وصلت حصيلة القتلى إثر “هجوم المسيّرات” الذي استهدف الكلية الحربية بحمص، ظهر الخميس إلى 66 قتيلا و184 جريحا بحسب وسائل إعلام مقربة من النظام السوري، وبينما وصفت وزارة دفاع الأخير الحادثة بـ”الاعتداء الإرهابي” أبقت دائرة الاتهام مفتوحة، دون أن تحمّل المسؤولية لجهة بعينها.
وأورد الحصيلة المذكورة للقتلى مراسل إذاعة “المدينة إف إم” في مدينة حمص، وحيد يزبك، بينما ذكر “المرصد السوري لحقوق الإنسان” أن 120 شخصا سقطوا بين قتيل وجريح جراء الهجوم.
وجاء في بيان لـ”الدفاع السورية”، بعد نصف ساعة من الهجوم، أن “عددا من الشهداء المدنيين والعسكريين ارتقوا وأصيب العشرات”، جراء “اعتداء إرهابي بمسيرات محملة بذخائر متفجرة”، استهدف حفل تخريج طلاب ضباط “الكلية الحربية”.
ولا تقتصر هوية القتلى على العسكريين والطلاب الضباط بل تشمل المدنيين، وفق الوزارة وشبكات إخبارية نشرت العديد من الصور للضحايا، عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
ونقل المصابون في الساعات الماضية إلى “المشفى العسكري” بحمص ومشفى الباسل ومشفى النهضة والمشفى الأهلي والرازي، كما أورد “المرصد السوري”، وسط معلومات أشار إليها عن مفارقة بعضهم للحياة متأثرين بجراحهم.
ولم يسبق أن شهدت حمص وهي مدينة تقع وسط سوريا وبعيدة عن خطوط الجبهات مثل هذه الهجمات على مدى السنوات الماضية. ومع ذلك دائما ما كانت تتعرض مواقع عسكرية فيها لقصف جوي ينسب لإسرائيل.
وتقع “الكلية الحربية” في حمص في منطقة المحاذية لحي الوعر، ولم تكن قد تعرضت لأي عمليات عسكرية أو هجمات، منذ تحول الحراك السلمي إلى مسلح بعد 2011.
ويقع بالقرب منها ثكنات عسكرية أخرى تابعة للنظام بينها كلية المدرعات، وكلية الشؤون الفنية والأشغال العسكرية والمشفى العسكري، ضمن إطار ما يعرف محليا داخل المدينة بـ”تجمع الكليات الحربية”.
وحتى الآن لم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن التفجير، بينما ينظر إليه مراقبون “بعين الريبة”، وخلال حديثٍ لهم مع موقع “الحرة”.
وفي حين جاء في الرواية الرسمية للنظام السوري أن ما حصل “اعتداء إرهابي” لم يحمّل الأخير جهة بعينها المسؤولية، واقتصر بيانه على “ضلوع تنظيمات إرهابية مسلحة مدعومة من أطراف دولية معروفة”.
ويوضح الباحث في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية”، نوار شعبان أنه “وفي أيام ذرورة ضعف النظام السوري لم تفكر أي جهة بالاقتراب من مجمع الكليات العسكرية الواقعة في محيط مدينة حمص”.
ويقول شعبان لموقع “الحرة”: “هذه المنطقة وهيكليتها وتفاصيلها التقنية عند النظام السوري حصرا”.
ومن “سيُقدم على هذا الهجوم سيكون على اطلاع ومعرفة كاملة بتفاصيل مجمع الكليات الحربية في المدينة”، حسب تعبير الباحث السوري.
في المقابل يقول المحلل السياسي المقيم في دمشق، غسان يوسف إن “بيان وزارة الدفاع السورية لم يحدد جهة بعينها لأن الدولة لم تتأكد بعد” من تفاصيل الهجوم كاملا.
ويضيف لموقع “الحرة”: “الهجوم تقف وراءه دول باعتبار أنه وصل إلى مقر تخرج الطلاب في الكلية”.
وكتب الباحث في موقع التواصل “x”، فراس فحام أن “حادثة استهداف الكلية الحربية في حمص التابعة للنظام السوري مريبة للغاية ويمكن تسجيل الملاحظات التالية حولها”.
أولى الملاحظات كما أوردها فحام أن “التنظيمات (باستثناء المرتبطة بإيران) تمتلك طائرات مسيرة بسيطة لا تستطيع التحليق لمسافات كبيرة أو حمل متفجرات ذات وزن”.
ويضيف من جانب آخر أن “الهجوم حصل بعد مغادرة وزير الدفاع وكبار الضباط، واستهدف طلاب الكلية الحربية مع عوائلهم”، متسائلا: “لماذا لم تقم الجهة المنفذة باستهداف الحفل أثناء وجود الضباط الكبار لتعظيم الخسائر؟”.
كما أشار إلى أن “إعلام النظام السوري هو من بادر لنشر الأخبار وبشكل واسع النطاق، وهذا يتناقض مع سياساته الإعلامية الحذرة وشديدة الحرص الأمني!”.
“منطقة محمية”
وفي أعقاب الإعلان عن الهجوم فتحت وسائل الإعلام الرسمية تغطيات لمتابعة آخر المستجدات المتعلقة بالحادثة، واستضافت محللين تباينت آراؤهم كما هو حال بيان “وزارة الدفاع السورية”.
وبينما وجه محللون على قناة “الإخبارية السورية” اتهامات لتنظيمات تدعمها أميركا، حسب تعبيرهم، أشار آخرون إلى مسؤولية جهات أخرى تقف وراءها دول.
لكن الباحث السوري شعبان يستبعد فكرة حصول الهجوم من خارج مناطق سيطرة النظام السوري، ويقول: “لو كانت حمص أو مجمع الكليات الحربية قريبة من مناطق سيطرة المعارضة لوضعنا إمكانية وصول المسيرات”.
ويوضح شعبان: “المنطقة المتاخمة بالكلية الحربية محمية. الدرونات لدى الأطراف في سوريا غالبيتها محلية الصنع وبسيطة ولا تصل إلى مناطق بعيدة”.
ووفق ما يعتقد شعبان فإن “الجهة التي نفذت الهجوم ليست معارضة أو تنشط ضمن مناطق النظام، بل ضمنه ولها قدرة على النشاط بالقرب من منطقة الكليات الحربية”.
“كافة التشكيلات التي تبنت هجومات سابقة ضد النظام في أرياف المنطقة لا قدرة لها ولم تنشط في حمص منذ سنوات طويلة”.
ويتابع شعبان: “الهجوم إن دل على شيء دل على الثغرات الأمنية التي بدأت تظهر مع الزمن”.
وتخضع مدينة حمص بالكامل لسيطرة النظام السوري، وكانت قوات الأخير قد أجبرت فصائل من المعارضة فيها عام 2014 على الخروج إلى الشمال السوري، بموجب اتفاق. وبعد 3 سنوات من الاتفاق المعروف باسم “أحياء حمص القديمة” اضطر مقاتلون معارضون آخرون في حي الوعر للتهجير إلى الشمال السوري، بعدما أطلق النظام السوري حملة عسكرية، في إطار حملاته التي كانت تستهدف مناطق كثيرة في البلاد.
ويأتي الهجوم النادر في الكلية الحربية بحمص في وقت تعيش المحافظات السورية الخاضعة للنظام السوري أزمة معيشية غير مسبوقة، وبينما تواصل محافظة السويداء احتجاجاتها الشعبية ضد النظام السوري، مطالبة بإسقاطه ورحيل رئيسه.
كما يأتي في ظل حالة من الجمود السياسي يشهدها الملف السوري، واشتعال بعض الجبهات في شمال وشرقي البلاد، دون أن يحدث ذلك أي تغيّر على الخرائط المحددة لمناطق نفوذ أطراف الصراع.