“لا نزال أحياء ولكن مات فينا كل شيء”.. يوميات نازحة في رفح

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 6 دقيقة للقراءة

مع بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، بدأت القنوات والوكالات العالمية والنشطاء بتوثيق معاناة أهالي غزة وما يتعرضون له من حرب إبادة ونزوح قسري في ظل القصف الإسرائيلي المستمر على القطاع منذ 113 يوما.

ولكنْ هناك قصص لا توثقها عدسات المصورين، فيدونها أصحابها عبر حساباتهم على منصات التواصل الاجتماعي، فيكتبون يومياتهم مع حياتهم الجديدة في النزوح، والمعاناة التي يعيشونها في مسكنهم الجديد.

نور عاشور النازحة من شمال قطاع غزة إلى رفح تكتب يومياتها وما يصادفهامن قصص النزوح عبر حسابها على منصت “إكس”.

نور هذه المرة كتبت قصة صديقتها شيماء. وعنونت تغريدتها: “صديقتي شيماء من مخيمات النازحين كتبت”، وسردت نور معاناة صديقتها في رحلة النزوح وما تشعر به في ليالٍ عاصفة ماطرة شديدة البرودة، حتى بزوغ أول شعاع الشمس في مسكنها الجديد “الخيمة” في مكان نزوحها في رفح.

وتصف شيماء ساعاتها الأولى مع دخول الليل وغروب الشمس: “ساعاتٌ طويلة من الليل نقضيها في مكان مظلم وضيق، أجلس في زاوية الخيمة بعد أن افترشت ما تيسر من الأغطية التي لا تقي بردا، وفي حضني طفلاي الصغيران في محاولة مني تدفئة جسديهما الصغيرين، بعد يوم طويل صعب قضيناه في مخيم النزوح الذي يفتقر لأدنى مقومات الحياة”.

إذن شيماء هي أم لطفلين، وكأي أم تحاول أن تهوّن عليهما حياتهما الجديدة التي لم يألفوها من قبل. وتقول شيماء: “طفلاي يختبران صبري بأسئلتهما المتكررة التي لا أملك لها إجابة. أين بيتنا؟ وماذا حل به؟ لم تم استهدافه؟ وهل بقيت ألعابنا؟ متى سنعود ولم نحن هنا؟ أهوِّن على قلوبهم الصغيرة، بل على نفسي بأن القادم أجمل”.

ومن أبسط حقوق الطفل أن يذهب إلى المدرسة واللعب مع أصدقائه، ولكن هذه الحياة الطبيعية أصبحت من الماضي والذكريات لدى أنس بن شيماء الأكبر. وكتبت الأم في يومياتها: “يبدأ ابني أنس بسرد ما يجول في ذاكرته من ذكريات عاشها قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي. أصدقاؤه، مدرسته، مشاويرنا معا، يسرد ويتبعها بقول (بتتذكري يا ماما؟) أتذكر يا صغيري وكيف لي أن أنسى!. في الوقت الذي يتمنى فيه الأطفال امتلاك لعبة جديدة أو الذهاب إلى مدينة الملاهي، يطلب مني أنس “ماما أمانة بس تخلص الحرب بدي صينية دجاج بالخضار اللي كنتي تعمليلي ياها”.

ويستمر الحديث بين الأم وابنها عن الماضي والذكريات والحياة الجميلة التي كانوا يعيشونها في بيتهم في شمال قطاع غزة، ولكن هناك صوت صغير قاطع حديثهما؛ إنه صوت أمير ابنها الأصغر الذي أنهكه البرد، حيث يخبرها بشعوره بالبرد بالقول: “ماما بردان”. هنا يعيد أمير أمه لحياة النزوح القاسية، والواقع المرير في خيمة لا تقيهم الشتاء القارص، فتقول شيماء: “هنا أبدأ بفرك قدميه الباردتين حتى يدفأ وينام”، وتقصد أمير. وتكمل: “أعتذر منكم يا صغيري بالنيابة عن كل من خذلنا وتآمر علينا، أعتذر منكم على كل ما عشتموه، أعتذر على كل ذكرى مؤلمة طُبعت في ذاكرتكم، أعتذر لأني وقفتُ عاجزة أمام كل ما يجري، لا ذنب لكم سوى أنكم من بقعة جغرافية لا يراها ولا يسمع صوتها أحد.. وتكمل شيماء قصتها مع ليل النزوح وتقول: “ينام طفلاي الصغيران ولا أستطيع أن أغفو”.

وبعد أن ينام الطفلان تجلس شيماء مع نفسها وبيدها هاتفها الذي يعيدها إلى حياتها التي كانت تعيشها مع أسرتها وأصدقائها قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول، تقلّب بين الصور، وتقول: “أقضي الوقت في تقليب صور الهاتف، أُحدّق في كل صورة، فتنهمر مني الدموع شوقا وحزنا ووجعا، يختلط تفكيري ما بين ماضٍ لم يبق منه شيء وبين مستقبل مجهول لا أعلم خفاياه، بعد أن توقف كل ما كنت أسعى لأجله”.

وتكمل شيماء في كتابة ذكرياتها مع النزوح بالقول: “لم تكن خشونة العيش جديدةً علينا، ولكننا الآن نكتشف أبعادا جديدة للبؤس، إننا نفعل الآن ما لم نكن نتصور من قبل أننا سنفعله، إننا ننحدر بسرعة إلى حيثُ لا يبقى غير غريزة البقاء بأي ثمن. أنا وغيري في هذه المدينة المنكوبة لا حيلة لنا وليس بوسعنا شيء، ولكني على يقين بأنه إن تغافل عنا العالم بأسره فإن الله لن يضيعنا ولن ينسانا، وأن فرج الله ونصره قريبان وعوضه كبير كبير”.

وتختتم شيماء رسالتها التي نقلتها نور عاشور بالسؤال: لمن يهمه حالنا؟، فتجيب: “نحن لا نزال أحياء، ولكن مات فينا كل شيء! والله عاش من مات ومات من نجا”.

هذه قصة كتبتها نازحة من أهالي غزة التي هجرها الاحتلال الإسرائيلي قسرا من منزلها، إلى خيمة تسكنها لا توفر لها ولطفليها أدنى مقومات الحياة الكريمة.

 

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *