بالاتجاه الصحيح.
ويوضح شنيكات أن خيارات الأردن “ما تزال إلى الآن في إطارها الدبلوماسي، من خلال خطوة استدعاء السفير، وقد تتطور أيضا نحو إيقاف العمل ببعض اتفاقيات التعاون الاقتصادي والأمني، مؤكدا أن “أي خطوات أخرى، مثل قطع شامل للعلاقات، ستبقى رهينة تطورات الحرب في غزة.
“التوتر أصبح سمة بارزة”
ومنذ اندلاع الحرب في غزة، توالت تحذيرات من عمّان من اتساع نطاق الحرب إلى الضفة الغربية على حدودها، ما من شأنه أي يدفع اللاجئين الفلسطينيين للهجرة إليها.
في هذا السياق، جدد رئيس الوزراء الأردني، تأكيده على أن أي محاولات أو خلق ظروف لتهجير الفلسطينيين من غزة أو الضفة الغربية “خط أحمر” وسيعتبره الأردن بمثابة “إعلان حرب”، مشيرا إلى أن “مكان الشعب الفلسطيني الشقيق على أرضه وليس في أي مكان آخر”.
في هذا الجانب، يوضح المحلل الأردني أن عمان تخشى من موجة لاجئين جديدة من هذه الحرب، إذا ما تواصل التصعيد الإسرائيلي سواء في غزة أو الضفة الغربية، وهو الأمر المرفوض تماما.
وبداية العام الجاري، عقد عاهل الأردن الملك عبد الله الثاني لقاء نادرا مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، في عمان، هو الأول منذ عودة الأخير إلى السلطة، وبعد توتر ساد علاقتهما في السنوات الأخيرة. ويعود آخر لقاء معلن بين الطرفين إلى عام 2018.
وتوترت العلاقات بين الأردن وإسرائيل لسنوات طويلة في محطات عدة في ظل وجود نتانياهو في السلطة، بدءا من محاولة الموساد اغتيال رئيس المكتب السياسي السابق لحركة حماس، خالد مشعل، في عمان عام 1997، مرورا بمقتل أردنيين اثنين في سفارة إسرائيل في عمان عام 2017 واستقبال نتانياهو للقاتل، وصولا إلى إلغاء نتانياهو عام 2021 رحلة تاريخية إلى الإمارات بعد رفض المملكة فتح مجالها الجوي أمام طائرته، بحسب فرانس برس.
وجاء الإجراء الأردني حينها عقب عرقلة تل أبيب لزيارة كانت مقررة لولي العهد الأردني الأمير حسين بن عبد الله إلى القدس للصلاة في الأقصى بمناسبة ذكرى الإسراء والمعراج، وفق السلطات الأردنية.
واستدعت وزارة الخارجية الأردنية السفير الإسرائيلي في عمان مرتين في يناير الماضي، الأولى احتجاجا على دخول وزير الأمن الإسرائيلي إيتامار بن غفير باحات المسجد الأقصى، والثانية احتجاجا على اعتراض شرطي إسرائيلي طريق سفير الأردن في تل أبيب لدى زيارته الأقصى.
في هذا السياق، يوضح شنيكات أن التوتر الدائم بات يطبع العلاقات بين البلدين خلال السنوات الأخيرة، وبالتالي تبقى خيارات تجاوز التواصل الدبلوماسي والتعاون الأمني والاقتصادي مطروحة في ظل “الأهداف الإسرائيلية الخطيرة”، خاصة ما يتعلق بسياسات العقاب الجماعي التي تؤدي مباشرة إلى توتر شعبي بالأردن.
ويلفت شنيكات إلى أن “هناك مساع نحو الدفع لصدام كلي مع إسرائيل في ظل حالة فقدان الأمل من هذه العلاقة” التي يقول إن الكثيرين باتوا يرون أنها “لم تحقق النتائج المرجوة، وهكذا قد تذهب عمان نحو اتخاذ القرار المناسب على ضوء السلوكات الإسرائيلية التي لا تراعي هذه العلاقة”.
“إجراءات شكلية”
في المقابل، يستبعد الكاتب والباحث السياسي الإسرائيلي، شلومو غانور، تأثر العلاقات مع الأردن إلى درجة قطع العلاقات الدبلوماسية أو إلغاء معاهدة السلام أو وقف التعاون الأمني- الاستراتيجي بين البلدين.
ويوضح غانور، في تصريح لموقع “الحرة”، أنه بالإضافة إلى المصالح المشتركة الاقتصادية والأمنية، فإن البلدين يشكلان “حلقة هامة في شبكة الدفاع الإقليمية”، مشيرا إلى أن “أي إخلال بهذه المنظومة ستكون له تداعيات سلبية على سائر الدول العربية المعتدلة في المنطقة”.
ويبلغ عدد اللاجئين الفلسطينيين في الأردن نحو 2.2 مليون، وفق الأمم المتحدة.
ويشكل الأردنيون من أصل فلسطيني نحو نصف عدد سكان المملكة، التي كانت الضفة الغربية تخضع لإدارتها قبل حرب يونيو 1967، وفقا لفرانس برس.
وتشهد مدن أردنية منذ أسابيع مظاهرات حاشدة منددة بـ”التجاوزات” الإسرائيلية في قطاع غزة، آخرها، تلك التي خرجت، الجمعة الماضية، والتي طالب فيها آلاف المتظاهرين العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني بوضع اتفاق السلام الموقع مع إسرائيل “في كفة، وعدوانها على غزة في كفة”، وفقا لفرانس برس.
في هذا السياق، يقول الباحث الإسرائيلي إن النظام الأردني “يواجه صعوبات داخلية، بسبب النسبة الفلسطينية الكبيرة من المجتمع الأردني، ولذلك كل ما نراه من ردود فعل هو لإرضاء هذه الشريحة بإجراءات شكلية بسيطة لا تمس بالمصالح العليا للمملكة”، على حد تعبيره.